ملفات وتقارير

ما بين مرشح "محافظ" وأخرى داعمة لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.. أين سيذهب صوت مسلمي أمريكا؟

المرشحان دونالد ترامب وكاملا هاريس أغضبا الجالية المسلمة والعربية- عربي21

مع اقتراب موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث لم يبق على انطلاقها سوى بضع ساعات، تُثار تساؤلات عن المرشح الذي سيصوت له العرب والمسلمون في أمريكا، خاصة أنهم يختلفون في عدة قضايا مع المرشحين الرئيسيين دونالد ترامب وكاملا هاريس.

فكلا المرشحين دونالد ترامب وكاملا هاريس أغضب الجالية المسلمة والعربية عدة مرات، فالأول كثيرا ما يهاجم المهاجرين ومنهم المسلمين، ويُظهر تطرفا ضد الأقليات، بالمقابل المرشحة الديمقراطية كانت نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يتهمه المسلمون بدعمه حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

وسعى المرشحان إلى مغازلة العرب والمسلمين في أمريكا؛ بغية نيل أصواتهم الانتخابية، فنعم نسبة المسلمين هي 1 في المئة فقط (3 ملايين و300 ألف)، إلا أن كتلتهم الانتخابية تتركز في الولايات المتأرجحة، التي عادة ما تحسم الفارق في النتائج، وخلال سعيهما هذا زارا أهم ولاية في الولايات المتأرجحة وهي ميشيغان، التي لها دور كبير في إفراز الرئيس القادم، فوفقا للنظام الانتخابي الأمريكي فإن ميشيغان لها 15 مقعداً في المجمع الانتخابي.

وعلى الرغم من أن عدد من يحق لهم التصويت من المسلمين في هذه الولاية نسبة إلى عدد الناخبين في عموم الولايات يُعتبر ضئيل، فإنه قد يؤثر بشكل كبير على نتيجة الانتخابات، فمثلا في انتخابات 2016 فاز دونالد ترامب في هذه الولاية بفارق عشرة آلاف صوت تقريبا عن هيلاري كلينتون، لكنه خسر فيها أمام بايدن بفارق 100 ألف صوت تقريبا في انتخابات عام 2020.

وخلال حملتها، زارت كاملا هاريس ولاية ميشيغان، والتقت قيادات إسلامية وعربية في بداية تشرين أول/ أكتوبر، ووفقا لأحد مسؤولي حملتها الانتخابية، فإنها أعربت عن قلقها من حجم المعاناة في قطاع غزة والخسائر في صفوف المدنيين والنزوح في لبنان، كما ناقشت الجهود المبذولة لإنهاء الحرب والحيلولة دون نشوب حرب أوسع نطاقا في المنطقة.

بالمقابل، قام منافسها دونالد ترامب بزيارة دعائية خلال حملته الانتخابية إلى في مدينة ديربورن ذات الكثافة العربية، والتي تتبع لولاية ميشيغان، لمغازلة الأصوات المسلمة وذوي الأصول العربية هناك، الذين أصبحوا أغلبية في المدينة. 


أصوات المسلمين متأرجحة
وبشكل عام، يتفق غالبية العرب والمسلمين مع الجمهوريين في القضايا المتعلقة بالأسرة ومنها معارضة الإجهاض والقضايا الجنسية كالمثلية وغيرها، ويختلفون معهم في قضايا حقوق الأقليات ودعم الاحتلال الإسرائيلي.

بالمقابل، يختلفون مع الديمقراطيين في القضايا التي يتفقون عليها مع الجمهوريين، ويتفقون مع بعض من اليسار الديمقراطي المعارض لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ولكن مع تأييد بايدن لهذه الحرب أصبح المسلمون يعارضون ويختلفون مع الكثير من الديمقراطيين الداعمين للاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسهم مرشحة الرئاسة كاملا هاريس.

ولكن مع اقتراب ساعة الحسم الرئاسي، وفي ظل تباين موقف المسلمين من الحزبين في قضايا عدة سواء في التأييد أو الاختلاف، ومع وجود تأثير كبير لهم في هذه الانتخابات، هل صوتهم الانتخابي مُوحد ولمن سيمنحونه؟

خالد الترعاني المختص بالشأن الأمريكي وهو من مسلمي أمريكا أيضا، قال إن الجالية المسلمة تقريبا هي لم تحسم أمرها لمن ستصوت، ولكن مثلا عموم المؤسسات العربية والإسلامية في ولاية ميشيغان قررت أنها لن تمنح صوتها لهاريس ولا لترامب.

وأوضح أن مسلمي أمريكا عموما صوتهم ليس بالضرورة أنه موحد، ولكن هناك توجهات عامة داخل الجالية، على سبيل المثال في انتخابات 2020 صوت 80 في المئة من العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان لجو بايدن.

وتابع الترعاني في حديث خاص لـ "عربي"، أيضا، بأن معظم العرب والمسلمين في باقي الولايات صوتوا لجو بايدن، وذلك بسبب أن المرشح المنافس كان دونالد ترامب، ومعلوم أن بايدن فاز بفارق 150 ألف صوت، كان حوالي 100 ألف منها في هذه الولاية.

وأضاف أنه بالمقابل في انتخابات 2016 لم يصوت عدد كبير من المسلمين والعرب للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لأنها كان عندها نوع من الأنا المتضخمة، وكانت لا تحترم الناخبين، حيث خسرت مثلا في ميشيغان، وكان الفرق بينها وبين ترامب 11 ألف صوت، وبالتالي بشكل عام لا يوجد توحد انتخابي تام داخل الجالية المسلمة ولكن هناك توجهات عامة.

وأوضح الترعاني أن الجالية المسلمة بشكل عام قلقة، ودائما ما تتأرجح بين مرشحي الحزبين الرئيسيين، فمثلا في انتخابات عام 2000 منح العرب والمسلمين صوتهم لجورج بوش الأبن، لأن منافسه آل غور رفض التعامل مع قضية الأدلة السرية في المحاكم ضد العرب والمسلمين، بالمقابل وعد الأول بالتعامل معها.

وأكمل، بالتالي أيديولوجيا الجالية المسلمة لا تسير دائما مع حزب واحد سواء الجمهوري أو الديمقراطي، وإنما تسير وفقا لمصالحها، وبحسب نتائج استطلاعات. الرأي التي أجراها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) فإن 29 في المئة من مسلمي ولاية ميشيغان -وهي ولاية مهمة ومتأرجحة- سيصوتون لكاملا هاريس، مقابل 29 في المئة قالوا أنهم سيصوتون لجيل ستاين مرشحة حزب الخُضر.

ويواصل الترعاني حديثه بالقول، بالتالي وفقا لهذا الاستطلاع انخفضت نسبة تصويت المسلمين والعرب لصالح كاملا هاريس من 80 في المئة إلى 29 في المئة، أي أنها خسرت 50 نقطة بين العرب والمسلمين وصوتهم قوي ومهم وعددهم كبير.

وأكد أن نتيجة هذا الاستطلاع تدل على أنه لا إجماع داخل الجالية حول مرشح واحد، فبعد حصول المرشحتين هاريس وستاين على 29 في المئة لكل واحدة منهما، سيتبقى 42 في المئة من الأصوات غالبا ستذهب لدونالد ترامب.

وحول ما إذا كان هناك توافق ما بين المسلمين العرب والمسلمين غير العرب قال الترعاني، اعتقد أن هناك توافقا بينهم إلى حد ما كبير ، فعلى سبيل المثال، قضية غزة الآن هي القضية الأهم بالنسبة لهم، ودليل ذلك حصول حزب الخُضر على نسبة 29 في المئة، وهو في العادة لا تصل نسبة التصويت لهم إلى 5 في المئة، لكن قد تجد هناك اختلاف بين العرب المسلمين والعرب غير المسلمين، حيث يصوت كثير من العرب المسيحيين للحزب الجمهوري.


جاليات مسلمة مشتتة
ومع عدم وضوح توجهات الجالية المسلمة الانتخابية، ورفضها لبعض قرارات وتصرفات الحزبين، يقف المسلمون حائرين أمام مفترق طرق وخيارين كلاهما سيئ بالنسبة لهم.

فهم الآن إما أن يختاروا مرشحة كانت نائبة رئيس دعم بشكل قوي الحرب الإسرائيلية على غزة، وحتى هي نفسها دعمت بشكل كبير الاحتلال الإسرائيلي، وأعلنت ذلك أكثر من مرة، دون مواربة أو خجل.

وإما أن يختاروا مرشحاً يكرس كل جهده لمحاربة الهجرة وعدم دعم حقوق الأقليات ومنها المسلمة، وحتى في ما يخص قضايا الشرق الأوسط المنطقة التي ينحدر منها كثير من مسلمي أمريكا، فإن ترامب لا يقل سوءا عن هاريس، فقد أيد ضم الجولان المحتل لإسرائيل، كما دافع عن الاحتلال في حرب غزة بحجة حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، كذلك دعم أنظمة ديكتاتورية في المنطقة.

خالد صفوري، رئيس مؤسسة المصلحة الوطنية في واشنطن، قال: لا شك أن خيارات المسلمين في الولايات المتحدة صعبة، فمن جهة ترامب يدعم نتنياهو ويعده بالدعم غير المحدود لو وصل للرئاسة، ومن جهة أخرى بايدن أعطى كل أنواع الأسلحة لإسرائيل ودون شروط، في مخالفة واضحة للقوانين الأمريكية وقوانين جرائم الحرب.

ولكن صفوري يرى أن المشكلة الرئيسية هي أن الجاليات المسلمة والعربية مشتتة، فعلى سبيل المثال الجالية السورية تدعم ترامب لاعتقادها أنه سيكون معاديا لإيران، في حين أن الجالية المسلمة السوداء تدعم كاملا هارس بسبب ارتباط السود بشكل عام بالحزب الديمقراطي.

وأوضح صفوري خلال حديثه لـ "عربي21"، أن الموقف الرسمي لمعظم الجمعيات الإسلامية هو عدم التصويت لترامب أو لهاريس، وبدلا من ذلك فإن القيادات الإسلامية طلبت من الجالية التصويت لمرشح ثالث مثل جيل ستاين أو بروفيسور كورنيل ويست كتصويت احتجاجي.

وحول الوزن الانتخابي للجالية المسلمة ومدى أهميته، قال إن الوزن الانتخابي للجالية مهم، حيث إن عددا كبيرا من أبنائها يقيمون في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، حيث نسبة أصوات المسلمين فيها حوالي ٥ في المئة، وولاية بنسلفانيا ونسبة أصواتهم فيها حوالي ٣ في المئة وولاية ويسكونسن وأريزونا وجورجيا من ١ إلى ٢ بالمئة، وهذه أرقام مهمة في انتخابات متقاربة جدا.


عدم التصويت قرار سيئ
وفي ظل دعوة القيادات الإسلامية الناخبين المسلمين لعدم التصويت لترامب أو لهاريس، وإنما التصويت لمرشحين آخرين، فكيف ستكون نتيجة عدم مشاركة الناخب الأمريكي المسلم وتأثيرها على وضع المسلمين السياسي؟ 

الكاتب والمختص بالشأن الأمريكي، أسامة أبو أرشيد، اعتبر أن عدم تصويت المسلمين في الانتخابات الأمريكية أمر سيئ، حيث سيؤثر ذلك على فعالياتهم السياسية وعلى قدرتهم على التأثير مستقبلا وقدرتهم على بناء كتلة حرجة أو إثبات أن هناك كتلة حرجة ومؤثرة، خصوصا إذا ما كانت الانتخابات متقاربة، ولذلك لم تدع أي من المؤسسات المُعتبرة والقيادات الأمريكية المسلمة الوازنة إلى مقاطعة التصويت.

وتابع أبو ارشيد في حديث خاص لـ "عربي21": لكن هناك خلاف على وجهة التصويت الرئاسي، فهناك من يدعو للتصويت لمرشح ثالث مثل جين ستاين من حزب الخُضر، أو التصويت لكاملا هاريس على أساس أنها أهون الشرين وأقل الضررين مقارنة بترامب، لأننا نتحدث عمليا عن مرشحين فقط لهما فرص حقيقية، وهما هاريس وترامب.

وأوضح أنه بالمقابل هناك أقلية دعت إلى أن يكون التصويت سواءً بشكل احتجاجي أو بناءً على قناعة لدونالد لترامب، ولكن تبقى هذه الفئة أقلية، وغالبية المسلمين يرون أن هذه الفئة تُخطئ في تقدير الموقف بغض النظر ما إذا كان التصويت احتجاجيا وتعبيرا عن عدم الرضا والاستياء من كاملا هاريس بسبب عدم إعطائها الاعتبار للصوت العربي والمسلم، والتي تحتاجه وفقا لاستطلاعات الرأي، أو أنهم ينطلقون من قناعة خاصة فيما يتعلق بمسألة القيم العائلية والمحافظة، لأننا نعلم أن ترامب لا يملك قيماً حقيقية.

وخلص أبو ارشيد بالقول: لكن غالبية الجالية المسلمة يتفقون على أمر واحد، وهو التصويت في الانتخابات، بغض النظر لمن يصوتون من المرشحين للرئاسة باستثناء دونالد ترامب مرة أخرى، لكن يصوتون في الانتخابات المحلية وانتخابات الكونغرس، بمعنى أن يكون هناك تصويت في أسفل البطاقة الانتخابية إن لم يكن في أعلاها للذين يختارون المقاطعة، مع أننا ضد المقاطعة على المستوى الرئاسي.

يُذكر أن النائبة المسلمة الأشهر في الكونغرس الأمريكي رشيدة طليب امتنعت خلال تجمع نقابي في ميشيغان، عن تأييد مرشحة حزبها الديمقراطي كاملا هاريس، ودعت الحاضرين للتصويت، لكنها ركزت على التصويت في الانتخابات المحلية والكونغرس التي تجرى بالتزامن مع انتخابات الرئاسة.