قالت صحيفة "إندبندنت" إن مدير الاستخبارات البريطانية "إم آي-6" السابق جون سكارليت قد حقق منذ تركه منصبه قبل أعوام نجاجا ماليا جيدا.
وتقول الصحيفة إن "مكتب الشرق الأوسط في (إم آي-6) ليس مكتبا هادئا. ففي ثلاثة أيام من شهر نيسان/ إبريل العام الماضي أوقفت إسرائيل محادثات السلام مع الفلسطينيين، وقتل 25 شخصا في سلسلة من الهجمات الانتحارية على مسيرة للشيعة في بغداد، ودمرت مروحية عراقية قافلة تابعة لتنظيم الدولة في داخل سوريا".
وتضيف: "كانت أحداث كهذه تعد أولوية لجون سكارليبت، ولكن الجاسوس المتقاعد كان في عالم آخر، يدير نوعا مختلفا من العمل. فقد كان في فندق ريتز في هاواي مع مئة مضارب في بنك ستانلي مورغان. وفي منتجع كابولاو كان السير جون مع خبراء أمن واستخبارات يقدمون رؤيتهم للمضاربين، الذين يرغبون بأخذ وقت من ملاعب الغولف أو الصيد في البحار العميقة".
ويذكر التقرير أن مدير المخابرات الأمريكية "سي آي إيه" ووكالة الأمن القومي السابق الجنرال مايكل هايدن كان مع سير جون في جلسة النقاش. ومن بين المناصب الأكاديمية والتجارية التي تبوأها الجنرال هايدن إدارة "تشيرتوف غروب"، وهي مجموعة إدارة المخاطر، التي أنشأها مايكل تشيرتوف، الذي شغل منصب وزيرا لوزارة الأمن الوطني في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
وتشير الصحيفة إلى أن حضور عدد كبير من مسؤولي الأمن والاستخبارات الأمريكية أعطى الشركة اسم "وزارة الظل للأمن الوطني".
ويبين التقرير أن شركة تشيرتوف تصف مسؤولي مجلسها ومستشاريه بأنهم "مثال حقيقي لأفراد يقدمون مؤهلات مثيرة للإعجاب في مجالات الاستخبارات والسياسة الخارجية والتجارة الدولية والأمن الوطني"، وكان سير جون واحدا منهم.
وتوضح الصحيفة أنه عندما غادر سير جون "إم آي 6" في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2009، لم تمنع اللجنة الاستشارية الحكومية للتعيينات في المجال التجاري"أكوبا"، وهي اللجنة التي تقوم برصد التعيينات من القطاع الحكومي للقطاع الخاص، أيا من المناصب التي تقدم سير جون بطلبات للعمل فيها. فبعد أربعة أشهر إنضم إلى المجلس الاستشاري للمحاسبين في "برايس ووتر هاوس كوبرز". ومنح الضوء الأخضر للعمل مع بنك مورغان ستانلي وتشيرتوف. وتمت الموافقة على عمله كونه عضوا في مجلس صحيفة "التايمز" على مدى عام. وحصل بعد أشهر على موافقة غير مشروطة للعمل في شركة النفط النرويجية المتعددة الجنسيات "ستيت أويل".
ويستدرك التقرير بأنه رغم النقد الذي تعرض له بشأن الملف المزور عن أسلحة الدمار الشامل، التي زعم أن صدام حسين كان يملكها، وذلك عندما كان مديرا للجنة الأمنية المشتركة، إلا أن خدمات جون عليها طلب كبير.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول سابق في "إم آي-6" عرف سير جون خلال الثلاثين عاما الماضية، قوله إنه واحد من مسؤولي الأمن الذين استفادوا من القطاع الخاص المتزايد في مجال صناعة الأمن، الذي ازدهر في مرحلة ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، وأضاف: "بعد 11 أيلول/ سبتمبر أصبح قطاع الأمن في الولايات المتحدة متاحا للجميع"، مشيرا إلى أنه "لم يعد هناك فصل بين ما هو تجاري وما هو تابع للدولة، فكل شيء ذهب للجحيم وأصبح كل شيء غير واضح. وحصلت شركة بوز ألن هاميلتون حيث عمل إدوارد سنودين، وتشيرتوف وغيرها من الشركات ذات الصلات القوية على عقود بالمليارات من الدولة".
ويلفت التقرير إلى أنه مع امتدادها الدولي وتزايد تأثيرها بدأت الكثير من الشركات تهتم بالشخصيات الأمنية مثل جون سكارليت وجون سويرز مدير "إم آي 6" ما بين 2009 و2014، ومارك ألن نائب مدير "إم آي-6".
وتذكر الصحيفة أن وزير الخارجية جون هاموند صادق في كانون الثاني/ يناير من هذا العام على طلب تقدم به سويرز للانضمام لمجلس شركة البترول البريطانية "بي بي" بصفة مدير غير تنفيذي. ونصحه هاموند بالقول: "يجب ألا تعتمد على المعلومات التي عرفتها بصفة عملك المميز في خدمات الملكة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن مدير الخدمات الاستخباراتية ريتشارد ديرلاف إنضم في الفترة ما بين 1999-2004 إلى شركة التأمين الدولية "أميركان إنترناشونال غروب"، بعد فترة قصيرة من تركه الخدمات الأمنية، وقدم خدمات استشارية لشركات كبيرة حول "الأمن الدولي".
وتقول الصحيفة إن الأيام التي كان فيها مسؤولو الاستخبارات يتقاعدون بهدوء، ويعتمدون على رواتبهم التقاعدية، وينشغلون برعاية جمعية للمشردين أو تقوم بحماية البيئة أو التراث، قد ولت بلا رجعة. وتضيف أنها اتصلت مع بنك مورغان ستانلي وغيره من المؤسسات التي يعمل فيها سير جون، أو التي له صلات بها. ووصفت شركة "سويس ري" المتخصصة في مجال إعادة التأمين، حيث يعمل مستشارا لها، دوره بأنه يقوم "باستكشاف القضايا المتطورة" ويقدم "رؤية إستراتيجية، وينصح ويوصي فيما يتعلق بالاقتصاد والسياسة الدولية والتنظيمات المتعلقة بالمناخ". وقالت برايس ووترهاوس كوبرز إنه لم يعد يعمل معها.
وينوه التقرير إلى أن الشركة الخاصة التي يديرها سير جون مع زوجته غويندا ستليارد "جي جي للاستشارات المحدودة" كان لديها رصيد 89573 جنيها إسترلينيا في عام 2012، وبعد عام وصل رصيدها إلى 683625 جنيها إسترلينيا. وظهر في الأسبوع الماضي أن سير جون استثمر 800 ألف جنيه في شركة خاصة أخرى "أس سي إستراتيجي"، التي أسسها مع المراجع المستقل لقوانين الإرهاب لورد تشارلي. ووصفت الشركة نفسها بأنها تقدم لعملائها نصيحة إستراتيجية حول السياسة والتعليمات البريطانية.
وبحسب الصحيفة، فقد حققت شركة لورد تشارلي نجاحا معقولا، حيث قدمت نصائخ لعملاء دوليين. ولكن الزبون الوحيد الواضح هو الصندوق السيادي القطري.
ويكشف التقرير عن أن سير جون ليس المسؤول الوحيد في المؤسسة البريطانية ممن ينتفع من المال الخليجي أو القطريين. مشيرا إلى أن رئيس الوزراء السابق توني بلير يتلقى مبلغ 2.5 مليون جنيه في العام لقاء استشارات لـ"وول ستريت بانك" و"جي بي مورغان"، وأدى دور الوسيط في عام 2012 بين شركة التنقيب عن المعادن "غلينكور"، ورئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني. ويقال إن بلير حصل على مليون دولار لعمل في فندق من فنادق لندن استغرق ثلاث ساعات في وقت متأخر من الليل.
وتبين الصحيفة أن قطر تبرعت بأموال لمؤسسة المرأة التي تديرها تشيري بلير زوجة رئيس الوزراء السابق. وأظهرت رسائل إلكترونية تعود إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أن السيدة بلير حاولت التوسط بينها وبين القطريين. وكتبت لكلينتون: "كما تعلمين لدي علاقات جيدة مع القطريين".
ويلفت التقرير إلى أنه عندما ترك سير جون اللجنة الأمنية المشتركة عام 2004، أي بعد عام من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، لم يتوقع الكثيرون في "إم آي-6" العودة إليها، لكن بلير كان لديه تفكير آخر، وأطلق عليه "سي" بعدما سلمه وكالة الاستخبارات "إم آي-6". ونظر لتعيينه مديرا للمخابرات على أنه نوع من الشكر على وقوفه مع بلير أثناء
الأزمة حول أسلحة الدمار الشامل، التي فاقمها انتحار أو وفاة خبير الأسلحة الكيماوية جون كيلي. وبقي في منصبه حتى عام 2009.
وتجد الصحيفة أنه رغم أنه لا يوجد ما يشير إلى أن أيا من هؤلاء قام بعمل غير قانوني، إلا أن المطالبين بالشفافية يقولون إن سياسة الباب المتحرك بين العمل الحكومي والعمل الخاص بحاجة للنظر فيها من جديد.
وينقل التقرير عن مدير مؤسسة الشفافية الدولية روبرت بارينغتون قوله إن المسؤولين في المراكز المهمة في الوقت الحالي تولوها بموافقة من لجنة التعيينات الحكومية المعروفة اختصارا بـ"أكوبا"، ولأن الخط الفاصل بين ما هو عام وخاص أصبح أكثر غموضا، ولهذا السبب فإن القواعد المعمول بها لا تناسب الوضع الحالي.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الشهر المقبل سيعود جون سكارليت إلى فندق ريتز، ولكن ليس في هاواي، بل في العاصمة القطرية الدوحة، إلى جانب وزراء الحكومة والمصرفيين، وسيكون المتحدث الرئيسي في مؤتمر "يوروموني".