هل انتهى
حزب النور المصري؟
سؤال طرحه كل من إيملي كرين لين ونيكولاس لين في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، وجاء فيه: "منذ عام 2012 حكم الرؤساء المصريون عبر قرارات رئاسية، وفي غياب البرلمان أو المشرعين كي يقوموا بالرقابة على سلطاتهم، وهذا كله سيتغير. فاليوم هو اليوم الثاني في الجولة الأخيرة من
الانتخابات لانتخاب البرلمان الذي طال انتظاره. وتضم قائمة المرشحين عددا من الوطنيين والعلمانيين ورجال الأعمال. لكن المنطقة الانتخابية ليس فيها إلا خيار واحد: حزب النور".
ويقول الكاتبان إنه "لم يبق تمثيل للإسلام السياسي في مصر، إلا هذا الحزب السلفي المحافظ المؤيد للنظام".
ويشير التقرير إلى أن حزب النور أصبح قوة سياسية بعد الثورة التي أطاحت بحكم الديكتاتور حسني مبارك عام 2011. وبعد سنوات من التهميش، ولدت فرصة للبديل الإسلامي عن العلماني، وانتهز حزب النور الفرصة.
وتلفت المجلة هنا إلى المبادئ التي يتبعها حزب النور، التي تقوم على تفسير حياة الرسول بطريقة حرفية، والامتناع عن دفع الفوائد، وعدم السماح لصورة المرأة بالظهور على الملصقات الدعائية.
ويبين الكاتبان أنه "في انتخابات عام 2011- 2012 هاجم حزب النور جماعة الإخوان المسلمين، وهي أقدم جماعة إسلامية في مصر، ووصفها بالليبرالية أكثر من اللازم. وحصل الحزب على نسبة 25% من المقاعد في البرلمان، حيث جاء في المرتبة الثانية بعد الإخوان. ولكن البرلمان، الذي سيطر على الإسلاميون، لم يستمر إلا خلال شهر حزيران/ يونيو 2012، عندما قامت المحكمة العليا بحله بذريعة خرق قانون الانتخابات".
ويستدرك التقرير بأن انتخابات هذا العام تمت على مرحلتين، الأولى ما بين 16 إلى 18 تشرين الأول/ أكتوبر، وغطت جنوب وغرب مصر. أما الثانية فغطت بقية مصر. وأظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات أن ساعة التميز السياسي لحزب النور قد انتهت.
وتقول المجلة إن "عبد الفتاح
السيسي قام منذ وصوله إلى السلطة، بتعزيز سلطته على مصر، حيث سحق الإسلاميين، ودمج ما تبقى منهم، ولهذا خسر الإسلاميون/ حزب النور في الانتخابات. وهذا يعني أن مصر التي تعد بلد محافظا سيمثلها برلمان علماني".
ويذكر الكاتبان أن "توقعات حزب النور في الانتخابات كانت منخفضة، ولكنه دخل الانتخابات على أمل الاحتفاظ بالإسكندرية، وكان مخطئا. فمع أنه نافس على 102 مقعدين، إلا أنه لم يربح سوى 10 مقاعد".
وينقل التقرير عن مسؤول لجنة الشؤون الخارجية في حزب النور عمرو مكي، قوله: "ما حدث كان أسوأ مما توقعنا، "وكنا نتوقع بالفوز في الإسكندرية". مشيرا إلى أن الحزب كان سريعا بإلقاء اللوم على القوانين الانتخابية غير النزيهة وعلى المسؤولين الفاسدين.
وتستدرك المجلة بأن هذا لا يفسر سبب خسارتهم. فبحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية والزميل السابق في مؤسسة "كارنيغي" أشرف الشريف، فقد قال "خسروا لأن القاعدة الانتخابية السلفية لم تنتخب حزب النور، وذلك بسبب اعتقادهم أن حزب النور باع قضية الإسلاميين والقضية السلفية".
ويوضح الكاتبان أنه منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، حاول النظام العسكري، الذي قاده السيسي، سحق الإخوان المسلمين بطريقة ممنهجة. واستطاع حزب النور، وهو الجناح السياسي للدعوة السلفية، النجاة عندما دعم وبشكل علني الحكومة الجديدة، وتخلى عن زملائه الإسلاميين المحاصرين.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن قادة حزب النور يصرون على أن قرارهم كان عمليا . ويقول المتحدث باسم الحزب عبد المنعم الشحات: " كان من الواضح أن ما حدث قد حدث، وقد اتخذ حزب النور قرارا استراتيجيا وهو ما دعمته الدعوة السلفية". وبالنسبة للإخوان المسلمين وداعميهم، فقد كان هذا القرار الإستراتيجي "خنجرا في الظهر".
وتبين المجلة أنهم أجبروا على الاختيار بين الإبادة والنظام، فاختاروا الأخير، ويقول الباحث في مؤسسة "كارنيغي" شادي حميد: "قد راهنوا منذ اليوم الأول للانقلاب على حصولهم على شيء مقابل دعمهم لنظام السيسي". مستدركة بأن حزب النور لم يراهن فقط، بل ومضى في اللعبة، بحسب الشريف الذي قال:"لقد ذهبوا أبعد من هذا، وفي حملة الانتخابات الرئاسية دعموا حملة السيسي"، وأضاف: "كان بإمكانهم الامتناع، ولكنهم بقوا وقرروا دعم السيسي، وهو ما استفز الإسلاميين".
ويقول الكاتبان إن حزب النور تحمل غضب الإسلاميين عليه، أملا بأن يحصل على دفعة في الانتخابات البرلمانية، أو حتى اعتراف من الحكومة. ومع اقتراب الانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر كان واضحا أن هذا لن يحدث. ويقول حميد: "مرة بعد الأخرى خاب أملهم (من النظام)، وتم تهميشهم بطريقة تدريجية، ودفعهم خارج العملية".
ويورد التقرير أن مرشحا عن حزب النور في الإسكندرية دهش الشهر الماضي عندما وجد السلطات تعمل ضد السلفيين، وقال: "لم نكن نتوقع أن تغمض الحكومة عينيها عن أنواع التجاوزات كلها"، وأضاف: "كان الناس يشترون الأصوات أمام مراكز الاقتراع، أما أنا فقد ترشحت عن منطقة الرمل في الإسكندرية، وتم اعتقال 17 من المتطوعين في حملتي في اليوم الأول من الانتخابات، وقضيت اليومين المخصصين للاقتراع في مركز الشرطة".
ويعلق حميد بأنه كان يجب على حزب النور ألا يشعر بالصدمة "فقد كان حزب النور يتصرف وكأنه منافس شرعي في الانتخابات، ولن يكون أبدا بهذه الصفة، ولهذا كان افتراضهم الأول غير صائب، وفشل الرهان".
وتنوه المجلة إلى أن حزب النور لم يواجه معارضة من الدولة، بل ومن القوى السياسية الأخرى، وبينهم الإخوان المسلمين، الذين هاجموا الحزب وبقوة. وكاد الحزب أن يحرم من المشاركة في الانتخابات بسبب حملة "لا أحزاب دينية"، التي قدمت دعوى قضائية ضد الحزب، التي قالت إن مشاركته تعد خرقا للدستور الذي يمنع الأحزاب الدينية. وعندما لم يدافع النظام عنهم، قال قادة حزب النور إنهم سيتنافسون على عدد قليل من المقاعد، حتى يظهر الحزب بمظهر المعتدل. وشاركوا في قائمتين انتخابيتين من أربع قوائم و160 مرشحا من بين 448.
ويستدرك الكاتبان بأنه مع ذلك لم ينج الحزب من الهجمات التي انهالت عليه وبلا رحمة من الإعلام. وبحسب أحد مسؤولي الحزب البارزين أشرف ثابت، الذي خسر محاولته للمنافسة على مقعد انتخابي، فقد "كان حزب النور في جهة، وبقية الأحزاب في مصر على الجهة الأخرى".
ويقول التقرير إن الحزب لم يخسر في الجولة الأولى فقط، ولم يخسر دعم الدولة فقط، بل ودعم الحركة الإسلامية، وأكثر من هذا خسر دعم القطاع المعتدل من المسلمين. ويقول الشريف: "فشلوا بقراءة مواقف الناس العاديين"، وأضاف: "اعتقدوا أن الناس العاديين الذين صوتوا لهم في انتخابات عام 2011، سيصوتون لهم الآن. وهنا فشلوا".
وتشير المجلة إلى أنه في الوقت الذي حاول فيه حزب النور مصادقة الدولة العلمانية، فإنه حاول تمثيل المصالح المتنوعة لمجتمع الإسلاميين المصري. ويقول الشريف إنه فشل في كلا الحالتين "من الناحية المنطقية فشلوا، لأنهم حاولوا القيام بمهمة ليسوا مؤهلين للقيام بها". ويضيف: "رغبوا بأداء دور اللاعب الإسلامي العقلاني والمعتدل والمنطقي، الذي يمكنه أن يكون براغماتيا ويحمي الإسلاميين من الإبادة. ولم ينجحوا بإقناع الليبراليين الذين نظروا إليهم باعتبارهم متطرفين ولا مع الإسلاميين الذين اعتبروهم منافقين".
ويعلق الكاتبان بأن مصير حزب النور يبدو قاتما مع أنه رشح في الجولة الثانية 118 شخصا، ونتائج هذه الجولة ستكون أقسى من الأولى، خاصة أن الحزب يتنافس على مقاعد في القاهرة، التي تعد قلب المعسكر المعادي للإسلاميين. ويأمل مكي بحصول الحزب على عشرة مقاعد في أفضل الأحوال، وهو ما سيرفع عدد مقاعد الحزب إلى 20 مقعدا، أي نسبة 3 %. وتساءل مكي: "هل يمكننا عمل شيء في البرلمان بـ 10 أو 12 مقعدا؟ لا أعتقد".
ويجد التقرير أن حزب النور نجح في تحقيق شيء لم يحققه أي حزب إسلامي في مصر، وهو أنه استطاع النجاة. ويقول حميد: "كان حزب النور هو الحزب الإسلامي الوحيد الذي لم يتم سحقه. تتعامل قيادة الحزب مع النجاة على أنها نوع من النجاح". ويرى الشريف أن قيادة الحزب ترى بقدرتها على البقاء أمرا مهما؛ لأن الحزب سيظل الخيار الوحيد للمحافظين، ويقول: "في نهاية اليوم، يعرف حزب النور أن المجتمع المصري ليس علمانيا بل محافظا ومتدينا، ولهذا فهو بحاجة إلى لاعبين يملكون أيديولوجية ذات خطاب إسلامي". ويمكن للحزب أن يؤدي هذا الدور بحسب الشريف.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن حزب النور سيواصل مراعاته للدولة، وفي الوقت ذاته سيحاول التصالح مع الجماعات الإسلامية الأخرى. وسيواصل موضعة نفسه كونه خيارا أخلاقيا وإسلاميا، وعندما يحين الوقت للعودة في زي جديد، فسيكون حزب النور هناك.