استقال باتيلي، وما كان له إلا أن يستقيل، فالرجل لم يستطع تجاوز
العوائق التي وضعها "المعرقلون" أمام جهوده ومبادرته لتسوية النزاع
الليبي، ومر ما يزيد عن عام ونصف العام على تولي باتيلي رئاسة البعثة الأممية دون
أن يغير من حالة الجمود التي كانت هي عنوان القضية الليبية أغلب فترة إشراف باتيلي
عليها.
ما سبق يمثل أرضية لوجهة النظر التي تعتبر أن أسباب
استقالة باتيلي
تعود إلى إخفاقه في تمرير أفكاره وخططه، وإلى قناعة ربما ترسخت لديه من أن الحالة
الليبية عصية على التطويع وأنه لا ضوء في آخر النفق، وبالتالي فإن الاستقالة أحفظ
لماء وجهه، وتمنع من أن يتضرر سجله السياسي والدبلوماسي أكثر، وتكون التجربة
الليبية نقطة سوداء في مسيرته كوسيط دولي.
انطلاقة باتيلي بدت واعدة بعد رفع البطاقة الحمراء في وجه الساسة
والنافذين الليبيين وتلويحه باستبدال المنتظم السياسي المعني بالتسوية السياسية
بلجنة رفيعة المستوى تسند إليها مهمة استكمال استحقاقات العملية الانتقالية من
قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، وجاءت النتائج سريعة حيث انطلق ماراثون اللقاءت
بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ووقع تقدم على المسار السياسي، لكن الأمور
تغيرت بعد تراجع باتيلي عن خطته ولجنته، فكان ذلك من بين أسباب عودة الحالة
الليبية إلى المراوحة والجمود.
قد لا يكون باتيلي المسؤول الأول عن الفشل، فالحالة الليبية تحتاج
إلى ضغط له ثقله وتأثيره، وذلك لا يتأتى من
مبعوث لا سند حقيقي له، فشتان بين
فاعلية مبعوث من السنغال وآخر أمريكي، كما أن الأطراف الدولية المعنية بالأزمة
الليبية لم تقدم الدعم المطلوب لإسناده.
المسار السياسي وصل إلى انسداد ومنعطف يتعلق بالتغيير الحكومي قد يعجل بتفجر الوضع، والسلاح الروسي يتدفق في الشرق حيث حفتر وجيشه، وهناك تركيز غربي على تأهيل القوات التابعة للحكومة بغرب البلاد، وحفتر يهدد ويتوعد بعد أن تلبس بلبوس الصلح والسلام والبناء والتعمير، والأعباء الاقتصادية والمالية تزداد وطأتها على المواطنين بفعل السياسة المالية والنقدية المجحفة.
على الجانب الآخر من التحليل والتفسير، فإن باتيلي قد لا يكون استقال
اختيارا، فالوضع في
ليبيا حرج سياسيا واقتصاديا وأمنيا، والثلاثة مجتمعة تشكل
أرضية لمزيد من التأزيم قد يكون نواة لحرب تستغلها أطراف دولية وإقليمية لمآربها
الخاصة.
المسار السياسي وصل إلى انسداد ومنعطف يتعلق بالتغيير الحكومي قد
يعجل بتفجر الوضع، والسلاح الروسي يتدفق في الشرق حيث حفتر وجيشه، وهناك تركيز
غربي على تأهيل القوات التابعة للحكومة بغرب البلاد، وحفتر يهدد ويتوعد بعد أن
تلبس بلبوس الصلح والسلام والبناء والتعمير، والأعباء الاقتصادية والمالية تزداد
وطأتها على المواطنين بفعل
السياسة المالية والنقدية المجحفة.
تعيين ستيفاني خوري نائبة لباتيلي قبل استقالته ربما يكون بقصد توجيه
المسار السياسي بإرادة أطراف دولية نافذة للوصول إلى اتفاق، وبالتالي فإن استقالة
باتيلي ضرورية وتخدم جهود قيادة العملية السياسية برؤية وأدوات فاعلة.
هذا التحليل في حال صدقيته فإنه إما أن يكون باتفاق بين الأطراف
الدولية الرئيسية المعنية بالقضية الليبية، وإما أن يكون خيارا تتفرد به الولايات
المتحدة وحلفاؤها بعيدا عن روسيا، وبالتالي فإن التقدم فيه دون رضا ودعم روسي
سيكون نذيرا للتصعيد عبر عمل عسكري من الشرق باتجاه الغرب الليبي.
الروس ليس لديهم ما يخسرونه في حال اتجهوا إلى تفجير الوضع وخرق
اتفاق وقف إطلاق النار، وحفتر قابل للذهاب في هذا الاتجاه، غير أن النتائج غير
مضمونة، ولا يوجد تغيير في ميزان القوى على الأرض يجعل نتائج أي عملية عسكرية
جديدة تكون مختلفة عن نتائجها عام 2019م، غير أنها ستكون وسيلة لعرقلة أي مسار
غير مُرض بالنسبة للروس ومحاولة لإعادة ترتيب طاولة التفاوض السياسي.
لا يُستبعد أن تكون عين موسكو على الانتخابات الأمريكية وأنها تتحضر
لتوظيف تغيير محتمل في البيت الأبيض لصالح أجندتها في مناطق عدة منها ليبيا،
بالمقابل، فإن خطة تدريب قوات في الغرب الليبي عبر شركات أمريكية، والحديث عن
تجهيز قوة محلية لإخراج الروس من وسط وجنوب البلاد قد تكون سببا في استعداد روسي
لها ويفسر وصول شحنات جديدة من العتاد والذخيرة إلى موانئ شرق البلاد.
هذا الحراك السياسي والأمني قد يكون نذير تصعيد ووقوع حرب جديدة، وقد
يخرج من ثناياه اتفاق جديد يتعلق بالأساس القانوني للانتخابات والحكومة التي تشرف
عليها، لكن دون ضمانة حقيقية لإجراء الانتخابات في الأفق القريب، وعند جهينة الخبر
اليقين.