الواحد والعشرون من شباط/ فبراير من هذا العام؛ يوم ليس بالعادي بالنسبة للشعب الجزائري، إنما هو إعلان انطلاق ربيع الجزائر، إذ خرج الناس بالآلاف في تظاهرات، ضد ما بات يعرف بـ"العهدة الخامسة". إذ "أعلن" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العاجز صحيا، ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الخامسة، التي تعني فوزه بالطبع! ترشحا أثار غضب الجزائريين واستيائهم بغالبيتهم، فخرجوا إلى الشوارع رافضين منددين ومهددين، بعد أن كسروا حاجز الخوف المسمى "المصير السوري"، الذي بات الخيار البديل والوحيد للأنظمة العربية، ومنها النظام الجزائري.
عبثا جاءت محاولات النظام لاستيعاب الحراك الشعبي، أو الربيع الجزائري، فكانت الصدمة سيدة الموقف الرسمي، مربكة للقادة من سياسيين وعسكريين وأمنيين. إذ لم تنجح التهديدات المغلّفة بحجة حماية الوطن وأمنه، فجاء يوم الاثنين، 11 آذار/ مارس، الذي أعلن فيه "بوتفليقة" عدم ترشحه للانتخابات المقبلة المقررة يوم 18 نيسان/ أبريل المقبل، وبهذا احتفل الجزائريون بانتصارهم في الجولة الأولى في معركتهم من أجل التغيير.
إعلان "بوتفليقة"، أو "مَن وَراءه"، عدم الترشح؛ لم يأت هكذا ببساطة تلبية لمطالب الشعب (فالاستجابة لمطالب الشعب في بلادنا مستحيل وخيال ولا يمكن أن تكون واقعا). إذ جاء معه جملة من القرارات منها إعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية، وتغيير الحكومة وتنظيم الانتخابات عقب "ندوة وطنية مستقلة"، دون تحديد أي موعد لهذا الانتخابات وتشكيل اللجنة والندوة وغيرها! ما يعني بطبيعة الحال بقاء "بوتفليقة" أو "مَن وَراءه" بالحكم إلى أمد غير معروف، واستخفافا بالحراك الشعبي لدرجة تصل حد الإساءة وربما الاستغباء.
أما ردة الفعل على المستوى العربي (ولا نقصد الرسمي بالطبع)، فقد كانت ما بين سعيدة بانتصار إرادة الشعب على إرادة الحاكم، وحذرة من بيان بوتفليقة أو "مَن وَراءه" الذين لن يسلّموا السلطة هكذا ببساطة وسلمية ورقي، ومترقبة لخطوة الجزائريين المقبلة.. تلك الخطوة التي جاءت سريعة من خلال ردة الفعل الرافضة للبيان جملة وتفصيلا، ومتابعة التظاهرات التي أوقعت النظام الجزائري من جديد في إرباك؛ جعل وزير الدفاع يخرج على الإعلام ليتحدث عن "نية الجيش ضمان الأمن".
ومما يستحق الاحترام في هذا الربيع الجزائري، هو عدم اقتصار الحراك على الطلبة والمواطنين العاديين، إنما دخول الكثير من أساتذة الجامعات والفنانين والمسؤولين وقادة الرأي بمختلف المجالات في صف الشعب ودعم مطالبه. وعلينا هنا أن نميّز بين شقين من هؤلاء، أولهما الشخصيات الثقافية والاجتماعية؛ التي خرجت دعما للتظاهرات والمطالب المحقّة، وهذه فئة تستحق الاحترام والتقدير.. أما الشق الثاني فهو أركان النظام الحالي ورؤوسه المستفيدة منه، هؤلاء الذين ركبوا سفينة التغيير بعد أن تأكد لهم غرق سفينة النظام الحالي، علّهم بذلك يحصلون على موطئ قدم لهم في العهد الجديد! وهؤلاء معروفون للشعب الذي عليه الحذر منهم أيما حذر.
وعلى صعيد المنظومة العسكرية الجزائرية من جيش وأمن، فليست بأحسن من مثيلاتها في بلاد العرب، كي لا يخطئ من يظنون بهم خيرا، وتاريخها منذ استقلال الجزائر، وخاصة في فترة العشرية السوداء، دليل واضح لا لبس فيه، وهنا مركز الخطر الأكبر على الجزائر وهذا الحراك. وعدم استخدامهم للقوة والرصاص ليس إلا من باب الأوامر من جهات خارجية، والمناورة خشية أن تفلت الأمور من أيديها بعد أن أدركت أن من خرجوا للشارع لن يعودوا دون تحقيق مطالبهم.
يمتلك الحراك الجزائري عددا من نقاط القوة على الجزائريين أن يكونوا مدركين لها، أهمها الموقع الجغرافي جنوبي المتوسط، ما يعني أن الأوروبيين لن يسمحوا بتفجّر الأوضاع هناك خوفا من الانفلات الأمني، الذي سيؤدي إلى تدفق المهاجرين بعشرات أو مئات الألوف على أوروبا العاجزة عن تكرار سيناريو عام 2015، الذي كان من تبعاته صعود اليمين واليمين المتطرف إلى الحكم في عدد من البلدان، وازدياد قوته في بلدان أخرى، ما بات يهدد التعايش المجتمعي بين الأوروبيين أنفسهم.
ماذا بعد؟ سؤال لا بد أنه على لسان كل جزائري، والجواب بسيط وموجود في تجارب الربيع العربي، التي يجب تعلم الدروس والعبر منها للاستفادة وعدم تكرار الأخطاء، منها: عدم الثقة بالمنظومة العسكرية من جيش وشرطة وأمن، وعدم التراجع عن المطالب، وألّا تقتصر الدعوات على الإطاحة "فقط" بـ"بوتفليقة" كما في تونس، بل الإطاحة بالدولة العميقة ورموزها، وعدم القيام بنصف ثورة فيجري على الجزائر ما جرى على مصر، وضرورة عدم الانجرار وراء الدعوات المشبوهة، التي تحرف الربيع عن هدفه.. لا للارتهان للخارج وتسليم البلد لروسيا والصين أو أمريكا وفرنسا. أما عدو الثورات الأخطر، فهو المال السياسي، ومن خلفه الإمارات والسعودية وغيرهما.
ارتدادات الحراك الجزائري على دول الجوار
انتفاضة السودان والجزائر وعودة الروح للشعوب العربية
احتجاجات الجزائر شاهد على براءة الربيع العربي