الخلاف الذي وقع بين رئيس الحكومة عبد الحميد ادبيبة ومحافظ المصرف
المركزي الصديق الكبير منذ نحو عام لم يطفُ على السطح إلا بعد الخطاب الذي ألقاه
ادبيبة في الجماهير المحتشدة احتفالا بالذكرى 13 لثورة فبراير بميدان الشهداء
بالعاصمة طرابلس، وقد مر معنا في سانحة سابقا تعقيبا على الرسالة التي وجهها
الكبير لدبيبة مستدركا على ما اعتبره وعودا أطلقها الأخير غير قابلة للتحقيق والتي
تدور حول زيادة المرتبات ورفع قيمة الدينار الليبي.
التجاذب بين ادبيبة والكبير تعمق بعد طلب الكبير من مجلس النواب فرض
رسوم على بيع العملات الأجنبية بنسبة 27% معللا ذلك بالوضع المالي الصعب والحاجة
لتعظيم الإيرادات بالدينار الليبي لسد الإنفاق الكبير والعجز في الميزانية.
خرج ادبيبة في لقاء متلفز يرفض الفرضية التي أسس عليها الكبير طلبه
فرض رسوم على بيع الدولار وأخواته، وعرض أرقاما تعكس أن لا عجز في الدولة وأن
هناك فائضا بالدولار خلال السنوات الثلاث الماضية يبلغ ما يزيد عن 10 مليارات دولار.
في دفاع عن موقفه، خرج الكبير إلى الفضاء الإعلامي ليؤكد على موقفه
في توصيف الوضع المالي للدعوة، بالرد بأن الاحتياطي بالعملات الصعبة ليس 84 مليار
دولار كما ذكر ادبيبة، وأن القدر الحر السائل منه لا يتجاوز 29 مليارا، وهو حسب رأي
الكبير لا يصمد أمام الإنفاق المتعاظم خلال العام 2024 والذي قدَّره بـ 36 مليار
دولار أمريكي في مقابل إيرادات في حدود 24 مليار دولار.
النزاع السياسي الذي يتمحور في أحد أهم دوائره حول النفط وعوائده سيكون سببا لمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، وسنشهد مزيدا من الضغوطات المالية والأعباء المتراكمة على المواطنين من خلال فرض رسوم على العملات الصعبة، خاصة إذا استمر الانقسام الحكومي واتجه المصرف المركزي إلى سياسة تمويلهما بعد أن خطى خطوات في هذا الاتجاه خلال الأشهر الماضية.
وبالعودة إلى آراء الخبراء وأهل الاختصاص في الشقين
الاقتصادي
والقانوني، فإن ما صدر عنهم لا يدعم الحجج التي أسس عليها الكبير موقفه بفرض رسوم
على العملات الأجنبية، وأن بيانات المصرف المركزي مضطربة وأحيانا متناقضة فيما
يتعلق بتقدير حجم الإنفاق والإيراد خلال الأعوام 2021 ـ 2023م، وفي تحديد قيمة
الاحتياطي بالدولار، واعتمد كل الرافضين لسياسة الكبير على النشرة الاقتصادية
الشهرية والتي تظهر أن فائضا بالدولار بلغ أكثر من 4 مليارات دولار أمريكي وقع خلال
الفترة المشار إليها سالفا، وأن المتاح نقدا من الاحتياطي يناطح الـ 70 مليار دولار
أمريكي، وبالتالي لا مبرر لتحميل المواطن مزيدا من الأعباء المالية، فسياسة المصرف
المركزي هي فرض الرسوم على الدولار باستثناء المشتريات والنفقات الحكومية، وهذا
يعني أن من يتحمل العبء هو المواطن، ذلك أن التجار سيفرضون الفارق في قيمة الدولار
على أسعار السلع التي يوردونها، دع عنك انعكاس هذا الارتفاع على المستوى العام لأسعار ليس فقط السلع بل الخدمات.
في الشق القانوني فقد ذكر كذا خبير بأن قرار فرض رسوم بنسبة 27% فاقد
للأساس الشرعي كونه صدر بطريقة غير صحيحة لمن لا اختصاص له، فقد تم فرض الرسوم عبر
قرار من رئاسة مجلس النواب، وليس بقانون يفرض ضريبة يصدر عن عموم المجلس.
الخلاصة المهمة أن هذا التجاذب يعزز الحالة المرضية التي تصيب الجسد
الليبي، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل سياسيا، ذلك أن التغيير في المسارات
السياسية للأطراف المختلفة حاضر في التجاذب الاقتصادي، وقد لا أبالغ في القول إن
السياسة هي المحرك الرئيسي، وأن الاقتصاد أداة في هذه الجولة من جولات النزاع.
الحكم بأن الجولة سياسية وتستدعى فيها الأدوات الاقتصادية والمالية
لا يعني أن الوضع الاقتصادي في البلاد جيد، فمجرد تحقق فائض خلال فترة زمنية قصيرة
ليس مؤشرا على العافية الاقتصادية، فالخلل موجود ويكرس وضعا مأزوما لا محالة، إذ
لا يمكن أن يكون الوضع صحيا والإنفاق يرتفع بشكل مطرد فيما يستمر الاعتماد على
مورد واحد هو النفط عرضة للتقلبات والضغوط.
النزاع السياسي الذي يتمحور في أحد أهم دوائره حول النفط وعوائده
سيكون سببا لمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، وسنشهد مزيدا من الضغوطات المالية
والأعباء المتراكمة على المواطنين من خلال فرض رسوم على العملات الصعبة، خاصة إذا
استمر الانقسام الحكومي واتجه المصرف المركزي إلى سياسة تمويلهما بعد أن خطى خطوات
في هذا الاتجاه خلال الأشهر الماضية.