في أوائل 2014 كانوا ينادون على الصعيدي والبوسعيدي والسكندري وكل مواطن مصري ليذهب للاستفتاء على الدستور ويقول نعم لأعظم دستور في تاريخ مصر –كما كانوا يقولون حينها – قالوا للمواطنين حينها إن التصويت على الدستور بنعم يعنى تحقق الاستقرار وعدم عودة الإخوان للحكم وإن من يحب مصر سيذهب ليقول نعم، ورقص المواطنون البسطاء أمام اللجان تأييدا للسلطة الجديدة ودستورها ولم تمر سوى ثلاث سنوات ليخرجوا مرة أخرى على الناس ويقولوا فيها إنه يجب تغيير الدستور من أجل مصلحة مصر وحمايتها وإن عدم تعديل الدستور يعني سقوط مصر في الفوضى.
من الجدير بالذكر أن هذا الدستور لم يتم الالتزام به في أغلب الأوقات وتم انتهاك مواده والتحايل عليها كثيرا، وكان الأولى الدعوة لتفعيل الدستور بدلا من محاولة الانقلاب عليه التي يتم الترويج لها الآن على أيدي مطبلي السلطة وأعوانها.
من اللافت للنظر أن مقترحي تعديل الدستور يريدون مد فترة الرئاسة ست سنوات وفتح مدد الترشح بدون أي قيد ،كما نشرت الصحف (المادة (140): ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لإنهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة.
المادة بعد التعديل المقترح: مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان النتيجة، وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة.
نحن أمام محاولة انقلاب صريح على الدستور الذى صاغته السلطة، يقودها نواب بهذا البرلمان الذي نعرف كيف تم تشكيله والذي شهدنا دوره في قضية تيران وصنافير وقانون الهيئات القضائية وغيرها من المواقف التي لا تجعل لدينا ذرة شك بأن هناك محركين للأحداث يشبهون الدببة التي تقتل صاحبها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
هؤلاء المتزلفون والذين ينافقون رئيس الجمهورية الحالي ويدعون لمد فترة رئاسته وفتح مدد الترشح بلا قيود ولا حد أقصى ينقلبون على الدستور الذي جاءوا عبر آلياته ومواده، من الذي وجههم لهذا؟ من الذي أعطاهم هذه الجرأة والثقة ليلعبوا بالنار في قضية بمثل هذه الخطورة؟ ثم تكون الطامة الكبرى أن يخرج رئيس البرلمان نفسه ليقول في تصريح صحفي (ليس عيبا أن يتم تعديل الدساتير التي كتبت في ظروف غير مستقرة) رغم أنه كان أحد من صاغوه وروجوا له، هل رأيت تناقضا أشد من ذلك؟
إنهم يريدون تحويل مصر إلى ملكية جديدة، يجلس فيها الحاكم على كرسي الحكم حتى آخر يوم في عمره !وكأن دماء الشهداء وكل التضحيات التي بذلها المصريون منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن من أجل تحقيق حلم الديموقراطية لم تعد ذات معنى ويصر هؤلاء على وطئها بالأقدام.
يحسبون أن الناس مشغولون بلقمة العيش وهموم الحياة، وهذا صحيح لكن الناس اليوم على وعي عظيم ورغم آلامهم ووجعهم ومعاناتهم إلا أنهم يدركون ما يحدث حولهم ويعرفون كمّ الخديعة والإفك اللذين يحاول هؤلاء تمريره إليهم. قد ينجح هؤلاء في تمرير ما يريدون بطرقهم وأساليبهم المبتذلة لكن الحقيقة أنها ستكون نقطة فارقة في تاريخ هذه الحقبة وهذا النظام، بلا شك هناك من داخل هذه السلطة من يعمل لهدمها بتكبره وغروره ومغامراته غير المحسوبة.
ينكر علينا البعض الحديث في مثل هذه القضايا ويعتبرها تفاصيل وسط المشهد العام البائس، لكن الحقيقة أن هذه رغم كونها تفصيلة إلا أنه من الواجب أن يعرف الناس مدى الاجتراء على عقولهم وكرامتهم وأن يدرك هؤلاء أن ما يفعلونه – رغم كونه تفصيلة بائسة وسط بؤس عام – هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، لأن تدهور الديموقراطية وتشوهاتها في مصر ليس معناه التسليم بتحويل مصر لدولة ملكية يمكث الحاكم فيها في كرسيه مدى الحياة !
صمت الناس لا يعني رضاهم، وسكونهم لا يعني موتهم، العاقل من يتعظ بمن سبقوه، فتطابق المقدمات يؤدي لتماثل النتائج، من يعقل الأمور؟