كشفت الوقائع العربية والدولية لماجريات
الحرب على
غزة والممتدة عبر
ستة أشهر، عن أهمية إعادة الحسابات في ما يخص انتظار عون عربي أو إسلامي أو حتى
تخفيف حصار الجوع المضروب على سكان غزة، أو السماح لشعوبها بالتعبير عن مساندتهم
للقضية
الفلسطينية من باب التنفيس وتفريغ الغضب من الصدور .
كذلك استمرار مسلسل الخداع الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي
تزعم سعيها لتخفيف جوع سكان غزة فتلقي إليهم بالمساعدات الغذائية من الجو، وتجهز
لإقامة رصيف بحري لاستقبال سفن المعونات، بينما تقوم بالاستمرار فى إمداد قوات
الإحتلال بأحدث أنواع الأسلحة لإبادة المزيد من سكان غزة، وتعتبر قرار مجلس الأمن
بوقف القتال لمدة أسبوعين غير ملزم .
وهكذا كشف العدوان الإسرائيلي الغربي على غزة عن العديد من الجوانب:
1 ـ هُلامية دور منظمة التعاون الإسلامي:
استمرت منظمة التعاون الإسلامي في خذلان غزة والضفة الغربية، مثلما
خذلت من قبل مسلمي بورما والصين والهند وغيرهم، ليصبح الإقرار بأن تلك المنظمة لا
تعدو عن أن تكون سوى فرع لوزارة الخارجية السعودية، تستخدمها فيما تحدده لها من
أغراض.
ويصبح الحديث عن توقع مواقف عملية من غالبية الأعضاء أمرا مستبعدا،
حيث أن 32 دولة من بين 57 دولة عضو بمنظمة التعاون الإسلامي لديها علاقات
دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، بخلاف دول أخرى تربطها علاقات تجارية بإسرائيل
وتفتح أبوابها لكبار مسؤوليها وتسمح بمرور طائراتها بمجالها الجوي.
ومن المهم معرفة أن نسبة المسلمين من سكان كثير من الدول الأعضاء
محدودة، حيث تصل إلى نسبة سبعة بالمائة بجويانا وعشرة
بالمائة بالغابون، و14 بالمائة بكل من توغو وأوغندا وسورينام و19 بالمائة بموزمبيق،
و24 بالمائة بالكاميرون و28 بالمائة ببنين، وأن كثيرا من الدول الأعضاء دخلت
المنظمة أملا فى الحصول على هبات من الدول النفطية الأعضاء بالمنظمة.
2 ـ اضمحلال دور الجامعة العربية:
امتدادا لتقاعسها عن حل الخلاف بين المغرب والجزائر الممتد عبر 20
عاما، وكذلك الصراع باليمن وليبيا ولبنان والسودان، فقد لجأ وفد القمة العربية
الإسلامية للدول الغربية لوقف إطلاق النار بحرب غزة، إلا أن المثير هو عدم اكتفاء
دول عربية عديدة بخذلان غزة من حيث المواقف السياسية والإنسانية، بل لقد تواطأت
دول عربية أخرى مع إسرائيل والدول الغربية لوأد المقاومة وتجويع غزة، وما زالت
تواصل تنسيقها معهم فيما يخص إدارة غزه بعد تحقيق هدفهم .
3 ـ النفاق الغربي والأجندة المعادية
للإسلام وفلسطين:
غالب جون كيربي المستشار بمجلس الأمن القومي الأمريكي دموعه على قتلى
اسرائيل نتيجة عملية طوفان الأقصى، لكنه ومعه قادة الولايات المتحدة وأوروبا لم
يروا في الضحايا الفلسطينيين نتيجة العدوان الإسرائيلي لمدة ستة أشهر، بشرا
يستحقون وقف منع الطعام عنهم، بل أنهم يرون أنه ليس لديهم دليل بعد على استهداف إسرائيل
تجويع سكان غزة!
ومنع تنفيذ قرارات المنظمات الدولية التي تخفف من معاناة غزه سواء
الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وتوظيف وسائل الإعلام الغربية لترويج
الرواية الإسرائيلية والتشكيك في الرواية الفلسطينية، وهو أمر ليس بجديد على هؤلاء
طوال العقود الماضية، والمستمرين فيه حتى الآن فيما يخص النظرة لحرب أوكرانيا
بالمقارنة لحرب غزة، وحين احتل خبر وفاة المعارض الروسي نيفالني بسجنه صدارة
أهتمام وسائل الإعلام الغربية وكأنه مسيح جديد .
بينما لم يسمع أحد أي موقف منهم مع حالات الوفيات العديدة التي لحقت
بالمعارضين بالسجون العربية، وها هو الغرب المنافق يهاجم نتائج الإنتخابات
الرئاسية الروسية الأخيرة باعتبارها غير نزيهة، بينما لم يسمع أحد صوتهم مع
الإنتخابات الرئاسية المصرية التى فاقت نتيجها ما حصل عليه بوتين .
4 ـ نجاح الغرب في الهيمنة على العالم
الإسلامي:
نشطت دول الغرب منذ عقود على إبعاد شعوب العالم الإسلامي عن
معتقداتها وهويتها، من خلال وسائل الثقافة والإعلام والتعليم والمعونات والسياسة
والتجارة والإفقار وغيرها، والنتيجة وجود مواطن مقهور مشغول بلقمة العيش أولا
وأخيرا، في ظل معدلات الفقر العالية وأزمات نقص السلع وارتفاع ثمنها وصعوبات
الزواج ونقص السكن.
معركة التغيير بحاجة لتجهيز على كافة الجبهات ولسنوات طويلة، سواء على مستوى المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات واتحادات وأحزاب وبرلمانات، أو المستوى الإعلامي والتعليمي والثقافي والإقتصادي، للتقليل التدريجي من الفجوة الغذائية وفجوة المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة للإنتاج ، والدخول بمجال إنتاج الآلات والمعدات .
وأصبحت هناك شرائح ترتبط مصالحها مع الغرب سواء على المستوى التجاري
أو الإعلامي أو الدينى وغيرها، لتقوم بتبني أدوار التغريب وحصر الدين فى العبادات
الشكلية، والتشكيك فى الثوابت الدينية، وتشجيع الإستيراد على حساب الإنتاج،
والدعاية للإقتراض واستثمار الحافظة وهو الإستثمار الذي لا يُحدث تنمية وإنما يسعى
وراء تجارة الفائدة.
والنتيجة بلوغ واردات دول منظمة التعاون الإسلامي من الولايات
المتحدة، بالعام الماضي 124 مليار دولار بنسبة نمو سبعة بالمائة عما كانت عليه
بالعام الأسبق، رغم دعوات المقاطعة للمنتجات الأمريكي لدورها البارز في العدوان
على غزة، وهي الواردات التي تقل عن واردات دول منظمة التعاون الإسلامى من الإتحاد
الأوربي، لتظل تلك الأسواق التى يدور عدد سكانها حول المليارى نسمة مجالا لتسويق
السلع الغربية، وسببا في استمرار فرص العمل بتلك الدول الغربية.
5 ـ تدني المواقف السياسية والاجتماعية
بمرور الزمن:
إذا كانت دول الغرب قد مكثت 31 عاما حتى تستطيع إختراق الصف العربي،
بإقامة علاقات دبوماسية بين مصر واسرائيل، فقد احتاجت زمنا أقل لاقناع السلطة
الفلسطينية بنفس الأمر بإتفاق أوسلو 1993، والأردن 1994 فالبحرين والإمارات
والسودان والمغرب 2020، والنتيجة أن مدينة عربية تتم الإبادة الجماعية لسكانها فلا
تتحرك دولة عربية أو إسلامية للتصدي لذلك، بينما تتصدى جنوب أفريقيا لذلك بمحكمة
العدل الدولية.
وبينما تستمر العلاقات الدبلوماسية بين دول عربية واسرائيل بعد
عدوانها على غزة، تقوم دول بأمريكا اللاتينية بقطع علاقاتها بإسرائيل بسبب عدوانها
على غزة، وبينما تسمح دول غربية مناصرة لإسرائيل لمواطنيها بالتظاهر من أجل فلسطين،
تقوم دول عربية بمنع تلك التظاهرات وقامت مصر والأردن بإعتقال بعض المشاركين بها،
وبينما يدافع رئيس وزراء أيرلندا عن المقاومة الفلسطينية فى لقاء جمعه والرئيس
الأمريكي، فقد تنصل القادة العرب بأحاديثهم حتى من لفظ المقاومة وأصبحوا يسمونها
الفصائل المسلحة، وأصبحوا يتعاملون مع القضية الفلسطينية كأنهم مراقبين أجانب.
ورغم الغزو البري لغزة منذ الشهر الأول للعدوان فلم نسمع موقف لأحد
هؤلاء القادة يطالب بخروج القوات المحتلة لغزة، وإنما يطالبون بوقف إطلاق النار
فقط ، ويساوون بين قتلى إسرائيل بسبب طوفان الأقصى وشهداء فلسطين، وينسقون مع
الدول الغربية على الترتيبات لغزه بعد القضاء على المقاومة، خاضعين للبلطجة
الأمريكية التى نصبت نفسها لتقرير مصير غزة حسب رؤيتها المساندة لإسرائيل،
متجاهلين حق الشعب الفلسطينى في تقريره مصيره .
6 ـ التحرر الداخلي سبيل تحرير فلسطين:
اختلفت المواقف الفعلية للحكام العرب عما يرددونه من تصريحات علنية،
مع إلهاء الشعوب من خلال تنظيم المهرجانات الفنية والبطولات الرياضية وغيرها، لكنه
بقدر ما كشفت حرب غزه عن خيانة العديد من القادة العرب والكثير من النخب العربية
للمقاومة الفلسطينية، فقد كان ذلك مفيدا حتى لا تبني الشعوب أهدافها في التحرر
والتغيير على أوهام ومغالطات، بحيث تكون الحسابات أكثر دقة عن الواقع الحقيقى
لمواطن القوة التي يمكن التعويل عليها حاليا ومستقبلا، والصعوبات التى تحيط بأى
محاولة للتغيير السياسى بأي بلد عربي، بعد تحويل الجيوش العربية الى أدوات عنيفة
لإجهاض أية محاولات للتغيير .
والإدراك أن معركة التغيير بحاجة لتجهيز على كافة الجبهات ولسنوات
طويلة، سواء على مستوى المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات واتحادات وأحزاب
وبرلمانات، أو المستوى الإعلامي والتعليمي والثقافي والإقتصادي، للتقليل التدريجي
من الفجوة الغذائية وفجوة المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة للإنتاج ، والدخول
بمجال إنتاج الآلات والمعدات .
وعلى المستوى الاجتماعى بتقليل معدلات الأمية والبطالة والفقر
والعنوسة، والمهم أن نبدأ ولا نستسلم لليأس بدعوى صعوبات التغيير، كما بدأت
المقاومة الفلسطينية وثابرت لسنوات طويلة، رغم تجنيد العملاء واستشهاد مئات
الكوادر والقيادات وسجن الآلاف لسنوات طويلة، والعمل على التصنيع الذاتى للسلاح،
مما مكنها من الصمود أمام هذا الزحف الغربي الغاشم لستة أشهر رغم الحصار والتجويع
والخذلان والخيانة.