أضحى مؤكدا أن تقع
مواجهات بين الفينة
والأخرى في العاصمة
طرابلس، والناظر في حال الكتائب والمجموعات المسلحة (بعضها
تحول إلى أجهزة بقرارات حكومية) يتوصل إلى نتيجة مفادها أن التنافس والتدافع بينها
هو الأصل، وليس التكامل والتنسيق، فهي تتقاسم مناطق النفوذ والإدارة في العاصمة،
ولكل منها مظلته القانونية وتمويله من خزانة الدولة، لهذا عندما تتقاطع حركتها
ونفوذها تقع المواجهات.
اشتباكات الأيام القليلة الماضية كانت
محدودة في رقعتها وزخمها، وهنا ننبه إلى قابلية تلك الأجسام العسكرية والأمنية
للمواءمة والتكيف والتنازل منعا لتفجر الوضع وتحول الاشتباكات إلى حرب ضروس، غير
أن الظرف السياسي والأمني وما يتعلق به من ارتباطات اجتماعية واقتنصادية يدفع
باتجاه رفع مستوى التنافس واحتمالية الصدام.
هناك ثلاثة مكونات عسكرية وأمنية تنتسب
للعاصمة وتمثل الأطراف الأقوى والأكثر نفوذا وهي جهاز دعم الاستقرار، وجهاز الردع
ومكافحة الجريمة والإرهاب، واللواء 444، وذلك بجانب مكونات أخرى، إلا إنها محسوبة
على مناطق خارج طرابلس، بعضها قريب مثل رحبة الدروع وغيرها في تاجورا، والبعض
الأكثر ينتسب إلى مدن ومناطق أبعد في مصراتة والزاوية وغيرهما، وبالتالي يظل عالقا
في الذاكرة أن دعم الاستقرار والردع والثلاث أربعات هي الاكثر قوة ونفوذا في
العاصمة.
دارت مواجهات بين اللواء 444 ودعم
الاستقرار، وبين اللواء 444 والردع، وأخيرا بين دعم الاستقرار والردع، والملاحظ أن
المشاكل بين الـ 444 ودعم الاستقرار تراجعت، فيما يبدو أن خلافهما مع الردع ماضي
ومرشح للتصعيد.
إن غياب الرؤية والسياسات والاستراتيجيات لإعادة ترتيب الوضع الأمني والعسكري في العاصمة، بل في المنطقة الغربية أجمع، وضعف سلطة وهيبة الحكومة، يسهم في اتجاه التوازن الحالي إلى اختلال أمني وعسكري،
التوتر لا وجود لبعد إيديولوجي فيه، بل كان
التقارب من هذه الناحية هو الأصل وذلك قبيل العام 2019م، ويمكن أن الحديث عن أسباب
سياسية للخلافات، لكن المؤكد أن العامل الرئيسي للتوتر هو النفوذ وما يترتب عنه من
تقاطعات تفرض المواجهة بينها.
ابتعاد اللواء 444 عن أحياء العاصمة القريبة
من مركزها واتجاهه إلى مناطق ضمن ما يعرف بطرابلس الكبرى قلل من فرضية الصدام بينه
وبين جهازي دعم الاستقرار والردع، لكن ازدياد الاعتماد عليه من قبل دوائر صنع
القرار يجعله مرشح للدخول في أي مواجهات محتملة.
السيناريو الأرجح هو وقوع مواجهة أعنف بين
دعم الاستقرار والردع، ورجحت هذه الفرضية عند عديد المراقبين بعد تعاظم نفوذ ورقعة
سيطرة جهاز الردع منذ أغسطس 2022م، حيث ضم الجهاز إليه مناطق سيطرة ومعسكرات وحتى
معدات لكتائب أخرى مثل كتيبة النواصي وكتيبة ثوار طرابلس، وكان يمكن أن يفرض جهاز
الردع واقعا مختلفا عما هو مشاهد اليوم في العاصمة طرابلس إذا استمر محمود حمزة
والقوة التابعة له (اللواء 444) ضمن الجهاز كما كان قبل العام 2020م، وقد يكون
استقلال حمزة وابتعاده ايديولوجيا وتنظيميا عن الردع السبب خلف تحفظ قيادة الردع
عليه واعتقاله العام الماضي، قبل أن يفرج عليه إثر مواجهات شرسة.
طبيعة نشاط وعمل دعم الاستقرار والردع
متشابهه نسبيا، حيث يصنفان كقوة أمنية، وهذا يعزز من فرضية الصدام، كما أن اقتراب
مناطق نفوذها وسيطرتهما يجعل المواجهات دائما واردة، حيث تنتهي مناطق سيطرة الردع
عند بداية سيطرة دعم الاستقرار.
علاوة على ما سبق، فإن غياب الرؤية
والسياسات والاستراتيجيات لإعادة ترتيب الوضع الأمني والعسكري في العاصمة، بل في
المنطقة الغربية أجمع، وضعف سلطة وهيبة الحكومة، يسهم في اتجاه التوازن الحالي إلى
اختلال أمني وعسكري، وبالتالي وقوع مواجهات أكبر وأوسع، ويلاحظ أن المواجهات
الأخيرة بين جهازي دعم الاستقرار والردع وقعت بعد أيام من تعهد وزير الداخلية
المكلف في حكومة الوحدة الوطنية بإخلاء العاصمة من المكونات والاجسام العسكرية
والامنية، وإذا لم يكن دعم الاستقرار والردع هما المعنيان قبل غيرهما، فمن سيكون
المقصود؟!
المواجهات المتكررة بين تلك الأطراف الأمنية
والعسكرية في العاصمة طرابلس وما يترتب عنها من رعب وترهيب للناس، ووقوع ضحايا بين
المدنيين ودمار في الممتلكات العامة والخاصة يرتب نتيجتين:
أولاهما طغيان سلطة
ونفوذ تلك الأطراف على سلطة ونفوذ الحكومة، وثانيتهما رجحان كفة المنتقدين لتلك
الأجسام وتعزيز موقف من يعتبرها مليشيات، فالأجهزة النظامية لا تتقاتل فيما بينها،
كما أن المكونات النظامية لا تسعى لنفوذ خاص وذاتي أمني وعسكري ومالي، فسلطتها وقوتها
من سلطة وقوة الدولة والحكومة.