أكد المحلل
الإسرائيلي تسفي برئيل، أن التوازنات والكوابح التي أوجدها
الاتفاق النووي مع إيران رسمت الاستراتيجية الأمريكية والغربية التي تحولت إلى سياسة مشلولة في الشرق الأوسط.
وفي مقالته بصحيفة "هآرتس"، الأحد، قال برئيل إن العلاقات بين إيران وتركيا هي مثال فقط على طموحات إيرانية لخلق استراتيجية جديدة، إقليمية ودولية، تحولها بعد الاتفاق النووي إلى قوة عظمى معترف بها وشرعية. إيران لم تجمد نشاطها الإقليمي خلال فترة المفاوضات النووية، لكن شعورها، كما هو شعور القوى العظمى الغربية، بأن كل عمل إيراني إقليمي يجب أن يراعي الموضوع النووي، وأن الاتفاق النووي بحد ذاته هو أسير لسياسة إيران في المنطقة. فقد فرضت المفاوضات الحد من التدخل الأمريكي العسكري في سوريا والعراق، بعد أن أعلنت إيران أنها لن تعارض هذا التدخل. وقد كانت الهجمات في سوريا قد اقتصرت على قصف المناطق التي يسيطر عليها "داعش".
ونوه برئيل إلى أن التوازنات والكوابح التي أوجدتها مفاوضات السلاح النووي أمام نشاط القوى العظمى في سوريا منذ 2013، والخوف من رد إيران على هذا التدخل في السنتين الأوليين للحرب، قد رسمت مبادئ الاستراتيجية الغربية التي تحولت إلى سياسة مشلولة. وهذا لا يعني أنه الآن بعد أن تحرر الغرب ظاهريا من ظل اتفاق السلاح النووي، ستتوجه القوى العظمى للتدخل العسكري المكثف. بل إن إيران تقترح خدماتها كوسيط ومبادر للحل السياسي، وهذه المرة شريكة لا يتم رفضها من القوى العظمى.
وأشار الكاتب إلى أن إيران نشرت في الأسبوع الماضي الصيغة التي تقترحها في سوريا، وهي تستند إلى وقف إطلاق النار من جميع الأطراف، معالجة القضايا الإنسانية التي تتعلق بالحرب وصياغة دستور يضمن الدفاع عن الأقلية العلوية وإجراء الانتخابات. وفي أثناء هذه العملية وحتى الانتخابات فإن إيران تطالب باستمرار الأسد كرئيس. وهذا الاقتراح قدمته إيران لروسيا.
وتابع برئيل بالقول: "إيران تقترح أيضا إقامة لجنة دولية في تشرين الأول تتكون من القوى العظمى التي أدارت المفاوضات حول الاتفاق النووي إضافة إلى السعودية وتركيا، بحيث تعمل هذه اللجنة برعاية الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل متفق عليه. وإذا تم قبول هذا الاقتراح فإن هذه اللجنة ستتحول إلى مصدر الصلاحية لأي خطوة سياسية في سوريا وبذلك يلغى "إعلان جنيف" في حزيران 2012، الذي وضع خريطة الطريق لنقل السلطة. ولم تكن إيران مشاركة في مؤتمر جنيف، لكنها قد تتحول الآن إلى القوة الأساسية التي تفرض الإجراءات السياسية. تركيا من ناحيتها لم تؤيد بعد هذه الصيغة والولايات المتحدة ما زالت تعارض بقاء الأسد في الحكم أيضا في المرحلة الانتقالية، لكن واشنطن وحلفاءها لا يملكون في الوقت الحالي أي بديل سياسي".
واستدرك بالقول: "وفي المقابل فإنه واضح للولايات المتحدة أن الخطة الإيرانية تضع تحديا صعبا، فبخلاف إيران التي تستطيع مطالبة الأسد بتبني وقف إطلاق النار، فإنه مشكوك في أن الولايات المتحدة تملك هذا القدر من التأثير على المليشيات المتمردة".
وأكد أن الصيغة الإيرانية مقبولة لدى موسكو وهي تحاول تسويقها لدى منظمات المتمردين والسعودية التي تعارض أي خطوة إيرانية. وقد التقى هذا الأسبوع رئيس ائتلاف التنظيمات المعارضة في سوريا أحمد حجة، مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد أيام قليلة من لقاء لافروف مع وزير الخارجية السعودي، وبعد أن أجرى محادثات هاتفية مطولة مع بشار الأسد. وبحسب التقارير في وسائل الإعلام العربية، فإن هذه اللقاءات تهدف إلى إقناع الأطراف بقبول الصيغة الإيرانية. ورسميا فإنه يتم تقديم الصيغة على أنها مبادرة روسية تطالب روسيا بعرضها في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة في أيلول.
ونوه الكاتب إلى أن إيران لا تكتفي بإيجاد حل لسوريا. فاليمن هو مركز صراع مشتعل آخر بينها وبين السعودية. ومثلما في سوريا فقد تظهر إيران في الجبهة اليمنية كشريكة عقلانية تستخدم المساعدة الكبيرة التي تمنحها للحوثيين كرافعة ضغط من أجل المعارك. ومن دافع عن إيران في موضوع اليمن كان رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، الذي قال الأسبوع الماضي أمام عدد من الصحفيين إن إيران هي التي حاولت في 2014 كبح الحوثيين واحتلال صنعاء. وقال أوباما: "عندما بدأ الحوثيون بالهجوم لم يتم ذلك بأمر من قاسم سليماني أو حرس الثورة الإيراني".
وختم الكاتب مقاله بالقول إن واشنطن التي تعتبر داعش والقاعدة التهديد الأساسي في الشرق الأوسط، تجد في الحوثيين شركاء محتملين ضد منظمات الجهاد السني في اليمن. وكتب ظريف في مقالة نشرت في أربع صحف عربية: "لا يمكن محاربة منظمات متطرفة مثل داعش وفي نفس الوقت ترك المجال لهم للازدهار في اليمن وسوريا". ولم يكن ظريف ليصيغ مواقف واشنطن بشكل أفضل من ذلك، التي بدورها لا تتجرأ على قول هذه الأمور بصوت مرتفع.
إن هذا التماثل في المصالح والخوف من العلاقة الغرامية السياسية بين الولايات المتحدة وإيران هو ما يقلق السعودية بدرجة كبيرة، بحسب برئيل.