نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحفية بيل ترو، تعلق فيه على
الانتخابات البرلمانية المصرية، التي ستعقد نهاية الشهر الحالي، وترى أن نتائجها ستكون واحدة، وهي أن الرئيس الحالي عبد الفتاح
السيسي سيكون على رأس القائمة.
وتبدأ ترو تقريرها بملاحظة عن ناهد سلطان، وهي ربة بيت ذهبت إلى مركز اقتراع الجيزة، الذي تحيطه التعزيزات العسكرية، مثل أي مركز آخر في مصر. وعندما خرجت السيدة البالغة من العمر 50 عاما، نظرت إلى ملصق للسيسي، وقالت: "عبد الفتاح السيسي قمر"، وبدأت ترسل قبلا في الهواء للصورة. فقد منحت سلطان صوتها لقائمة "في حب مصر"، التي فازت بغالبية المقاعد في 14 محافظة، بما فيها الجيزة والإسكندرية والبحر الأحمر والأقصر، أما الـ 13 الباقية فسيتم انتخاب المرشحين عنها في الفترة من 21 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 2 كانون الأول/ ديسمبر.
وتقول الكاتبة إن التحالف المؤيد للحكومة يضم معظم الأحزاب المؤيدة للنظام، وينفق عليه رجال الأعمال وعرابو الإعلام، ويقوده جنرالات سابقون في الجيش المصري أو رموز من العهد الماضي.
وتضيف ترو: "في بحر من الأحزاب القومية جاءت قائمة (في حب مصر) كونها أكثر تحالف مؤيد للسيسي. وقضى التحالف أشهرا من أجل إقناع المحكمة كي يسمح للقائمة بوضع صورة السيسي وجها لحملتها الانتخابية. وقال المتحدثون باسم القائمة إنها (قوة دعم) للسيسي، لا قوة تقوم بالرقابة على حكمه".
وتشير الكاتبة إلى أنه "بعد أربعة أعوام على الثورة التي اندلعت بسبب عقود من الإحباط السياسي والوحشية في ظل حسني مبارك، تدور مصر دورة كاملة. وتعيش البلاد وسط انتخابات تشهدها منذ 2012، عندما قامت المحكمة بحل البرلمان. ولكن لا تتوقع برلمانا جديدا يعمل رقيبا على سلطة السيسي".
ويورد التقرير أن سلطان تقول: "بالتأكيد، البرلمان هو صوت الشعب، ولكن من غير الممكن أن يناقض البرلمان الرئيس، ما معنى هذا". وتضيف: "ليس هذا وقت الخلافات السياسية".
وتذكر المجلة أن السيسي قد وصف في خطاب له قبل فتح مراكز الاقتراع أبوابها في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، الانتخابات البرلمانية باعتبارها نهاية لـ"خريطة الطريق" نحو الديمقراطية التي بدأت بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
وتلفت ترو إلى أنه منذ الإطاحة بمرسي بقيت السلطات التشريعية والتنفيذية في يد الرئيس؛ فالقوانين التي تكمم حرية التعبير، بما فيها القانون الذي ينظم التظاهرات والاحتجاجات ومنظمات المجتمع المدني، تم تمريرها تحت اسم محاربة الإرهاب والتمرد الجهادي في سيناء. ومع زيادة هجمات تنظيم الدولة في سيناء، فرضت الحكومة غرامة قيمتها 65 ألفا لمن يقوم بنشر قصص لها علاقة بالإرهاب تناقض الرواية الرسمية. وأعيد تأهيل قوى الأمن، التي كان الشعب يمقتها في أثناء حكم مبارك، وعززت قوتها من أجل الاعتقال والحجز باسم الحفاظ على السلام.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم أن البرلمان لديه سلطات واسعة "على الورق"، بما في ذلك التصويت ضد اختيار الرئيس لرئيس الوزراء أو حتى خلع رئيس الدولة، إلا أن النواب الذين سينتخبون ليس لديهم اهتمام على ما يبدو لتحويله لقوة مهمة.
وتنوه المجلة إلى أن سامح سيف اليزل، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية، وهي المؤسسة التي كان يديرها السيسي سابقا، قام بتشكيل قائمة "في حب مصر"، وأقنع الأحزاب المصرية الكبيرة مثل "الوفد" و"المصريون الأحرار" بالانضمام إليه. وشارك اليزل في التجمعات الانتخابية البعيدة، التي لا يسمع بها أحد في غرب الدلتا؛ لتعزيز الدعم لقائمته. وتبنت القائمة شعارات "الاستقرار والوحدة والسيسي" شعارات لها، وناقش أفرادها الموضوعات
الاقتصادية على هامش التجمعات الانتخابية. وهو اعتراف بأن تصحيح اقتصاد البلاد يعد من أكبر تحديات البلد.
وتفيد الكاتبة بأن التجمعات المعارضة المشاركة في الانتخابات كلها لديها برامج مؤيدة للسيسي، مثل "فرسان مصر"، وهو حزب شكله ضباط سابقون في الجيش، ويطالب بالحصول على سلطات جديدة لقوات الأمن. واستوعبت "القائمة المتحدة" الأحزاب كلها التي كانت ديكورا في عهد مبارك. وفي الوقت ذاته منعت جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت في الانتخابات كلها منذ عام 2011، من المشاركة في الانتخابات وسجن قادتها.
وتقول ترو: "إن عبثية الوضع، وربما النتيجة المعروفة، دفعت بالكثير من المصريين للبقاء بعيدا عن مراكز الاقتراع. وكانت المشاركة قليلة جدا، وتراجعت بنسبة 62% عن النسبة التي سجلت في انتخابات برلمان عام "2011.
وتضيف الكاتبة أن "الأحزاب العلمانية ذات الصوت العالي، التي قادت حملات نشطة في عام 2011، وخلال التظاهرات المضادة للنظام في ساحة التحرير سكتت هذه المرة. ووضعت الصحيفة الخاصة (المصري اليوم) على الصفحة الأولى عبارة (السيسي في كل منطقة والمعارضة غائبة). وقال المتحدث باسم الحزب الدستوري، الذي شكل عام 2012، خالد داوود: (هذه الانتخابات المزيفة تقريبا لن تنتج برلمانا سيحاسب الحكومة) وأضاف: (سواء شاركت أم لم أشارك فسيحصل السيسي على برلمان يدعمه 100%)".
وقال داوود إن "سياسة السيسي قتلت السياسة في مصر، ورسالته هي أنه يجب علينا الوقوف صفا واحدا خلف القائد".
وبحسب التقرير، فإنه لم يرشح الحزب الدستوري مرشحين؛ بسبب غياب التمويل مقارنة بالأموال المتوفرة للتحالف المؤيد للسيسي. ومن رشح من الأحزاب مرشحين، مثل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي رشح 76 مرشحا، اعترف بأن الجو لم يكن في صالح مرشحيه. فقد خفف الحزب في حملاته الانتخابية من اللهجة الناقدة للسيسي. ولم يشجب المرشحون الرئيس إلا في لقاءات خاصة مع الإعلام. ويقول مرشح الحزب إيهاب الخراط : "الريح لا تسير في اتجاهنا هذه المرة".
وترى ترو أن السيسي وأتباعه، وإن حصلوا على برلمان مقيد، وتعب البلاد من الثورة، إلا أنهم لن يرتاحوا بعد. فالمهمة الأولى هي إعادة الاقتصاد إلى مساره لمنع انهيار جديد، فقد انخفضت احتياطات البلاد من العملة الصعبة: من 36 مليار عام 2011 إلى 16.3 مليار في أيلول/ سبتمبر العام الحالي. ورغم المشاريع الضخمة، التي بدأ بها السيسي، مثل تفريعة القناة التي أنجزت في آب/ أغسطس، إلا أنها لن تؤتي نتائج باهرة كما وعد.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن المصريين اليوم يبدون غير مهتمين بمعارضة الممارسات التي أشعلت ثورة عام 2011، مثل الاختفاء، وهو الأسلوب المفضل لنظام مبارك، الذي عاد وبقوة، مشيرة إلى أن اللجنة المصرية لحقوق الإنسان سجلت حالات اختفاء وصلت إلى 215 حالة في الفترة ما بين آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر. وشهد العامان الماضيان أحكاما بالإعدام على المئات، فيما يقبع الآلاف في السجون.