فجأة وبينما العالم مشغول
بأخبار فيروس "كوفيد-19" أو "
كورونا"، ظهر على الشاشات خبر تحت مسمى "عاجل" يتحدث عن
اتصال ولي عهد
الإمارات محمد بن زايد برأس النظام السوري بشار الأسد، ليعبّر عن
دعم بلاده لسوريا في مواجهة كورونا.
ليس الغريب هنا هو الاتصال
بحد ذاته، إنّما الكم من
الناس الذين صدموا به، وكأنّه شيء ما كان ليحدث في زماننا
هذا! فيما هو لا يخرج عن سياقه الطبيعي للتّأكيد على مدى متانة العلاقات بين
النظامين.
مُخطئ من كان يظنّ أنّ هناك
حالة من العداء أو القطيعة بين نظامي دمشق وأبو ظبي منذ اندلاع
الثورة السورية
وحتى اللحظة؛ ومخطئ من كان يظن أن حكام الإمارات إنما وقفوا لحظة واحدة مع تطلّعات
الشعب السوري منذ البداية، وهم الذين يقودون (منذ سنوات) ما بات يُعرف بالثورة المضادّة
على الرّبيع العربيّ، من شرق العالم العربي إلى غربه.
مُخطئ أيضا من كان يظنّ أنّ الدّعم الإماراتيّ
للثّورة السوريّة إنّما كان يهدف لإسقاط نظام الأسد لا لإسقاط الثورة، وقد نجح
لدرجة كبيرة؛ ناهيك عمن يصل لدرجة أن يحسن الظنّ بهكذا نظام وقيادة، وقد كشفت
الثورة السورية الجميع وعرّتهم وفضحتهم على مذبح حريتها.
قيل إن اتصال وليّ عهد
الإمارات بالأسد جاء للتأكيد على "دعم بلاده للشعب السوري في هذه الظروف
الاستثنائية"، والغريب هنا أن يتحدّث الآن عن ظروف استثنائية في بلد يعيش منذ
تسع سنوات أكبر مأساة شهدتها الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية! حيث شهد من
الجرائم والمجازر والقتل والتشريد والتدمير ما لم يشهده بلد في عصر "إنسانية ابن
زايد"، وهو (
ابن زايد) يعرف بالتّأكيد أن وراء هذا المأساة شخص واحد اسمه
"بشار الأسد"، ويعرف أكثر أن كورونا هو آخر همّ السوريين مقارنة بما
عانوه ولا يزالون.
وبما أن "التضامن
الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار" حسبما قيل في الخبر، فإننا (على
ما يبدو) أمام مفهوم آخر للإنسانية، خاصة عندما يكون هذا المفهوم هو عنوان الاتصال
الذي جرى بين ابن زايد وبشار!
كيف حاربت الإمارات الثورة
السورية؟
منذ أن بدأت الثورة السورية
وتسارعت الأحداث، مرورا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد وتجميد عضويّة
سوريا في الجامعة العربية وغيرها، ركبت الإمارات هذه الموجة كغيرها من باقي
الأنظمة العربية، ولكن ليس من أجل دعم الشعب السوري، وإنما في سبيل السيطرة على
الأحداث دعما للأسد، فماذا فعلت الإمارات؟
- دخلت على خط الثورة من خلال الدّعم المالي السخيّ للمعارضة والفصائل، حيث
كانت من الداعمين لغرفة "الموك" في الأردن مع كل بريطانيا والولايات
المتحدة والسعودية والأردن، من أجل السيطرة على قرار الفصائل في جنوب سوريا، وقد كان
ذلك.
- كانت من الداعمين لبعض
فصائل الثّوار في الغوطة للسيطرة على قرارهم حفاظاً على نظام الأسد، وقد كان لها
دور كبير، مع غيرها بالطبع، في وقف هجوم الثوار على العاصمة.
- زودت الإمارات فصائل الثوار في
مناطق مختلفة بأجهزة اتصالات وهواتف ثريا، لتتمكّن من التجسّس عليهم ونقل
المعلومات لنظام الأسد.
- أغرت الكثير من القيادات
العسكرية والسياسية المعارضة للنظام السوري، وعملت على تفتيت المعارضة بشقيها
العسكري والسياسي.
كيف دعمت الإمارات النظام
السوري؟
- دعمت الاقتصاد السوريّ أكثر من مرّة لمنع انهيار الليرة السورية، التي
تجاوزت حاجز الألف ليرة للدولار الواحد.
- دعمت الإمارات الحملة الرّوسية
في سوريا منذ بدايتها، والتي كانت السبب الكبير في سيطرة النظام على مناطق واسعة
من البلاد وانحسار رقعة الثورة والثّوار.
- استقبلت الإمارات شقيقة رأس النظام السوري "بشرى الأسد"،
وكالعادة لأسباب إنسانية!
- تستقبل الإمارات ابن رامي مخلوف،
ابن خال بشار الأسد وأحد أهمّ رموز النظام السوري الاقتصاديين، مع شركات والده.
- تستضيف الإمارات الكثير من
رجالات النظام، ورجال أعمال وشركات تدعم النظام السوري.
- قسم كبير جدا من أموال عائلة
الأسد موجودة في بنوك الإمارات، بالإضافة لشركات تابعة للعائلة ولبشار الأسد.
- شجّعت هي وروسيا الرئيس السوداني
السابق عمر البشير لزيارة سوريا من أجل كسر العزلة العربية والدولية على الأسد.
- أول دولة تعيد العلاقات
الدبلوماسية مع نظام الأسد بشكل علني، حيث أعادت سفيرها وفتحت سفارتها بدمشق.
كل ذلك وغيره الكثير ما هو
إلا غيض من فيض إمارات ابن زايد وما فعلته بحق السوريين طيلة سنوات الثورة التسعة.
إن
اتصال ولي عهد الإمارات برأس النظام السوريّ ليس له علاقة بالظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا لا
من قريب ولا من بعيد، إنما رأت الإمارات في هذه المرحلة التي يمر بها العالم بسبب
كورنا أنسب الظروف لإعادة النظام السوري إلى المجتمع الدولي؛ من خلال كسر حالة العزلة
المفروضة عليه. ولا نستغرب أن تقوم أنظمة أخرى بخطوات مماثلة متحججة بكورونا الذي
بات حجّة لإنعاش هذا النظام المتهالك والفاقد للشرعية.
وإلا، هلّا توسّط
"أمير الإنسانية" محمد بن زايد لمئات للإفراج عن الآلاف من المعتقلين
السوريين لدى هذا النظام خوفا من تفشي كورونا بينهم مثلاً؟ هلّا دعم ابن زايد
مخيمات اللاجئين والنازحين بما يساعدهم على مواجهة الفيروس ويحدّ من انتشاره من
منطلق أن الإنسانيّة لا تتجزّأ، أم أنهم لا ينتمون للإنسانية التي ينتمي إليها كل
من بشار وابن زايد؟
ولماذا لا يسعى ابن زايد
لإيقاف الحرب في اليمن؟ ويقدم الدعم الكافي لليمنيين لمواجهة كورنا؟ أم أن الدّعم
الإماراتي في مواجهة كورونا مقتصر على إيران والنظام السوري؟!
هذه الأسئلة وغيرها الكثير
نطرحها دون أن ننتظر إجابة نعرفها مسبقاً. وكما قال شوقي ذات يوم: مخطئ من ظنّ
يوماً أنّ للثّعلب ديناً.