أجرت دانيا عقاد وماري أتكنسون مقابلة لموقع "ميدل إيست آي" في لندن، مع السياسي
المصري المستقل عبد المنعم أبو الفتوح، الذي حازت انتقاداته للنظام المصري الأسبوع الماضي على العناوين الرئيسية في الصحف، حيث دعا المصريين إلى
انتخابات رئاسية مبكرة، أو مواجهة الفوضى أو
انقلاب عسكري آخر.
ويقول أبو الفتوح حول اسم حزبه "بناء مصر" إنه اختار اسمه بناء على الشعار الذي اتخذه خلال حملته الانتخابية للرئاسة، حيث يقصد بالقوة قوة العزيمة، والعمل الدؤوب، والعمل المبدع الخلاق، وتعاضد المواطنين في عملهم، والعمل على التقدم بمصر، وحماية المظلومين، بغض النظر عن ديانتهم أو توجهاتهم السياسية.
وحول الانتخابات البرلمانية الحالية، وعن سبب عدم تمكن كثير من أحزاب المعارضة من دخولها، يقول إن "الوضع السياسي للحكومة والمعارضة في مصر وضع مأساوي، والنظام يرفض أي نشاط سياسي. وقد مرر قانونا انتخابيا يجعل الانتخابات سباقا في إنفاق الأموال على الحملات الانتخابية، والاستفادة من العلاقات العائلية والقبلية لتحصيل الأصوات. وأوقف هذا القانون أي منافسة سياسية حقيقية بين الأحزاب. وقد تبدو النتائج نجاحا للنظام، حيث حصل على برلمان صديق، ولكنه في الواقع يدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية، حيث سيدفع هذا الحال بالشباب إلى المزيد من التطرف".
ويقول أبو الفتوح عن مدى استقرار حكومة
السيسي إنها "غير مبنية على الشرعية أو الإنجازات، ولا حتى على الرضا الجماهيري، ولكنها قائمة على الهراوات. فالنظام يعتمد على خوف الناس من المستقبل، حيث يوهمهم بأن السيسي هو البديل الوحيد لتنظيم الدولة وغيره من التنظيمات المتطرفة، وهذا بالضبط ما استخدمه مبارك خلال سنوات الفشل كلها".
ويضيف: "إن مصر تحتاج إلى استقرار حقيقي يقوم على الديمقراطية، وترك المجال للاختيار والمساءلة على مستوى الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وهذا ما سيسمح لمصر بتجاوز أزمتها الاقتصادية وينهي الفساد".
ويقول عن الاقتصاد المصري، إنه "يعاني من مشكلات بنيوية ومشكلات إجرائية، ولا يزال يعتمد على الأرباح من قناة السويس، وتحويلات المصريين الذين يعملون في الخارج والسياحة. ويساعد هذا الاقتصاد بعض الإنتاج الزراعي والصناعي.. ولكنْ هناك غياب شبه تام للشفافية، ولا تزال هناك عقبات كبيرة للتوصل إلى معلومات حول أنشطة الحكومة الاقتصادية".
ويتابع أبو الفتوح في المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21": "إن الركود الاقتصادي عرض للمشكلات البنيوية المزمنة التي تعاني منها البلد. وتزيد هذه المشكلات الهوة بين قطاعات المجتمع المختلفة يوميا. ولا أمل في حلها دون إقامة نظام ديمقراطي يسمح بالشفافية ونشر المعلومات. ودون هذا، فإن الركود سيزداد، وسيبقى المال بأيدي دائرة محدودة من رجال الأعمال، وهذا سيزيد المشكلات الاجتماعية التي نراها، التي تدفع بالمصريين، الذين يعيش الكثير منهم تحت خط الفقر، نحو الفقر المدقع".
ويذكر الموقع أنه إجابة عن سؤال حول تنظيم الدولة، ومدى تغلغله في مصر، وكيف كان سيعالج أسباب قيام التنظيم، قال أبو الفتوح: "لحسن الحظ، فإن تنظيم الدولة لم يتجذر في منطقة الدلتا ومصر العليا، ويبقى محدودا في شمال سيناء. ولكن زيادة القمع والفشل في معالجة الأسباب الجذرية للتشدد تدفعنا نحو مستقبل لا أحد يرغبه في بلادنا".
ويواصل قائلا: "نشأت الجماعات التكفيرية، ومنها تنظيم الدولة، لأسباب مختلفة، أحدها أيديولوجي، ووجدت هذه الأفكار المتطرفة أرضا خصبة؛ بسبب الغياب شبه التام للدعاة المقنعين القادرين على الحوار لترويج الروح الأصيلة للإسلام، تلك الروح التي تدعو المؤمنين إلى حماية المدنيين، مهما كانت عقيدتهم الدينية. ويمكن إلقاء اللوم على عدد من المنظمات لفشلها في تقديم تعليم ديني جيد، بما في ذلك الأزهر والإخوان والسلفيون".
ويشير أبو الفتوح إلى أن أحد العوامل التي تشجع على هذه الظاهرة، هو القمع الذي مارسته الأنظمة المختلفة التي حكمت مصر على مدى عقود، فيشعر المصريون بأنهم عانوا من القمع والتمييز وسوء المعاملة من تلك الأنظمة، وهذا زرع بذور الفهم الخاطئ.
ويقول أبو الفتوح للموقع: "كي نعالج بشكل جذري أسباب التشدد، الذي يهدد مستقبل مصر واستقرارها وأمن شعبها، علينا أن نفتح الباب للشباب ليعبروا عن آرائهم بحرية، بدلا من أن نلقي بهم في ظلمات الجهل. وعلى المؤسسات المعنية بالدعوة لتكريس نفسها للقيام بمهمتها التوعوية، وأن تبتعد عن السياسة والخلافات الحزبية، فهم ليسوا جيدين في السياسة، والسياسة تدمر مصداقيتهم".
وعن الرسالة التي يوجهها إلى أوروبا وأمريكا، حول كيف يمكنها مساعدة مصر، قال الدكتور أبو الفتوح: "رسالتي للأوروبيين والأمريكيين والعالم بأسره، هي أننا شعب حر نستطيع مساعدة أنفسنا، والتعامل مع نتائج خياراتنا، ونطلب منكم عدم دعم الاضطهاد، وعدم التعاون مع المجرمين، كما فعلتم مع مبارك. ونرجو منكم عدم التدخل في الساحة السياسية المصرية بأي شكل. ونحتاج منكم مشاركتنا في خبراتكم الفنية والعلمية والحقول كلها، دون محاولة التأثير السياسي على أي مجموعة أو منظمة".
وأضاف موجها كلامه للغرب: "لقد مررتم بأزمات سياسية واقتصادية بعد الثورات والحروب، مثل ما نحن فيه اليوم، وعلمتكم التجارب أنه في النهاية فإن الديمقراطية هي الطريقة الأفضل لانتقال السلطة، ويجب أن تمنحونا الفرصة لنتعلم هذا. لا تقدموا مصالحكم الاقتصادية الضيقة على حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية".
وعن حالة الفوضى وعدم الاستقرار في محيطه العربي، وكيف يمكن التعامل مع هذه التحديات، حمل أبو الفتوح المسؤولية للمجتمع الدولي؛ لعدم جديته في وقف التعاون مع "المجرمين، مثل الأسد والقذافي والنظام الطائفي في العراق، وإلا لما وصل الحال إلى هذا المستوى".
ويقول: "هؤلاء الناس كانوا يريدون تحصيل حقوقهم بأن يحكموا من أنظمة تحترم الحقوق، بدلا من العصابات التي تستولي على السلطة، بمساعدة أنظمة تريد استغلال موارد تلك الدول. وللأسف فإن جهودهم قوبلت بالعنف، وحاولت المؤسسات الأمنية في تلك الدول تجنيد أتباع لضمان مصالحهم، وحتى لو كانت هذه المصالح فوق أجساد العراقيين والليبيين والسوريين واليمنيين".
وطالب أبو الفتوح القوى العربية بترك هذه الدول وشأنها، وترك شعوبها يقررون المستقبل الذي يريدون، "فإن استمر الوضع الحالي، وبقيت هذه الأنظمة القمعية في السلطة، ستشعل نارا تنفجر في وجه الجميع دون رحمة، وعندما يحصل ذلك لن تكون النكبة محصورة في المنطقة، ولكنها ستصل بلادهم أيضا".
وردا على سؤال إن كانت مصر قادرة على أداء دور في استقرار المنطقة، قال الدكتور أبو الفتوح إن مصر قادرة على ذلك "فقط إن هي نجت من الديكتاتورية والاضطهاد. ويمكن لمصر أن تكون قوة سياسية وثقافية واجتماعية، عندما تكون قيادتها بأيدي الديمقراطيين، الذين يقدرون قيمة مصر ورمزيتها في العالم العربي والإسلامي".
ويبين الموقع أنه عند سؤاله إن كان خائفا بعد المقابلة التي أجراها الأسبوع الماضي مع "بي بي سي" العربي، التي أدت إلى فتح تحقيق يوم الأحد قال: "نحن نعيش في ظل جمهورية الخوف، ولكني أقول رأيي دائما، ومنذ شبابي تحت حكم السادات ومبارك، فأنا أتحدث لأرضي ضميري، وللتعبير عن حبي لبلدي وشعبي" وأضاف أن مصر بحاجة إلى خطاب يبحث عن حل سياسي معقول، وبحاجة لأن تتغلب لغة العقل على لغة القوة.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن أبو الفتوح بدأ نشاطه السياسي عندما كان طالبا في جامعة القاهرة في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان رئيسا لاتحاد الطلاب. وعمل في مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين من عام 1987 وحتى عام 2009، حيث قضى عدة شهور في السجن أوائل عام 2009؛ بسبب انتمائه للإخوان. واستقال في 2011 من الإخوان للترشح للرئاسة، وأسس بعدها حزب مصر القوية المعارض للإخوان ولعبد الفتاح السيسي.