حين طالعت الخبر بالصحف والمواقع الالكترونية حسبته مزحة أو طرفة للفكاهة والسخرية لكن الحقيقة أن الخبر كان جديا وهو يتحدث عن ضبط تنظيم إخواني مهمته (خلق مناخ تشاؤمي لإفشال تنمية مصر)، وجاء في بيان وزارة الداخلية (أن المقبوض عليهم تمثل دورهم في إيجاد وسائل جديدة لإختلاق وإثارة الأزمات من خلال كوادر داخل البلاد، وتنفيذ مخطط يستهدف الإضرار بمقدرات الدولة الاقتصادية، والسعى لإيجاد مناخ تشاؤمي من خلال إصطناع الأزمات بدعوى فشل الدولة في تنفيذ خطط التنمية)
بعيدا عن الجانب الكوميدى الذى أثار سخرية الكثيرين فى توصيف التهمة إلا أن الأمر يستحق التدقيق والحديث بجدية حول الموضوع.
السؤال الأول: هل المناخ الحالى فى مصر يبعث على التفاؤل والسعادة؟
منذ فترة قام معهد جالوب الأمريكي بعمل استبيان على عينة من شعوب العالم بلغت 150 ألف فرد كانت نتيجتها أن المصريين أكثر شعوب العالم تشاؤما فيما يتعلق بالمستقبل، واعتمد المؤشر في قياس السعادة على الجمع بين عدد من المعايير الرئيسية من أبرزها:
– شعور الإنسان بوجود هدف له في الحياة،
– مستوى الرفاهية المالية والحالة الصحية الجيدة،
– والمشاركة المجتمعية، ومدى الثقة في الانتخابات والمؤسسات المحلية،
-الضغوط والأعباء اليومية
– وجود نية للهجرة من عدمها،
– والأمن الغذائي ووجود مأوى،
– ومدى الاستعداد للعمل التطوعي ومساعدة الآخرين.
وفي دراسة مهمة قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، في 20 محافظة مصرية كان الستر والصحة والمياه النظيفة والمجاري هي أهم أحلام المصريين من الذين تضمنتهم عينة الدراسة وأكد 77.7 % ممن شملتهم الدراسة عندما سئلوا عن كيفية تحقيق أحلامهم، أنهم " سايبنها على الله"!
فى التقرير السنوى الأخير للدول الأكثر سعادة عالميًا والصادر عن شبكة حلول التطوير المستدامة “SDSN“، التابعة للأمم المتحدة، والذي اعتمد على عدة معايير؛ مثل حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي في دولته، ومتوسط العمر المتوقع، ومعدلات الفساد وكذلك الحريات المتاحة، جاءت مصر في المركز 120 بين دول العالم.
وبعيدا عن هذه المؤشرات والاستطلاعات التي قد يشكك البعض في منهجيتها يجب أن نسأل أنفسنا هل المصريون سعداء بالفعل ومتفاءلون بالمستقبل؟
إذا تفقدت الشارع المصري هذه الأيام ستلمس حالة إحباط وسخط وحزن تسيطر على قطاعات كبيرة من المصريين بعد ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة وفقد الأمل في الخروج من الأزمة على المدى القريب، الكساد الاقتصادي أصاب الجميع بالضرر سواء مؤيد أو معارض، تمادت السلطة فى السيطرة على رأس المال وفرص الاستثمار وضاعفت الضرائب بحثا عن مخرج من عجز الموازنة الذي بلغ أرقاما قياسية، لم تنجح المشروعات القومية الكبرى التى تم تدشينها في خلخلة الأوضاع الصعبة وساهم بعضها في زيادة الركود الاقتصادي.
الطبقة الوسطى تئن ومن تحتها الطبقات الأكثر فقرا ، لكن السلطة لا تلتفت للصراخ ومعاناة الناس وتطالبهم بمزيد من التقشف والصبر بينما تمارس هى أشد درجات البذخ والانفاق في غير محله ولا تبدى حربا حقيقية على الفساد الذى أنضب الموارد بل تورطت فى الانتقام ممن كشف الفساد وطالب بمحاسبة الفاسدين.
لا يوجد تفاؤل في مصر بل تشاؤم على جميع المستويات، حتى الحالمون بالإصلاح والتغيير السلمي صاروا يرونه أبعد ما يمكن حدوثه وصاروا يخشون من استمرار الانسداد السياسي الذي ينذر بعواقب وخيمة في ظل تعنت السلطة وعنادها وتجاهلها للواقع المرير.
السؤال الثاني: هل الأزمات في مصر مصطنعة ويغلب عليها الافتعال؟
الحقيقة أن كل المراقبين للأوضاع في مصر فى الداخل والخارج يرون حجم الأزمات الكبرى ويحذرون من تداعياتها وكبريات الدوريات الإقتصادية كتبت أكثر من مرة عن تدهورالأحوال فى مصر لكن لم يجد خطابها صدى سوى احتشاد الاعلام الموالى للسلطة للهجوم عليها واعتبار ما تكتبه جزءا من المؤامرة الكونية المزعومة على مصر.
السؤال الثالث: متى يتفاءل المصريون؟
مشاعر الخوف في قلوب المصريين من المستقبل تتزايد، لا يجد الناس ما يطمئنهم فلا رؤية واضحة للمستقبل ولا روشتة اقتصادية محددة المعالم لا تفتك بالفقراء وتأخذ مصر الى هدنة قبل السقوط فى مربع الانهيار، لذلك الخوف من المجهول يطارد الناس ويصيبهم بالذعر مما قد يحدث، لكل ذلك بواعث التفاؤل تبدو خامدة لا تلوح في الأفق ولا تبشر بانفراجة قريبة، فهل ستحاكم السلطة كل المصريين على التشاؤم؟