كشفت الأزمة الأخيرة لسعر صرف الدينار العراقي
أمام الدولار الأمريكي، عن استحواذ عدد من المصارف الأهلية على نافذة بيع العملة
التابعة للبنك المركزي العراقي، حيث أن معظم هذه المصارف العراقية تعود إلى الأحزاب
والشخصيات السياسية المتنفذة في البلد.
وبحسب مراقبين فإن معظم الأحزاب والشخصيات
السياسية العراقية، تعتمد على نافذة بيع العملة للبنك المركزي للحصول على الدولار
الأمريكي، كونها تمتلك أكثر من 30 مصرفا من مجموع 70 مصرفا خاصا، تساهم معظمها في
تهريب الدولار الأمريكي إلى خارج البلد.
تدهور الدينار
وأربكت تغريدات زعيم التيار الصدري، مقتدى
الصدر، الجمعة الماضية، سعر صرف الدينار أمام الدولار، لانتقاده رفع أسعار السلع
وتهريب الدولار، وتحكم مصارف ببيع العملة، وكذلك طالب بإعادة النظر في عمل عدد
منها، واستضافة محافظ البنك المركزي ووزير المالية لمساءلتهما.
وسمت تغريدة الصدر ثلاثة مصارف (القابض، الشرق
الأوسط، والأنصاري) التي دعا إلى إعادة النظر في عملها، وهذه كلها تابعة إلى شخص
واحد يدعى علي غلام.
ورفض وزير المالية، علي علاوي، مثوله أمام
البرلمان العراقي، بناء على دعوة الصدر، معتبرا أن الحكومة ليست ذراعا تنفيذيا
للأحزاب، ولا تُدار بـ"التغريدات"، مشيرا إلى أن "سعر الصرف يسيّس
حاليا، وتم جعله المسؤول عن ارتفاع الأسعار. وهذه كذبة متعمدة".
ونتيجة لذلك وصل سعر الصرف إلى 1420 دينارا
مقابل الدولار الواحد، بعدما كان بسعر 1480 للدولار، واستمر ذلك لمدة أربعة أيام،
حيث خرج البنك المركزي ببيان ينفي فيه السعي لإعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه منذ
عام بسعر 1182 دينارا مقابل الدولار الواحد.
وبعد بيان البنك المركزي، الأحد، الذي أكد فيه
أنه يمتلك احتياطيات أجنبية كافية لاستقرار سعر الصرف الحالي، عاد سعر الدينار
العراقي إلى 1465 مقابل الدولار الأمريكي الواحد.
هيمنة حزبية
من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، صالح
الهماشي لـ"عربي21" إن "المضاربين وأصحاب رؤوس الأموال دائما يستغلون
الأزمات للمضاربة بالأسعار لأن هذه فرصتهم في جني الأرباح، فالعراق كثير الأزمات،
واستغلت تصريحات الصدر ورد وزير المالية، وأحدثت خللا في سعر صرف الدينار أمام
الدولار".
وأضاف: "أصبح سعر الدولار بالسوق أقل مما
يبيعه البنك المركزي فأصبحت مضاربات جنت منها المصارف الأهلية أرباحا كبيرة، وهذه
عددها يصل إلى 70 مصرفا وأغلبها لأحزاب وشخصيات سياسية، ورجالات متنفذة تعمل في
الظل. وهذه مصارف تسيطر على نافذة بيع العملة".
ولفت الهماشي إلى أن "دور المصارف الأهلية
ابتعد عن التنمية والإقراض، وإنما لجأت إلى نافذة بيع العملة لتحقيق الربح السريع،
لذلك استغلت أزمة صرف الدولار الأخيرة وجنت ملايين الدولارات، حيث يبيع البنك
المركزي يوميا 240 مليون دولار، وبالتالي كانت أرباحهم يوميا بنحو 7 ملايين
دولار".
وأوضح الخبير أن "أموال نافذة العملة 240
مليون دولار يوميا يفترض أنها تباع على أساس شراء سلع استيرادية وحوالات، لكن هناك
تزييف وتحايل على ذلك، ففي عام 2017 قيل إن العراق استورد طماطم فقط بقيمة 1.8
مليار دولار وشراء مواد زراعية بـ6 مليارات، وهذا الرقم كبير جدا، لذلك هناك تضخيم
للأرقام تستفيد منه المصارف".
ولفت الهماشي إلى أنه "في ظل النظام
المالي والإداري الحالي بالعراق لا يمكن الاستغناء عن نافذة بيع العملة".
وبين الخبير أنه "لكن إذا
عدلت كل ذلك وأجرت إصلاحات اقتصادية مع وجود بورصة حقيقية للأسعار ودور المصارف الحقيقي
في الإقراض والحصول على أموال أجنبية أخرى، فيمكن بيع الدولار مباشرة
للتاجر المستورد ويحاسب على ضوء كمية السلع الداخلة للبلد وشهادة المنشأ ووساطة
مصارف عالمية وشركات الشحن العالمية، وذلك يحد من عملية الفساد في نافذة بيع
العملة، لكن المشكلة أن الفساد بالبلد يمنع من الذهاب إلى مثل هذا الخيار".
"متنفس لإيران"
وفي المقابل، قال السياسي العراقي المعارض،
أحمد الأبيض لـ"عربي21" إن "ما يحصل بالعراق هو أن جميع الأحزاب
تمتلك مصارف، وأرباحها تتحقق من نافذة بيع العملة للبنك المركزي العراقي، والذي
يبيع يوميا بما يعادل حجم الصادرات من النفط أو أكثر بقليل، أي بمعنى نحن نستهلك
الاحتياطات النقدية لتوفير احتياجات نافذة العملة".
وأضاف الأبيض أن "ما يجري نتيجة نافذة بيع
العملة أمران: الأول، تهريب الأموال بالطريقة التي ذكرت آنفا، والأمر الآخر هو
غسيل الأموال، لأن إيران تطبع الدولار المعروف بـ(الدولار البلوري) ويتم بيعه عن طريق
شركات صرافة داخل العراق، لسحب الدينار ثم استبداله بالدولار الأصلي عن طريق 30
مصرفا تمتلكها أذرعها بالعراق".
ورأى السياسي أن "ما حصل في الأزمة
الأخيرة هو أن التيار الصدري دخل في القطاع المصرفي، عن طريق مصرف (الموصل) والذي
جرى وضع اليد عليه من البنك المركزي وإغلاقه بعد حديثي عنه في إحدى القنوات
الفضائية، وهناك مصارف أخرى لأحزاب تهيمن على نافذة بيع العملة".
وأوضح الأبيض أن "البنك المركزي العراقي
رغم أن قانونه يتحدث عن استقلاليته، لكنه يخضع للهيمنة الحزبية والسياسية، فطيلة
السنوات الماضية كان خاضعا لحزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، لأنه جرى تعيين
المحافظ منه، واليوم المحافظ يرتبط بالتيار الصدري".
وتابع: "التدهور في إدارة العملة والنقد،
لا يؤثر على العراق فقط، وإنما على دول أخرى، لأن الخزانة الأمريكية لا تسمح باستخدام
الدولار في عمليات الغسيل والتهريب، خصوصا أن هذه الأموال تتجاوز نصف تريليون
دولار سنويا، وكانت هذه متنفسا لإيران وجعلتها تصمد في وجه عقوبات واشنطن، كونها
تستحوذ على القطاع المصرفي العراق".
هل يستجيب العراق لضغوط إيران ويعيد إحياء "اتفاقية الجزائر"؟
من الأوفر حظا لرئاسة العراق بعد إبعاد زيباري عن المنافسة؟
هل يتمكن الصدر والخزعلي من وأد الاقتتال الشيعي في العراق؟