الأزمة التي شهدها
معبر رأس اجدير الحدودي
بين
ليبيا وتونس هي إحدى عناوين النزاع الليبي وبعض من تمظهراته، فهي تعبير جلي عن
الاختلالات التي تشهدها البلاد بسبب ضعف سلطة الدولة وتضخم نفوذ المناطق والقبائل
والمجموعات المسلحة الخاصة في المدن التي توجد بها مؤسسات ومرافق حيوية.
فشل الحكومات المتعاقبة في الاستدراك على
الفراغ الذي وقع بعد سقوط نظام القذافي فسح المجال لتوسع صلاحيات الجهويات
والمناطق والقبائل، ونشأت قوى مصلحية خارج السلطة تتورط في أعمال خارجة عن
القانون، وقد كشفت أزمة المعبر الأخيرة حجم التجاوزات وأثارها على الجانبين،
الليبي والتونسي، فأن تنتعش محطات الوقود في مدن الساحل الغربي بعد إغلاق المنفذ،
وتتعطل أرتال القادمين عبر الحدود لمزاولة الأنشطة التي الكثير منها غير قانوني،
فهو مؤشر على الفوضى في المعبر والخلل في العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات
المحلية.
عمق الأزمة وحدية الخلل لا تقف عند حالة عدم
التوازن المقنن بين الحكومة والمحليات، بل تتعداها إلى العقول، فقد شهدت وسائط
التواصل الاجتماعي معارك اصطف أصحابها على طرفي نقيض، بين من يبرر الخلل من منطلق
عدم صواب الوقوف ضد طرف أو مكون ومحاولة سلب نفوذه على مرفق من مرافق الدولة
وتجاهل الآخرين، أو القول بأن الجغرافيا الليبية والتركيبة الاجتماعية والثقافية
تستلزم هذا الوضع وينبغي التسليم به، في مقابل الموقف الرافض لتعدد السلطات
والرايات في البلاد وضرورة فرض سلطة الدولة عبر الحكومة على كافة المرافق الحيوية،
وليكن معبر رأس اجدير البداية.
وفي خضم هذا التأزيم تلوح بارقة أمل، ذلك أن
تخطي الوضع الراهن الذي تشهده البلاد يحتاج إلى حوار حتى لو كان المنخرطون فيه
مختلفون، كما يحتاج إلى تسليط الضوء على خطر الاستمرار في هذا السيناريو، وضرورة
أن يكون هناك حل لهذا التداعي، وبالتالي تكوين
رأي عام مستوعب لأي إجراء حكومي
بهذا الخصوص وداعم له.
إن استمرار المظاهر السلبية التي تكرس ضعف
الدولة وعجز الحكومة وتعزز من نفوذ المجموعات المحلية وتوسع مساحة الأعمال غير
القانونية من تهريب وغيره نهايتها فرض واقع جغرافي واجتماعي وأمني لا يمت لمشاريع
بناء الدولة بصلة، بل هو من أبرز التحديات أمامه، وهذا هو الاتجاه الصحيح في تقييم
الحالة، بعيدا عن أي محركات أخرى جهوية أو مناطقية أو شخصية.
وقع تعدي من قبل أطراف ضمن مدينة زوارة،
ينبغي أن يكون هذا محل جدل، وانجرت أطراف ضمن المكون الأمازيغي من المفترض أنها
تنحاز للوضع الطبيعي والقانوني وليس الاستثنائي السلبي، وهو وضع لا يمكن تبريره،
غير أن مقاربة الحكومة لمعالجة الخلل المتعلق بضعف سلطتها على المعبر لم تكن
مدروسة، لهذا وقع ما شهدنا الأسبوع الماضي من مواجهات قرب المعبر.
إن استمرار المظاهر السلبية التي تكرس ضعف الدولة وعجز الحكومة وتعزز من نفوذ المجموعات المحلية وتوسع مساحة الأعمال غير القانونية من تهريب وغيره نهايتها فرض واقع جغرافي واجتماعي وأمني لا يمت لمشاريع بناء الدولة بصلة، بل هو من أبرز التحديات أمامه، وهذا هو الاتجاه الصحيح في تقييم الحالة، بعيدا عن أي محركات أخرى جهوية أو مناطقية أو شخصية.
عدم القبول بالوضع الراهن المختل هو منطلق
سليم للتصحيح، غير أن مقاربة المعالجة لا ينبغي أن تقفز على الواقع وتتجاهل
ملابساته، فالقفز على هذا الواقع بتعقيداته قد تنتهي إلى وضع أشد تأزيما، وهو ما
حاولت الحكومة الاستدرك عليه من خلال خطة تأخذ في الاعتبار الإشكاليات الجهوية
والمناطقية في المنطقة الغربية وتقاربها بوسيلة مختلفة، وقابل ذلك موقف واعي ووطني
من قبل المكونات الرسمية والمجتمعية في زوارة، فوقعت التهدئة وتم الاتفاق.
غير أن الوصول إلى اتفاق بين الحكومة
والسلطات المحلية في زوارة لا يعني أن الأعمال غير القانونية ستنتهي، فهناك هامش
لا يمكن احتواؤه، كما أن الوضع السياسي غير المستقر في البلاد والذي قد يقود إلى
تغيير حكومي يمكن أن يفتح الطريق لعودة حالة الفوضى.
هناك عامل يمكن أن يكون محفزا لتجاوز أي
تفاهمات بين الحكومة والسلطات المحلية في المعبر، هو عدم التعاطي مع الأزمات
والمشكلات المشابهة في معابر أخرى، أو مؤسسات تسيطر عليها مجموعات مسلحة وتستغلها
لتعظيم نفوذها ومصالحها، فكل الحلول الجزئية ستنتهي إلى إخفاق إذا لم يتم معالجة
الاختلالات في كافة صورها وفي جميع المناطق دون استثناء، وهنا يأتي الربط بين
الأزمة الجزئية والأزمة الكلية الأساسية، ويتأكد الحاجة إلى الحل الشامل كأساس
لمعالجة الأزمات المحدودة.