صحافة دولية

"لوموند": مذكرة اعتقال نتنياهو نقطة تحول تاريخية للعدالة بعد "الكيل بمكيالين"

لفتت "لوموند" إلى أنه "للمرة الأولى يتم توجيه الاتهام للزعماء السياسيين ضد رغبات الغربيين"- جيتي
شددت صحيفة "لوموند" الفرنسية، على أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، يمثل تغييرا جذريا في قواعد اللعبة بالنسبة للعدالة الدولية، التي كانت حتى الآن تركز على "المهزومين أو المنبوذين أو أعداء الغرب".

وقالت الصحيفة، إن مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين "تُعد نقطة تحول تاريخية. وللمرة الأولى منذ إنشاء المحكمة في عام 1998، يتم توجيه الاتهام إلى الزعماء السياسيين ضد رغبات حلفائهم الغربيين".

وأضافت أنه في أصل الطلبات، سيكون المدعي العام، كريم خان، الذي تعرض للهجوم من جميع الجهات، فتح ثغرة اندفع إليها القضاة. ومن خلال إصدار مذكرات الاعتقال هذه، ينبغي لهم أن يساهموا في تعزيز مصداقية المحكمة الجنائية الدولية من خلال دحض الاتهامات بوجود عدالة ذات مستويين بحكم الأمر الواقع.

وحتى لو لم يوقف قرارهم الحروب المستمرة، فقد ألزم القضاة والمدعون العامون أنفسهم بولاية المحكمة التي أنشئت لمكافحة إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب "التي تتحدى الخيال وتسيء بشدة إلى الضمير الإنساني".

ولفترة طويلة، لم تحاكم المؤسسة إلا المسؤولين الأفارقة، لتجد نفسها في قفص الاتهام بسبب تفضيلها للسياسات الغربية المتمثلة في "تغيير الأنظمة" في القارة السمراء، وفقا للصحيفة الفرنسية.

ومع توجيه الاتهام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آذار /مارس عام 2023، تجرأت المحكمة الجنائية الدولية على محاكمة رئيس دولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي أثار رضا الغربيين بشكل كبير، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.

ولم يحدث من قبل أن استفادت المحكمة الجنائية الدولية من مثل هذا الدعم السياسي والمالي والقضائي. ولكن اتهام فلاديمير بوتين عزز أيضا الشعور بالكيل بمكيالين. وحتى صدور مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين، أشار ريد برودي، المحامي الأمريكي الشهير والمدافع عن حقوق الإنسان، إلى أن العدالة الدولية كانت تستخدم "تقريبا بشكل حصري للتعامل مع الجرائم التي يرتكبها الأعداء المهزومون، كما هو الحال في المحاكم".

وأضافت الصحيفة أنه في ظل هذه التطورات، فإن المحكمة الجنائية الدولية نادرا ما اتخذت مواقف ضد المصالح الغربية. على سبيل المثال، تم تعليق التحقيقات في الجرائم التي ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان، وكذلك التحقيقات في السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية في أوروبا، فضلاً عن التحقيقات في جرائم القوات البريطانية في العراق.

ومع ذلك، وصلت التحقيقات بشأن الحرب المتواصلة على قطاع غزة إلى مرحلة متقدمة، ليصدر بعدها قرار مذكرات الاعتقال ضد كل من نتنياهو وغالانت.

سيتعين على بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت الآن أن يفكرا في كل رحلة خارجية، مثلما هو الحال مع أي شخص مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ولكن من جانب آخر، أكدت الصحيفة أن هذا القرار يواجه تحديات سياسية كبيرة، خصوصا من حلفاء إسرائيل مثل الولايات المتحدة. فقد وعد العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بفرض عقوبات على المحكمة، وهو ما قد يعرقل قدرتها على متابعة قضايا مشابهة.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، كان قد عبّر عن معارضته للمحكمة الجنائية الدولية، في حين أن سلفه جو بايدن رحب بمذكرة الاعتقال بحق بوتين، وهو ما يظهر بوضوح "المعايير المزدوجة" في التعامل مع قضايا مختلفة.

وشددت الصحيفة على أن هذه الخطوة لا تمثل نهاية التحديات التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية. فالهيكل القضائي للمحكمة، الذي أُنشئ في عام 2002، لا يزال هشا، إذ يُعاني من بطء الإجراءات وكم هائل من القضايا المعلقة. كما أن المحكمة تحتاج إلى دعم سياسي وقضائي مستمر من أجل حماية الشهود ومواصلة جمع الأدلة.

من جانب آخر، ستعقد المحكمة الجنائية الدولية اجتماعا سنويا لأعضائها في كانون الأول /ديسمبر المقبل من أجل مراجعة الميزانية، وهو ما سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى دعم الدول الأعضاء لعمل المحكمة في المستقبل، وفقا لـ"لوموند".