لمن ليست لديه فكرة عن "مؤشر
الديمقراطية العالمي" فهو يعنى
بتحديد مستوى الالتزام بالنظام الديمقراطي وتطبيق شروطه، ويغطي نحو 170 دولة حول
العالم، حيث يقاس مستوى الديمقراطية بتلك البلدان من خلال خمسة معايير هي:
ـ المشاركة السياسية.
ـ الثقافة السياسية.
ـ العملية الانتخابية.
ـ الحريات المدنية.
ـ أداء الحكومة.
ويعتمد مؤشر الديمقراطية العالمي، كغيره من
المؤشرات، نظام النقاط من
0 إلى 10 لتقييم جميع دول العالم سنوياً، وفقا للمعايير التي سبقت الإشارة إليها.
وبناء على النتائج، فإن المؤشر يصنف الدول ضمن أربعة مستويات هي:
ـ ديمقراطيات كاملة.
ـ ديمقراطيات منقوصة.
ـ أنظمة هجينة.
ـ أنظمة استبدادية.
المؤشر صنف
ليبيا ضمن الأنظمة الاستبدادية بـ 1.7 نقطة من أصل 10
نقاط، حيث جاءت في الترتيب 157 بين الدول، وهي في ذيل القائمة عربيا، إذ لم يتأخر
عنها إلا بلدان عربيان هما سوريا والسودان، فيما جاءت تونس على رأس قائمة الدول
الأكثر ديمقراطية في العالم العربي تليها المغرب وترتيبهما عالميا على التوالي 82
و93، وبنقاط تجاوزت الخمس بقليل، إلا أنها صنفت كأنظمة هجينة.
وبالعودة إلى ليبيا وتصنيفها ضمن الأنظمة الاستبدادية وأنها تأتي في ذيل
القائمة على مستوى العالم فإن ذلك يعكس مدى تأثير النزاع القائم، والذي تحول إلى
صراع دموي مرات، على الانتخابات التي باتت متعثرة ولا أفق قريبا لإجرائها، وانعكاس
الوضع الأمني المقلق على المشاركة السياسية والحريات، خاصة في الشرق، وبدرجة أقل
في الغرب، وكيف قاد الوضع إلى أداء حكومي مترد بسبب الانقسام السياسي وغياب
الرقابة الصارمة وتشكل حكومتين لفترة طويلة.
بغض النظر عن نتائج مؤشر الديمقراطية العالمي ومدى إنصافه للحالة الليبية، فإن الصحيح والقطعي هو أن عملية الانتقال الديمقراطي بمتطلباته واشتراطاته من تعددية ومشاركة واحترام للقانون وبناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية متماسكة وفعالة تعثرت بل واجهت انتكاسة شديدة بعد البشائر التيي لاحت في الأفق في السنوات الأولى بعد ثورة فبراير.
وبغض النظر عن نتائج مؤشر الديمقراطية العالمي ومدى إنصافه للحالة
الليبية، فإن الصحيح والقطعي هو أن عملية الانتقال الديمقراطي بمتطلباته
واشتراطاته من تعددية ومشاركة واحترام للقانون وبناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية
وقضائية متماسكة وفعالة تعثرت بل واجهت انتكاسة شديدة بعد البشائر التي لاحت في
الأفق في السنوات الأولى بعد ثورة فبراير.
ومما لا شك فيه أن تدني الوعي العام بمتطلبات التحول إلى نظام
ديمقراطي وضعف الثقافة السياسية لدى المجموع العام بما في ذلك قطاع من المتصدرين
للمشهد في كافة الأجسام الرسمية والنشطاء الذين يظهرون على شاشات الفضائيات وكذلك
الحوارات التي تجري على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل أحد أبرز أسباب الانحراف عن
الانتقال الصحيح والانزلاق إلى أتون التسلط والاستبداد، وعندما يتزعم دعوى عودة
الدكتاتورية وتكريس التسلط من يصنفون كنخبويين فإنها تتأكد طبيعة التأزيم الذي تواجهه
البلاد وهي تخطو صوب الانتقال الصحيح.
قصور الوعي الذي اتسعت رقعته ظهر في الاعتقاد بأنه وبمجرد التغيير
الجذري وإسقاط النظام السابق فإن الطريق ستكون مفتوحة للحريات وسيادة القانون
والمحافظة على الحقوق وبناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة وتحقيق الرفاه الاقتصادي
والاجتماعي المنشود، ومع مواجهة عملية الانتقال التحديات التي من الطبيعي أن
تواجهها بسبب فترات التخلف وما كرسته من آفات وراكمته من عراقيل فقد حن كثيرون إلى
الدكتاتورية والاستبداد، وفشلت النخبة في توعية الناس وقيادته برشد وعزم لمواجهة
تلك العراقيل، بل تورط نخبويون في تأجيج هذا الحنين، وانسد الأفق وقصر النظر
واختلطت الأمور وصار الإحباط سيد الموقف.
الجدل حول التغيير الديمقراطي كبير، وليس بالضروري أن تكون
الديمقراطية وفق النظرية المطروحة والمطبقة في الغرب هي الأساس، وقدر من الحزم
مطلوب خاصة في مراحل الانتقال الأولى، لكن ينبغي أن يتضح لدى الجميع أن امتهان آدمية الإنسان وكسر إرادته وإرهابه نفسيا وقهره جسديا والوصاية عليه لا يمكن أن
يبني دولة على أسس متينة، وأن الدكتاتورية والاستبداد والتسلط في جل إن لم يكن كل
التجارب لا تقود إلى ما يصبو إليه الناس من عيش كريم واستقرار دائم، فقد دفع خوف
المصريين من انهيار الدولة إلى احتضان الدكتاتورية والاستبداد من جديد، فإذا بهم
اليوم يعضون أصابع الندم على ذلك بسبب ما أصابهم من فقر وعوز في أقواتهم، وامتهان
لكرامتهم، ولأن الدكتاتورية تجذرت من جديد فإنه صار من العسير إيقاع تغيير في المدى
القصير أو المتوسط.
وعلى العموم فإن التغيير المنشود قادم وما نشاهده من أزمات وما وقع
من أخطاء يضيف إلى ذاكرة الناس شيئا مهما وتراكما للوعي لديهم ولو بشكل بطيء، وهذا
من أهم اشتراطات الانتقال الصحيح ومتطلباته.