أنهيت مقالي الأسبوع الماضي في «القدس العربي» «حرب إسرائيل لن تقضي على حماس بل ستنهي
نتنياهو» مؤكداً: «قيادة نتنياهو المترنح مغامرة جنون العظمة ستدفعه لحتفه ـ وسقوطه، ونهايته السياسية وحكومته المتطرفة بعد محاكمته وإدانته لفشله ـ عسكريا وأمنيا واستخباراتيا ـ ومعهم سقوط نظرية الجيش الذي لا يُقهر. وقد قُهر؛ لأن حماس لم يهزمها جيش نتنياهو الخاسر.
تصاعدت مجازر
جرائم حرب الاحتلال المتنقلة منذ بداية الحرب، وغرق جيش نتنياهو بمستنقع حرب إبادة
ترتكبها آلة القتل وتوغل بدماء الأبرياء والشهداء في
غزة للتعويض عن فشله الأمني
والعسكري وخسائره، بقتل الأبرياء المستضعفين في مخيمات البؤس والمستشفيات
والمدارس، تواكب مغامرة توغلاته البرية المدمرة. فيلجأ لمجازر مخيم جباليا ويلقي
صواريخ زنة الواحد طن! ومخيم الشاطئ ومخيم البريج وخان يونس وبيت لاهيا وبيت حانون
وتل الهوا والزيتون؛ للانتقام من استبسال المقاومة وتصديها للقوات الغازية
والالتحام معها وتكبيدها خسائر في الجنود والعتاد.
ويستمر الدعم
الأمريكي غير المشروط بالسلاح والعتاد والمال وتخصيص الكونغرس 14.3 مليار دولار-و3
زيارات لوزير الخارجية بلينكن ووزير الدفاع أوستن، أهينا بمقاطعة ناشطين ضد الحرب
للإدلاء بشهادتهما في جلسة استماع في لجنة مجلس الشيوخ، صبغوا أيديهم بصبغ أحمر
كناية عن الدم، ويصرخون أوقفوا قتل أطفال غزة-أوقفوا الحرب الآن. وتحت ضغط الرأي
العام والمظاهرات المستمرة قرب البيت الأبيض، واقتحام ناشطين مبنى الكونغرس وأكبر
محطة قطارات في نيويورك نظمتها جماعة يهودية بمشاركة حاخامات يعارضون حرب الإبادة
على غزة.
كما يواجه
بايدن ووزير خارجيته، بداية تمرد داخل وزارة الخارجية، وجناح الحزب الديمقراطي في
الكونغرس- وخاصة من النائبة رشيدة طليب من أصل فلسطيني، اتهمت بايدن بدعم إبادة
إسرائيل الجماعية للفلسطينيين في انشقاق داخل حزب بايدن الديمقراطي! يرافقه تراجع
شعبية بايدن في استطلاعات الرأي المسلمين والعرب الأمريكيين بسبب اصطفافه مع جرائم
حرب إسرائيل، ورفضه وقف إطلاق النار بحجة «ستستفيد حماس وتعيد ترتيب صفوفها من وقف
إطلاق النار»-، متناسيا إبادة إسرائيل 12 ألف فلسطيني بين شهيد ومفقود تحت الأنقاض
بسلاح وترسانة وتمويل وغطاء أمريكي، واستخدام الفيتو مرتين في مجلس الأمن لمنع
قرار يوقف حرب الإبادة في غزة.
كما يشكل
الصمت الأمريكي على جرائم قوات الاحتلال الممنهج وقطعان المستوطنين المسلحين برخص
لقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، واحتلال منازلهم وحرق سياراتهم وتدمير
محاصيلهم الزراعية في الضفة الغربية، تجاوز عدد شهداء الاعتداءات الإسرائيلية 250
قبل الحرب على غزة-و120 شهيدا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وطوفان الأقصى والسيوف
الحديدية، واكتفاء إدارة بايدن بالتعبير عن قلقها تشجيعا للعدوان.
حسب تحليل
نُشر الأسبوع الماضي في دورية فورين بولسي الأمريكية الرصينة، يظهر حالة تململ ورفض
موقف بايدن وإدارته الاصطفاف وتقديم دعم بلا سقف للموقف الإسرائيلي، لمسؤولين في
وزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني ومؤسسات الدولة العميقة. وهذا ما أكده أكثر
من10 من مسؤولين سابقين وحالين في مقابلات مع فورين بولسي. كما تظهر الإحصائيات
انهيار تأييد الناخبين العرب الأمريكيين لبايدن. صوت 59٪ من الناخبين العرب
الأمريكيين للمرشح جو بايدن في انتخابات الرئاسة عام 2020 ضد منافسه دونالد ترامب.
وعلق الدبلوماسي المخضرم هارون ديفيد ميلر: «عملت لربع قرن في مفاوضات السلام بين
العرب وإسرائيل… في وزارة الخارجية، ولم أشهد حالة الاستياء التي نشهدها اليوم…
وكأن إدارة بايدن تتفاوض فيما بين أركانها عن الصراع العربي-الإسرائيلي». بسبب
الإفلاس الأخلاقي لإدارة بايدن. وزيادة الانتقادات وعزل أمريكا! لكن حسب آخر
استطلاع رأي، انهار تأييد الناخبين العرب الأمريكيين من 59٪ عام 2020 لـ17٪ اليوم!
بسبب مواقف بايدن المعادية والداعمة لحرب الصهاينة على غزة! بالإضافة لانتقادات
لاذعة من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي والنائبتين المسلمتين إلهان عمر من
أصل صومالي وأول نائبة أمريكية مسلمة ومحجبة، ورشيدة طليب فلسطينية الأصل، اتهمت
بايدن بدعمه حرب إبادة إسرائيل للفلسطينيين بفيديو.
يطلق ذلك
صفارات إنذار وحالة استنفار داخل الدولة العميقة والحزب الديمقراطي، يعني أن
إسرائيل ونتنياهو لم يصبحا عبئا ثقيلا فقط، ولكن يجعل بايدن شريكا في جرائم القتل
وبايدن، ويأخذ حزبه كرهينة، قد يكلف بايدن خسارة انتخابات الرئاسة القادمة، وحتى
أغلبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ.
الصادم إصرار
بايدن على تمسكه بالدعم المطلق ورهانه على نتنياهو؛ الحصان الخاسر! وذلك، برغم ما نشره
موقع Politico-الأمريكي
الأسبوع الماضي، -مع تجاوز ضحايا وشهداء حرب إسرائيل على غزة 10 آلاف شهيد وأكثر من
2000 مفقود تحت الأنقاض-، نقلا عن مسؤولين في إدارة بايدن، يتوقعون أن أيام نتنياهو
وحكومته باتت معدودة بعد نهاية الحرب، وفتح لجان تحقيق لفشله. نقل بايدن ذلك
لنتنياهو في زيارته الأخيرة لتل أبيب، ويكرر بايدن موقفه بحل الدولتين، لكنه يسمح
لإسرائيل بتدمير أي فرصة لتحقيق ذلك.
ولتأكيد
انحيازه، أصر بايدن على زيارة تل أبيب لساعات وتقدم بطلب 14.3 مليار دولار لتمويل
ودعم إسرائيل في حرب إبادتها لسكان غزة، وتدميرها لتهجير سكانها لسيناء وتصفية
القضية الفلسطينية. ما يسقط أمريكا في إفلاس أخلاقي وقيمي. ويجعل إدارة بايدن
شريكا في جرائم الحرب ضد الفلسطينيين العزل، حسب القانون الدولي والقانون الدولي
الإنساني واتفاقية جنيف.
الدرس واضح،
لن يشعر اليهود بالأمان ما لم تقم دولة فلسطينية. وإلا سيتكرر مسلسل الحروب والفشل
الأمني وقصف المستوطنات وتل أبيب والخسائر الاقتصادية وتعطل الحياة الطبيعية
وإجلاء مليون لاجئ فلسطيني ونصف مليون مستوطن، بأكبر عملية إجلاء من مستوطنات غلاف
غزة وعلى حدود لبنان، وخشيتهم من العودة لمستوطناتهم غير الشرعية. تاريخيا، تتحكم
العقدة الأمنية بالناخبين الإسرائيليين، ويسقطون الحزب الحاكم الذي يفشل بتوفير
الأمن والأمان. متى يقتنع بايدن بسقوطه الأخلاقي، ورهانه على شريك وحصان خاسر؟!
القدس العربي