نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تقريرا حول الزيارة المرتقبة لزعيم الانقلاب في
مصر، عبد الفتاح
السيسي، إلى لندن، انتقدت فيها قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون باستقبال السيسي، وحذرت من أن حكم العسكر في مصر لن يحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بل سيؤدي إلى تفشي ظاهرة الإرهاب وانهيار الدولة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن زيارة السيسي إلى
بريطانيا أثارت جدلا كبيرا حتى قبل أن تبدأ، وهو أمر مفهوم بالنظر لطبيعة النظام الحاكم في مصر. فبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الصيني، "شي جين بينغ"، خلال زيارته الأخيرة للندن، يبدو من خلال استقبال السيسي أن كاميرون أصبح يتعامل مع الأنظمة الدكتاتورية بمبدأ تغليب المصالح الاقتصادية على المبادئ، ولكن هذا الأسلوب يعدّ فاشلا وقصير النظر، خاصة فيما يخص التعامل مع مصر، كما تقول الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أن المملكة المتحدة، على غرار بقية أمم العالم، لديها مصالح ولديها الحق في تحقيق أهدافها مع كل دول العالم، بما في ذلك مصر، ولكن المشكلة هي أن الأمر يتعلق في هذه الحالة بتشجيع نظام دكتاتوري، يقوم بأخذ بلاده خطوات كبيرة إلى الوراء، حتى أصبحت مصر مهددة بأن تصبح دولة فاشلة ومنهارة، على غرار بعض الدول الأخرى في المنطقة.
وذكّرت الصحيفة بأن الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي كان في سنة 2013 قائدا للجيش المصري، أطاح بالرئيس المنتخب الذي ينتمي لتيار الإسلام السياسي، محمد مرسي، ومنذ ذلك الوقت أدخل البلاد في حالة الانقسام القديمة، التي يواجه فيها الجيش ما يعدّه "مجموعات إسلامية متطرفة"، دون ترك المجال للتيارات الإسلامية المعتدلة للظهور والنشاط.
وحذرت الصحيفة من أنه إذا لم تتمكن مصر من شق طريق وسطي بين التطرف والدكتاتورية، فإن آمالها في المستقبل ستكون معدومة، وستسوء الأوضاع أكثر إذا واصلت بريطانيا سياسة دعم الأنظمة الدكتاتورية العربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيسي، الذي ركب موجة الاحتجاجات الشعبية ضد مرسي، ونفذ انقلابا عسكريا، لا يمكن أن يكون بديلا عن الديمقراطية، لأنه ليس إلا امتدادا لسياسات حكم العسكر التي شوهت مصر وأضعفتها منذ سنة 1952، عبر احتكار السلطة واحتكار "الوطنية"، وهو ما يفعله السيسي الذي يدفع الإسلاميين دفعا نحو العنف، حتى يقدم نفسه بعض ذلك مخلصا وحاميا للبلاد من الإرهاب.
وذكرت الصحيفة في السياق ذاته أن السيسي بعد الانقلاب العسكري ارتكب مجزرة راح ضحيتها أكثر من ألف من النشطاء الإسلاميين، في ساحتين للاحتجاجات في القاهرة، ثم سارع إلى تصنيف تيار الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وسجن حوالي 40 ألف مواطن مصري من المعارضين للانقلاب، ثم قام بتوسيع صلاحيات المحاكم العسكرية بشكل لم تشهده مصر منذ سنة 1952، وبالتوازي مع ذلك قامت المحاكم المدنية أيضا بإصدار أحكام إعدام جماعية دون محاكمات عادلة، كما تفاقمت ظاهرة تعذيب المعتقلين في السجون.
واعتبرت الصحيفة أن كل هذه التصرفات تؤكد أن السيسي قام بإعادة إنشاء الدولة البوليسية، دون أن يغير شيئا مما كان قائما في العهود الدكتاتورية السابقة، وقام أيضا بزيادة نفوذ الجيش عبر تغيير القوانين، وزاد من سطوة الإمبراطورية المالية التي يتحكم فيها الجيش، بمساعدة مليارات الدولارات التي تدفقت عليه من دول الخليج الراعية للانقلاب.
واعتبرت الصحيفة أن الجيش يعد المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تمسك بزمام الأمور في مصر، والمشكلة تكمن في أن هذه المؤسسة لا تدرك ضرورة بناء مؤسسات وطنية أخرى لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين أوضاع البلاد؛ لأن السياسات الحالية ليست إلا تلك التي أدت لاندلاع ثورة يناير 2011.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن بريطانيا تعد من أكبر المستثمرين في مصر، خاصة في مجال الطاقة، ولها الحق في حماية مصالحها وتحقيق الفائدة الاقتصادية المشتركة للبلدين، ولكن المشكلة هي أن الاقتصاد المصري ليس مرشحا للتحسن، في ظل غياب أي إصلاحات أو انفتاح سياسي، واستقالة الشعب المصري من الحياة العامة، وهو أمر يجب على كاميرون أن يذكره عندما يقابل السيسي في مقره في داوننغ ستريت.