هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسيل الدماء وتُزهق الأرواح ويرفع الإرهاب راية الانتصار في جولات جديدة ويبقى الحال في مصر كما هو يتكرر عند كل حادثة، حيث ينقسم الناس لثلاثة فرق، الفريق الأول يشمت في الضحايا ويبدي بهجته بنتائج الحادث الإرهابي ويراه انتقاما وردا للحقوق ونكاية في السلطة، والفريق الثاني يستنكر الشماتة ويتساءل عن أسباب تكرر الإخفاق في منع الإرهاب من حصد أرواح جديدة، أما الفريق الثالث فيمارس التطبيل للسلطة ويُحدث أكبر قدر من الجلبة والصياح والصخب للتغطية على ما حدث وتخوين كل أصحاب الأسئلة الموضوعية حول جدوى نجاح السياسات القائمة في مواجهة الإرهاب ومنعه من قنص أرواح جديدة معتقدا في ذلك أن مصلحة الوطن تقتضي الصمت والتطبيل وعدم المساءلة لأي جهة.
الأكثر بؤسا في مجزرة الواحات الأخيرة هو ظهور تسجيلات مجهولة الهوية تحولت لوسيلة للتجارة الإعلامية بين الفضائيات وكان من الغريب أن يقوم بعض إعلاميي السلطة بإذاعتها مدعين أن غرضهم هو حماية الدولة ودعمها!
تسجيلات مثيرة للإحباط ولا تدعم سوى القتلة الذين يهدفون لكسر الروح المعنوية لعموم المصريين يقوم إعلاميو السلطة بإذاعتها والترويج لها في مشهد مثير للدهشة ويلقي بظلال من الشك عن صراعات تدور وراء الأبواب المغلقة يتم فيها توظيف هذه الأدوات لمصلحة طرف ما ضد طرف آخر!
أيا كان الموقف السياسي لكل مواطن مصري من السلطة الحالية بكل ما فعلته من خطايا وعناد وكبر لا يتلاءم مع حجم الفشل ما هي إجابات الأسئلة التالية؟
هل يمثل الإرهاب ذو النزعة التكفيرية خطرا على مستقبل مصر أم لا؟ هل سينجو المصريون (معارضون أو مؤيدون للسلطة) من خطر التكفيريين وإجرامهم في حالة تمكن هؤلاء القتلة من التمدد في مصر؟ هل يعتقد المتعاطفون مع هؤلاء الإرهابيين أن إجرامهم هذا سيفيد في رد المظالم وإقامة العدل ونشر الوئام والسلام؟ هل يظن المطبلون أن صخبهم ونفاقهم سيحمي أرواح جنودنا من يد الإرهاب؟
الحقيقة تؤكد أن التكفيريين يمثلون خطرا داهما على مصر ويمكن مراجعة ما فعلوه في سوريا للتأكد من شدة الخطر حيث بدأ هؤلاء القتلة مسيرتهم في سوريا باسم القصاص للشهداء والانتقام من النظام ثم انتقلوا لفرض أهوائهم باسم تطبيق شرع الله ثم أقدموا على قتل كل من يخالفهم حتى من رافقوهم في مواجهاتهم للنظام وتسببوا في إفساد كل شيء وتلويث الثورة السورية وتحويلها لحرب أهلية ساعدت في بقاء ودعم نظام بشار المجرم، لذلك – لا قدر الله – إذا تمكن هؤلاء فالجحيم ينتظر الجميع وسيكون جحيما أسوأ من ممارسات أي سلطة، ولا يعني هذا قبول المقايضة التي تحرص الأنظمة على تدجينها بمقايضة الحرية مقابل الأمن، بل العكس تماما حيث أن حق الناس هو الحصول على الحرية والكرامة والأمن معا، وغياب الحريات وإهدار الكرامة لا يؤدي لتحقق الأمن والاستقرار.
أما الحقيقة التي لا بد أن يدركها المتعاطفون مع التكفيريين والارهابيين أن هذا الإجرام والإرهاب لا يقيم حقا ولا يرد مظلمة بل يزيد حالة السُعار ضد المسالمين الأبرياء ويعطي المبرر للتضييق على الحريات أكثر وأكثر تحت دعاوى الخوف وتحقيق الأمن ويهيىء الناس لمباركة القتل خارج إطار القانون ودعم كل التوجهات المعادية للديموقراطية وحقوق الإنسان!
أما فريق المؤيدين المطبلين فلا بد أن يدركوا أن دماء كل جندي وضابط مصري في رقبتهم ويتحملون وزرها لأنهم شاركوا في التطبيل وتضييع الحقائق وغياب المساءلة في حوادث الإرهاب السابقة لتستمر نفس السياسات التي يدعمونها ويطبلون لها ليسقط مزيد من أبنائنا بيد هؤلاء القتلة المجرمين، ولو كانوا توقفوا عن تطبيلهم لشعرت السلطة بضرورة مراجعة الذات وتقييم المسار وتغيير السياسات التي أدت لتفاقم المأساة.
أتخيل أن شهيدا من هؤلاء قد عاد للحياة ورأى هذا المشهد البائس، ماذا سيشعر؟ وماذا سيقول؟ أتخيل أن واحدا من هؤلاء الشهداء هو ابني أو أخي كيف ستكون نفسيتي وأنا أتابع ما أعقب استشهاده وإزهاق روحه؟
لم نفقد إنسانيتنا فقط بل فقدنا عقولنا وقدرتنا على التفكير الموضوعي، نحن في خطر داهم ليس لفشل السياسات الحالية فحسب بل لتشظي المجتمع وغياب العقل وخفوت صوت الضمير وارتفاع صوت الجهل والخرافة والنفاق والانتقام والكراهية، عسى أن تزجرنا الدماء التي أريقت عن غينا وتفتح أبصارنا حكاما ومحكومين على خللنا، رحم الله الشهداء وصبرنا على مصابنا الجلل..