تكتسب أصوات العرب والمسلمين
في الانتخابات الأمريكية أهمية غير مسبوقة قبيل ساعات من انطلاق الانتخابات
الرئاسية، إذ يشكل الناخبون من هذه الفئة قوة حاسمة في بعض الولايات المتأرجحة،
ويبرز تأثيرهم في سياق سياسات محلية ودولية حساسة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية
ووقف حرب الاحتلال الإسرائيلي في
غزة.
وفي ظل حالة استقطاب شديد بين
حملتي الرئيس السابق دونالد
ترامب، ونائبة الرئيس الحالي كامالا
هاريس، يتجه كلا
المعسكرين لاستمالة هذه الكتلة الصوتية المؤثرة، ما يجعل من الضروري فهم حجم
وأبعاد تأثيرهم على الانتخابات وما يحمله من دلالات مستقبلية.
حجم الأصوات وتأثيرها
يتجاوز عدد الناخبين المسلمين
الذين يحق لهم التصويت في الولايات المتحدة مليون ناخب، بينهم نحو 300 ألف في
ولايات مثل ميتشيغان وبنسلفانيا، وهما ولايتان متأرجحتان قادرتان على قلب نتائج
الانتخابات الرئاسية.
ووفقاً لتقرير صدر عن مجلس
العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، فإنه يتواجد أكبر تجمع للناخبين المسلمين في ولاية ميتشيغان، حيث يشكلون نحو 2.75% من
السكان، ما يجعلهم قوة لا يستهان بها في تحديد مسار التصويت.
بالمثل، تشير بيانات المعهد
العربي الأمريكي إلى أن عدد الناخبين العرب يبلغ نحو 3.7 مليون ناخب، يتمركز
معظمهم في ولايات مثل كاليفورنيا وميتشيغان وأوهايو، حيث تؤكد الأبحاث أن نسبة
التصويت في هذه الفئة تزداد بصورة ملحوظة في الانتخابات الرئاسية؛ ففي انتخابات
2020، صوت نحو 69% من المسلمين والعرب لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، ما يعكس
أهمية دعمهم في تحقيق الفوز.
وتتزايد هذه الأهمية مع دخول
ولايات جديدة إلى قائمة المتأرجحة، مثل جورجيا وأريزونا، حيث بدأت الأحزاب تولي
اهتماماً أكبر لهذه الفئات، معتمدة على تقارير تصدرها مؤسسات مثل “Pew
Research”،
التي توقعت أن تزداد نسبة التصويت للمسلمين بنسبة 12% في 2024، مدفوعة بزيادة
الوعي السياسي والانخراط المجتمعي.
تاريخ مشاركة العرب والمسلمين
بدأت الكتلة العربية والمسلمة
في الولايات المتحدة تكتسب اهتماماً سياسياً منذ انتخابات 2008، حين شارك عدد كبير
من المسلمين في دعم الرئيس باراك أوباما، وذلك لدعمه سياسات الهجرة والتعددية
الثقافية.
وفي انتخابات 2016، رغم أن
هيلاري كلينتون لم تحظ بتأييد واسع، إلا أن حملة دونالد ترامب التي ركزت على "حظر
السفر" من دول مسلمة حفزت المشاركة ضدها في انتخابات 2020.
مع صعود دونالد ترامب إلى
الرئاسة وفرضه قرار "حظر السفر" على دول ذات غالبية مسلمة، ازدادت
الحملة التصويتية للعرب والمسلمين لمواجهة تلك السياسات، حيث دعم نحو 69% منهم
الرئيس جو بايدن في الانتخابات التالية، وقدرت مؤسسة “Catalist” أن دعم المسلمين لبايدن ساهم في فارق 1.2% من
الأصوات في ميتشيغان، وهو ما كان كافياً لحسم الولاية.
ولأهمية دعم العرب والمسلمين،
بدأت حملات مختلفة، مثل حملة "عرب أمريكيون من أجل العدالة" التي تدعم
حقوقهم، بالانتشار والتأثير؛ بل أنشأت مؤسسات مثل “Vote for Muslim Power” لتوعية المجتمعات المحلية حول حقوقهم الانتخابية
وأهمية أصواتهم.
القضايا تؤثر على أصوات العرب
والمسلمين
تشير استطلاعات الرأي، مثل استطلاع
مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية لعام 2023، إلى أن الناخبين العرب والمسلمين
يولون اهتماماً كبيراً لقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات، خاصة في ظل
تزايد الاعتداءات العنصرية والتحديات التي تواجههم في سوق العمل والتعليم
والإسكان.
ويعد التعليم والرعاية الصحية
من الأولويات، حيث يصوتون بناءً على المرشحين الذين يعززون فرص تحسين التعليم
والرعاية الطبية المجانية.
على الصعيد الدولي، يبقى ملف قضية
فلسطين ورفض دعم الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة والتي دخلت عاملها الثاني في
مقدمة الاهتمامات، حيث أشار 82% من الناخبين المسلمين في استطلاع “Zogby” إلى أن موقف المرشح من القضية
الفلسطينية يؤثر على تصويتهم.
وعلى سبيل المثال، شهدت
انتخابات 2020 تضامناً مع الفلسطينيين من خلال جهود المنظمات مثل "مركز
الحقوق الإسلامية" التي دعت المرشحين لدعم حل عادل، إذ لعبت هذه الجهود دورًا
في توجه أصوات المسلمين نحو المرشح الديمقراطي.
من جهة أخرى، يهتم الناخبون
العرب والمسلمون بالسياسات المتعلقة باللاجئين والمهاجرين، خاصة في ظل تصاعد
التحديات الإنسانية في الشرق الأوسط، حيث يشكل دعم حقوق المهاجرين واللاجئين
محركاً قوياً لتوجهاتهم الانتخابية.
تأثير الحرب على غزة
أثرت الحرب على غزة بشكل
ملحوظ على توجه الناخبين في الانتخابات الأمريكية، حيث يتوقع أن يخسر المرشحان العديد
من الأصوات بسبب مواقفهما من القضية الفلسطينية.. على وجه الخصوص، تحظى مرشحة حزب
الخضر، جيل ستاين، بدعم متزايد من الناخبين الذين يساندون حقوق الفلسطينيين، رغم
صعوبة صعودها إلى البيت الأبيض، لكن الدعم قد يمنح الحزب فرصة للظهور كبديل يركز على
العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
في الوقت نفسه، شهدت الولايات
المتحدة نشاطًا متزايدًا من قبل الجاليات العربية والمسلمة التي نظمت فعاليات
ومظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي، ما أظهر تحولًا في مواقف جزء كبير من المجتمع
الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، وهذه الفعاليات، التي تمتد عبر مختلف المدن
الأمريكية، لم تجذب الجالية العربية فحسب، بل أيضاً الأمريكيين من ذوي الأصول
الأفريقية واللاتينية، ما يشير إلى وجود تحالفات جديدة تدعم حقوق الفلسطينيين.
مع تزايد عدد المشاركين في
هذه الاحتجاجات، أصبح هناك وعي أكبر داخل المجتمع الأمريكي حول ضرورة تحقيق
العدالة في الشرق الأوسط، ما قد يضغط على المرشحين للانتقال من دعم السياسات
التقليدية إلى التوجه نحو مواقف أكثر إنصافًا، هذه التحولات تعكس تأثيرًا مباشرًا
للجاليات العربية على الرأي العام، ما قد يعزز من فرصهم في التأثير على نتائج
الانتخابات المقبلة.
استقطاب أصوات العرب
والمسلمين
أدركت الحملات الانتخابية
أهمية جذب أصوات العرب والمسلمين مبكراً في هذه الانتخابات. فعلى سبيل المثال،
بدأت حملة هاريس لعام 2024 بتنظيم فعاليات تستهدف الجالية المسلمة والعربية، مع
التركيز على موضوعات العدالة الاجتماعية والمساواة، وهو ما شهد إقبالاً كبيرًا من
الناخبين.
وأشارت بيانات مؤسسة “Ethnic Media Services” إلى
أن هذه الحملات تسعى للوصول إلى الفئات الأصغر سنًا من خلال قنوات التواصل
الاجتماعي، حيث تشكل فئة الشباب نحو 58% من الناخبين المسلمين.
والتقت نائبة الرئيس الأمريكي
ومرشحة الحزب الديمقراطي، بعدد من ممثلي المسلمين والعرب الأمريكيين المعارضين
للإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والهجمات على
لبنان.
وبحسب صحيفة "واشنطن
بوست"، فإن هاريس التقت في ولاية ميتشيغان أعضاء منظمة "إمغيج"
الأمريكية المدافعة عن حقوق الجالية المسلمة، ومسؤولين من "فريق العمل
الأمريكي من أجل لبنان" وهالة حجازي المؤيدة للحزب الديمقراطي، والتي فقدت
العديد من أفراد عائلتها في الإبادة الجماعية التي يرتكبتها الاحتلال الإسرائيلي
في غزة.
ووفق بيان منظمة
"إمغيج"، فقد دعا أعضاء المنظمة هاريس إلى إنهاء الحرب في لبنان وغزة، في حال
انتخابها لمنصب الرئاسة، وبذل قصارى جهدها "لإعادة ضبط" السياسة
الأمريكية في المنطقة.
تأييد متبادل لهاريس وترامب
وفي محاولة لتعزيز موقفها،
أعلن عدد من الأئمة تأييدهم لهاريس، في رسالة مفتوحة نُشرت عبر وسائل إعلام
أمريكية وأشار الأئمة، وعددهم 25، في رسالتهم، إلى "أهمية التفكير المنطقي في
قرارات التصويت"، معتبرين أن دعم هاريس "يعد الخيار الأفضل" لإنهاء
النزاع الدموي في غزة ولبنان مقارنة بالبدائل الأخرى.
تسعى حملات مثل “مسلمون من
أجل أمريكا” و”صوتي هو قوتي” إلى زيادة التوعية الانتخابية وتشجيع التصويت، حيث
يُتوقع أن تبلغ نسبة إقبال الناخبين العرب والمسلمين أعلى مستوياتها في انتخابات
2024، بزيادة قدرها 10% بحسب مؤسسة “Pew Research Center”.
فيما أعلنت حملة المرشح
الجمهوري ترامب خلال تجمع انتخابي عن تأييد بعض أئمة المساجد والمراكز الإسلامية
في ولاية ميتشيغان ذات التجمع العربي والإسلامي الأكبر في أمريكا.
وكان أبرز هؤلاء الأئمة الذين
عبروا عن دعمهم لترامب إمام الجامع الكبير بمدينة هامترامك بلال الزهيري، وهو يمني
الأصل والذي ظهر متحدثا ومعلنا دعمه للمرشح الجمهوري ترامب خلال التجمع بعد أن
وعدهم الأخير بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
التحديات أمام الناخبين
المسلمين والعرب
ورغم تنامي المشاركة، فإن العرب والمسلمين يواجهون تحديات لا تزال تشكل عائقاً أمامهم، بدءاً من التمييز وانتهاءً
بالإجراءات البيروقراطية المعقدة. وأشار تقرير مؤسسة “Southern Poverty Law Center” إلى أن العديد من المسلمين والعرب يشعرون
بالتمييز في مراكز الاقتراع، حيث أفاد نحو 35% منهم بتعرضهم لمواقف غير مريحة أو
ملاحظات عنصرية.
ويواجه المسلمون في بعض الولايات
مثل تكساس وألاباما صعوبات قانونية عند محاولة التسجيل بسبب الحواجز اللغوية
والإجراءات المعقدة، ما دفع منظمات مثل “CAIR” لإطلاق مبادرات للتسجيل المبكر وتوعية الناخبين
بحقوقهم. وقامت مؤسسات مثل “حملة المسلمين للتصويت” بتنظيم ورش عمل لتعليم
الناخبين كيفية حماية أنفسهم من التمييز أثناء عملية التصويت.
تعزيز الوعي الانتخابي
تقوم منظمات مثل "المجلس
الإسلامي الأمريكي" و"اللجنة العربية الأمريكية لمناهضة التمييز"
بجهود مستمرة لتعزيز الوعي الانتخابي. وتُنظم هذه المنظمات ورش عمل تعليمية وندوات
توعوية، حيث تشجع الناخبين على التسجيل والإدلاء بأصواتهم من خلال منصات إلكترونية
لتبسيط العملية.
نمو ملحوظ قد يغير وجه
السياسة الأمريكية
تشير تحليلات مؤسسات بحثية،
مثل معهد “Brookings”،
إلى أن تصويت العرب والمسلمين سيزداد بنسبة 20% على الأقل خلال العقد القادم، مدفوعاً
بالوعي السياسي وتزايد الجهود المجتمعية. ويُتوقع أن يسهم هذا التنامي في دفع
الأجندة الأمريكية نحو مواقف أكثر توازناً تجاه القضايا العربية والإسلامية، خاصة
في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط.