هو موسم إعادة إطلاق مقولتي الشهيرة "اليوم الأمريكيون يختارون بين
فيل يجثم على صدر العالم أو حمار يسير شؤونه".
لم تحظ
الانتخابات الأمريكية، كما كل استحقاق، بهذا الزخم الذي تحظى به في
العالم عامة، وفي عالمنا
العربي خاصة، فأزيز طائرات نتنياهو أصمت آذان العالم عن
صرخات الضحايا في
غزة وبيروت، ودخان بارود مدافعه أعمت مؤسساته الدولية من أن ترى
أشلاء الأطفال والنساء، أما الشعوب العربية فمشغولة بتصنيف موقف إيران من
المقاومة، ودورها بين الجدل والإنصاف.
ولأن الأمريكيين هم ملوك التسويق والدعاية، حيث يستطيع الأمريكي، كما فعل
ولا يزال، أن يبيعك الوهم، بل ويجعلك تتحمس له، وتنصح غيرك بشراء الوهم من العم
سام، إذا ما قورن بالوهم المبيع في الأسواق الصينية، وفي توقيت كتوقيت الانتخابات
الرئاسية، تبارى كل من مرشح "الفيل" دونالد
ترامب ومرشحة
"الحمار" كامالا
هاريس في كسب ود أصوات الأمريكيين العرب، بالوعد بأنهما
قادران على وقف الحرب في غزة وبيروت.
حالة خيبة الأمل هذه التي يشعر بها الأمريكيون العرب تجاه كامالا وحزبها، وهو ما أدركه ترامب، كانت حافزا للأخير لمزيد من الجرعات المخدرة للناخبين العرب، مراهنا على ذاكرة السمكة التي تتحلى بها الشعوب، لعلهم ينسون أن محدثهم، ترامب، هو من نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو مهندس التطبيع العربي، وصاحب فكرة الـــ"ناتو" الشرق أوسطي الذي سيقوده الاحتلال الإسرائيلي، فموقف ترامب لا يبتعد كثيرا عن موقف كامالا وحزبها منذ بداية الحرب على غزة
تفاعلت الحملات الانتخابية الأخيرة لكل من دونالد ترامب وكامالا هاريس بشكل
ملحوظ مع الجالية العربية الأمريكية، وقد سعى كلا المرشحين إلى استقطاب الأمريكيين
العرب، فقد سعت حملة ترامب إلى استمالة الناخبين العرب الأمريكيين، لا سيما في ميتشيغان
التي تضم عددا كبيرا من العرب. وقد صاغ رسالته حول وعده بالسلام، مدعيا أنه سينهي
الحروب في الشرق الأوسط، وملقيا المأساة التي تعيشها المنطقة على سوء إدارة بايدن
للأزمة.
وفي الجهة الأخرى من الطاولة، بذلت كامالا هاريس جهودا لإعادة التواصل مع
الناخبين الأمريكيين العرب، فخلال حملتها الانتخابية، أعربت عن قلقها العميق إزاء
الأزمة الإنسانية في غزة، والتي بدأت بالتنامي في لبنان، ثم تعهدت بالعمل على
تحقيق السلام والأمن لكل من "
الإسرائيليين" والفلسطينيين، وإن كانت
وعودها تأتي وسط شكوك العرب الذين يشعرون بخيانة الحزب الديمقراطي، الداعم الرئيسي
للاحتلال سواء على المستوى السياسي أو الاستخباراتي أو حتى العسكري المباشر.
حالة خيبة الأمل هذه التي يشعر بها الأمريكيون العرب تجاه كامالا وحزبها،
وهو ما أدركه ترامب، كانت حافزا للأخير لمزيد من الجرعات المخدرة للناخبين العرب،
مراهنا على ذاكرة السمكة التي تتحلى بها الشعوب، لعلهم ينسون أن محدثهم، ترامب، هو
من نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو مهندس التطبيع العربي، وصاحب فكرة الـ"ناتو"
الشرق أوسطي الذي سيقوده الاحتلال الإسرائيلي، فموقف ترامب لا يبتعد كثيرا عن موقف
كامالا وحزبها منذ بداية الحرب على غزة في أشهرها الثلاثة عشر.
لعلك الآن تحتسي القهوة، وأنت تتابع تحليلات المختصين في الشأن الأمريكي،
ويهمك معرفة موقف الأمريكيين العرب من هذه الانتخابات، وأهم ما يهمك في ذلك،
موقفهم من حرب الإبادة الجماعية التي تديرها تل أبيب برعاية أمريكية أوروبية، وكيف
سيترجم في صناديق الانتخابات بعد ساعات. ولعل استطلاعات الرأي تؤكد حالة الاستياء
الشديدة من هاريس وبايدن، حيث يرى العرب أنهما وإدارتهما متواطئون في مسلسل
الإبادة الجماعية المستمرة حلقاته على مدى 396 يوما.
هذا الشعور تجاه المرشحين يحمل الناخبين العرب، بحسب سبر الآراء، إلى
معاقبة هاريس، على الرغم من أن أغلب العرب في العادة يصوتون للديمقراطيين، لما
يحمله برنامجهم دوما بكثير من الانفتاح تجاه المهاجرين واستيعابهم وتوفيق أوضاعهم
القانونية، لكن الوضع هذه المرة يختلف مع التواطؤ غير المسبوق للحزب الديمقراطي مع
الجرائم اليومية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.
ولأن الانقسام هو سيد الموقف العربي، حتى على مستوى الشعوب، فإن سياسة كل
من الجمهوريين والديمقراطيين تجاه إيران والمليشيات الموالية لها، سيكون لها دور
في قرار الأمريكيين العرب، وهم يضعون ورقة التصويت في صندوق الانتخاب، وذلك لأن
الظروف في المنطقة متباينة،
يجب الانتباه لما هو أهم من حرب عابرة مرت قبلها عشرات، وستأتي بعدها، حتى ولو وعد المرشح الديمقراطي أو تعهد الجمهوري، الأهم في الحالة الأمريكية هي قوة الجالية العربية، التي تمثّل كتلة تصويتية حاسمة في ولايات مهمة مثل ميتشيغان، ومن ثم يمكن لموقف موحد أن يصنع الفارق، ما يعني أنه ببعض التنظيم وصناعة قيادة موحدة للجالية العربية
بين من يرى أن الخلاص من الإيرانيين ومليشياتهم سيكون
مكسبا استراتيجيا لكبح جماح التمدد الفارسي في المنطقة، وانتقاما لدماء الشهداء،
فيما يرى المستفيدون من إيران ومليشياتها، أن المرشح صاحب الموقف الأقل تشددا مع
إيران سيكون هو الأفضل، وعليه فإنهم يرون أن اختيارهم للحمار هو الحل.
وبين هذا وذاك يجب الانتباه لما هو أهم من حرب عابرة مرت قبلها عشرات،
وستأتي بعدها، حتى ولو وعد المرشح الديمقراطي أو تعهد الجمهوري، الأهم في الحالة
الأمريكية هي قوة الجالية العربية، التي تمثّل كتلة تصويتية حاسمة في ولايات مهمة
مثل ميتشيغان، ومن ثم يمكن لموقف موحد أن يصنع الفارق، ما يعني أنه ببعض التنظيم
وصناعة قيادة موحدة للجالية العربية، يكون ولاؤها للثوابت الشعبية، من دون تفرقة
بين القضايا وزخمها الإعلامي، أن تؤثر إلى حد بعيد على نتائج الانتخابات الأمريكية
القادمة. ولعلي ضربت مثالا بولاية ميتشيغان لوجود ما يقرب من 200 ألف أمريكي عربي
فيها وحدها، وبالتالي يدرك كلا المرشحين أن معالجة مخاوفهم أمر حيوي لتأمين
الأصوات.
وهنا أنا لا أريد للجالية العربية أن تحل مشاكلنا، فلها مشاكلها، أعانها
الله، ولكن أريدها أن تكون ورقة ضغط، وقيمة مضافة لنصرة الشعوب المقهورة، التي
تعاني تحت وطأة حكامها، فتصبح قوة محورية في تشكيل الديناميات الانتخابية، بل
والمساهمة في تشكيل سياسة الرئيس الأمريكي القادم وحزبه تجاه العرب وقضاياهم
الداخلية والاستراتيجية، ليروا حقيقة المصالح، عوضا عن النظرة للمنطقة من فتحة باب
الاحتلال والداعمين له في المنطقة.