هل تحاول
الولايات المتحدة فرض مبدأ مونرو جديد في
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
جلبت الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة إلى المنطقة وشكلت تحالفا غير مسبوق من البلدان، ما أثار أسئلة حول هذا التجمع العسكري الضخم وفرض على الأطراف الإقليمية الدولية أن تكون في حالة
تأهب قصوى، مما يجعل هذه الأسئلة مشروعا تماما.
مبدأ مونرو الذي
أصدره الكونغرس الأمريكي في عام 1823، كان يهدف في الأصل إلى مواجهة التدخل الأوروبي في منطقة نصف
الكرة الغربي، لكنه تحول إلى شكل من أشكال الهيمنة
من قبل ثيودور روزفلت في بداية القرن العشرين، والذي احتل دولا صغيرة في أمريكا
اللاتينية، بعد أن حول الأمريكيون موقفهم من مدافع مفترض إلى محتل متوحش.
كثيرون في
المنطقة غير مقتنعين بأنّ الهدف الوحيد للحملة الأمريكية على المنطقة هو مجرد
مواجهة مع قطاع
غزة، كما تم الإعلان عنه، ولكنه في الواقع أكبر من ذلك بكثير،
ويمكننا استنتاج بعض هذه الحملة بناء على قراءة بسيطة للسياسة الخارجية الأمريكية
بعد الحرب العالمية الثانية.
على مدى السنوات
التالية للحرب العالمية الثانية، رأينا كيف عملت واشنطن
على إنهاك الدول الأوروبية، وجعلتها تعتمد على الولايات المتحدة. ولا يمكن تجاهل
حقيقة أن التحالف الغربي الداعم للحرب في أوكرانيا يهدف ولو جزئيا إلى استنزاف
الاقتصاد الأوروبي، وجعل الأوروبيين يشعرون دائما بانعدام الأمن، والحاجة إلى مظلة
الجيش الأمريكي.
لقد بلغ الضعف
بالأوروبيين أمام الولايات المتحدة الأمريكية، أنّهم صمتوا عندما عطلت أمريكا خط
أنابيب نورد ستريم في العام الماضي، ولم تكن أي من الدول الأوروبية قادرة على الرد
بشكل فعّال بل دخلوا حالة إنكار، وفوق كل ذلك بعد أن خسرت أوروبا الطاقة الروسية واضطرت
إلى استيرادها بسعر فاحش من الولايات المتحدة، وسط انتقادات فارغة من ألمانيا، مثلما
عبّر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك عن استيائه من أن تصرفات بعض "الدول
الصديقة"، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي
أدت إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال، وبالتالي زيادة الاعتماد الأوروبي على
الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك،
فإن الوجود العسكري الغربي في شرق المتوسط يمكن أن تنظر إليه روسيا على أنّه محاولة
للضغط عليها من خلال حاملات الطائرات القادرة على حمل عشرات الطائرات، بالإضافة
إلى السفن المصاحبة، والتي من الممكن أن تدخل في حرب مع روسيا في أوكرانيا في أي
وقت.
كما أنّها وسيلة
للضغط على الصين من خلال محاولة السيطرة على مصادر الطاقة والتلاعب بأسعارها،
الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد الصيني والنمو، حيث إنّ الصين تعتمد بشكل
كبير على مصادر الطاقة من المنطقة، كما يمثّل هذا الحضور تهديدا حقيقيا لمشروعات مبادرة
الحزام والطريق، وهو ما يتكامل مع جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين في منطقة
آسيا والمحيط الهادئ وفرض المزيد من الضغوط على خطتها لتوسيع وجودها في المنطقة وخاصة
بعد زيارة الرئيس السوري إلى الصين قبل بضعة أسابيع.
كما أن الوجود
الأمريكي في المنطقة قد يسعى إلى منع أي تغيير سياسي محتمل في العالم العربي
والإسلامي؛ مماثل لما حدث في الربيع العربي ومؤخرا في بلدان جنوب الصحراء الكبرى.
لقد ورثت أمريكا المنطقة التي كان يهيمن عليها الاستعمار الغربي، مجزأة وضعيفة، وتريد
الحفاظ على الوضع الراهن من خلال وجودها المباشر في المنطقة، بحيث يهدد هذه
الأنظمة بشكل مباشر إذا حاولت التمرد، ويوفر لها الحماية عند الضرورة.
إنّ الوجود
العسكري الغربي ليس استفزازيا فقط للقوى الكبرى، التي قد لا تتردد هي الأخرى في
تعزيز وجودها العسكري في المنطقة كرد على محاولة الهيمنة الأمريكية، بل إنّه يقف
أمام طموح القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا. بالطبع فإنّ الولايات المتحدة لا
تخفي ذلك العداء تجاه إيران وقد أرسلت تهديدات مباشرة لطهران، وأنّها مستهدفة
بالتواجد العسكري، وقد كانت إيران تستعد منذ سنوات طويلة لمثل هذه الحرب غير المستبعدة.
ومن ناحية أخرى، فإنّ
تركيا تبدو منزعجة إلى حد كبير بسبب الوجود العسكري الغربي في شرق البحر الأبيض
المتوسط، وليس فقط لأنّ لديها ذكريات مريرة للغاية من مثل هذه الائتلافات العسكرية،
ولكن أيضا لأنها كذلك تقع في قلب شرق المتوسط.
بدون شك، وجود
هذه القوات العسكرية الضخمة سوف يؤثر على توازن القوى في المنطقة، وسوف يشكل حواجز
أمام طموحات تركية لتعزيز حضورها في البحر الأبيض المتوسط والبحث عن مصادر الطاقة،
كما أنّه سيثير المزيد من المخاوف التركية من علاقات أمريكا المشبوهة مع الجماعات
الكردية الانفصالية/ الإرهابية، وسوف تعمل على مواجهة هذا الوضع.
لا شك أنّ تركيا،
باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي، لديها حسابات معقدة، وأنّ وجود الأساطيل الغربية
في المنطقة سيضع ضغوطا إضافية عليها وسيتسبب باستفزازها بشكل أكبر، خاصة أنّ الضغط
الشعبي يتصاعد على الرئيس أردوغان، وبالذات من بنك الأصوات الشعبية التي يعتمد
عليها للفوز بالانتخابات، كي يقوم بشيء لوقف جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. إنّ
تركيا تواجه تحديات ضخمة وربما تضطر إلى إعادة تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة وحلف
شمال الأطلسي نتيجة لذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن علاقة تركيا مع مصر تحسنت في
الآونة الأخيرة.
(تم نشر المقال
على موقع
ميدل إيست مونيتور باللغة الإنجليزية)