وجَّه محافظ مصرف
ليبيا المركزي كتابا إلى
رئيس حكومة الوحدة الوطنية يرد فيه على حديث للأخير في ذكرى ثورة فبراير تناول
مسائل
اقتصادية ومالية وتضمن ما يفهم أنها رغبة لتحسين ظروف الليبيين المعيشية من
خلال زيادة في الإنفاق الحكومي ورفع قيمة الدينار الليبي.
كتاب المحافظ ناقش ما قال إنها رغبة رئيس
الحكومة في إرجاع سعر صرف الدينار إلى 1.3 دينار للدولار (السعر الحالي الرسمي
4.83، والسعر في السوق الموازي 7.5، دنانير للدولار)، والتوسع في المرتبات والمنح،
وأشار إلى عدم إمكانية تحقيق هذه الرغبات لأن الإنفاق الحكومي تضاعف مرات خلال
السنوات الماضية، خاصة بابي المرتبات والدعم حيث بلغت المرتبات العام 2023م نحو 65
مليار دينار، فيما تخطى الدعم الحكومي (منح وإعانات ودعم المحروقات والكهرباء) 100
مليار دينار العام 2023م، وبلغ إجمالي ما أنفقته حكومة الوحدة منذ تسلمها السلطة،
حسب كتاب المحافظ، 420 مليار دينار، وأن الإيرادات المقدرة لا تسمح بمزيد من
الإنفاق الحكومي.
لغة الأرقام هي المضمون الرئيسي لرسالة
المحافظ لرئيس حكومة الوحدة، واتسمت
الرسالة بالموضوعية وخلت من الاتهامات، لكن لا
يمكن قراءة مضمونها بعيدا عن الخلاف الدائر بين المصرف والحكومة، والذي كان من بين
أسباب الإجراءات التي اتخذها المركزي وأسمهت في ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية
في السوق الموازي، فلقد أثار حجم الإنفاق الحكومي منذ مجيء الدبيبة للحكم، والذي
كشفت عنه رسالة المحافظ، جدلا واسعا وقلقا كبيرا، والفاقد أو الهدر ليس بالقليل
بالنظر إلى إجمالي الإنفاق حسب كتاب المصرف المركزي (420 مليار دينار) والبنود الرئيسية
للنفقات الحكومية للأعوام 2021، 2022، 2023م.
صحيح أن الرسالة تأتي في سياق دور ومسؤولية
المصرف كمستشار للحكومة، لكن توقيتها ومضمونها كان ردا صريحا على خطاب سياسي
للدبيبة فبدت محرجة للأخير، خاصة بعد فشل جهود الصلح بين الدبيبة والكبير، فالرسالة
التي تم تداولها بشكل واسع أكدت أن مساعي التوفيق بين المصرف والحكومة لم تنجح.
حكومة الدبيبة، التي عرف عنها الإنفاق بسخاء من غير تخطيط ودراسة، معنية بالرد على ما ورد في رسالة المحافظ من أرقام مخيفة تنذر بمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، خاصة بند الدعم الذي تجاوز 100 مليار دينار بحسب المصرف المركزي، وإلا فستكون المسؤول الأول عن تفاقم الوضع في نظر الرأي العام
بالمقابل، لم تتضمن رسالة المحافظ ردا على
تصريحات حول تعامله مع الحكومة الليبية في الشرق وتسييله أموالا لها، ولم يرد في
الرسالة حجم التمويل الذي ذهب للحكومة الليبية، ووردت عبارة الإنفاق الموازي مجهول
المصدر والذي اعتبرته الرسالة سببا في تراجع قيمة الدينار في السوق السوداء، وقد
يفهم من تكرار عبارة الإنفاق مجهول المصدر، رغبة في عدم التصعيد مع حكومة أسامة
حماد في الشرق.
مصادر عدة تحدثت عن استمرار طباعة العملة
الليبية في الشرق واستخدامها في شراء العملات الأجنبية من السوق الموازية، وكان
المصرف المركزي في فترة سابقة قد أكد تداول فئة الخمسين دينارا الليبي مصدرها غير
معلوم، وإشار إلى عزمه عن سحب هذه الفئة من التداول دون أن يصدر قرارا بذلك.
تضمن كتاب المحافظ مقترحات لمجابهة الأزمة
المالية والنقدية، في المدى القصير والمتوسط، في مقدمة هذه المقترحات وقف الإنفاق
الموازي مجهول المصدر وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل، وزيادة إنتاج
النفط، وإعطاء أولوية للإنفاق الاستثماري وتقليل الإنفاق الاستهلاكي.
والحقيقة أن الوضع السياسي وحالة النزاع
القائمة والتي عنوانها الأبرز وجود حكومتين تنفق كل منهما أموالا طائلة لا يمكن أن
تتحقق معها مقترحات المصرف المركزي للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة،
وأن الوضع الاقتصادي والمالي مرشح لمزيد من التأزيم إذا استمر النزاع على ما هو
عليه.
رسالة المحافظ صريحة في كشف طبيعة الأزمة
وأسبابها، لكنها لم تكن شفافة في الكشف عن مصدر الإنفاق الموازي الذي وصفته
بالمجهول، ولم تورد بيانات بخصوص مصدر تمويل حكومة حماد التي لا تقدم أي بيانات عن
نفقاتها.
أخيرا حكومة الدبيبة، التي عرف عنها الإنفاق
بسخاء من غير تخطيط ودراسة، معنية بالرد على ما ورد في رسالة المحافظ من أرقام
مخيفة تنذر بمزيد من التردي الاقتصادي والمالي، خاصة بند الدعم الذي تجاوز 100
مليار دينار بحسب المصرف المركزي، وإلا فستكون المسؤول الأول عن تفاقم الوضع في
نظر
الرأي العام، ولن يعفيها الحديث عن هدر في ملف المحروقات مسؤولة عنه المؤسسة
الوطنية للنفط، فالمؤسسة تتبع الحكومة، وإن كان نفوذ رئيس مجلس إدارتها أكبر من أن
تحد منه حكومة الوحدة ليكون رئيسها صريحا في التعبير عن ذلك.