نقلت تقارير إعلامية وصحفية الأسبوع الماضي خبراً يفيد بموافقة
الإمارات على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في تطوير بنية تحتيّة في منطقة
رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، وذلك بعد فترة من التكهّنات حول الموضوع.
وأكّد رئيس الوزراء
المصري مصطفى مدبولي التقارير في مؤتمر صحفي أشار فيه إلى أنّ
مصر وافقت على
صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع أبو ظبي لتطوير المنطقة المذكورة.
وقد اتّهم العديد من المراقبين ومنتقدي النظام المصري السيسي ببيع
الأراضي المصرية نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي أدخل البلاد فيها بالرغم من
مئات المبالغ غير المسبوقة التي حصل عليها النظام المصري من الدول الخليجية
والممولين الأجانب لاسيما بعد الانقلاب العسكري الذي تم عام 2013. وفي سياق ردّها
على هذه الاتهامات، أشارت الحكومة المصربة إلى أنّ الاتفاق المشار إليه ينحصر
بجهود تطوير المنطقة المذكورة، لافتاً إلى أنّ مصر ستحصل على مبلغ مُقدّم قدره 15
مليار دولار خلال أسبوع و20 مليار دولار خلال شهرين لاحقين، واصفة المشروع بأنّه
أكبر استثمار أجنبي مباشر في مشروع تنمية حضرية في تاريخ البلاد.
وتثير الصيغة التي طرحها رئيس الحكومة تساؤلات حول الهدف الحقيقي
للمشروع، إذ إنّ تحويل مبالغ طائلة بشكل مسبق وخلال مدّة قصيرة لا يتناسب مع طبيعة
تطوير مشاريع بنية تحتية، وإنما هو أقرب إلى صفقات البيع والشراء. ووفقاً لما تمّ
الإعلان عنه، فسيتم نقل المواطنين المصريين الموجودين في المنطقة إلى أماكن أخرى
وتعويضهم، لكنّ الأكثر غرابة أنّ التعليقات السابقة واللاحقة للحكومة تتضارب فيما
بينها، إذ قالت تقارير صادرة عن وسائل محسوبة على النظام المصري أنّه لا اتجاه لتحصيص
الأراضي في منطقة رأس الحكومة، ثم ما لبث أن حصل العكس، ثمّ قالت إنّ الأمر يتعلق
بتطوير، لكن المبالغ ستُنقل بشكل شبه فوري إذ لفت مدبولي إلى أنّ الجانب الإماراتي نقل
بالفعل 11 مليار دولار أودعها في البنك المركزي، وأنّ هذا المبلغ سيتحوّل إلى منحة!
بالرغم من أنّ أحد الأسباب البيّنة للجميع في صفقات بيع أصول ومؤسسات وممتلكات وأراضي مصرية إلى الخارج هو رغبة النظام المصري في الحصول على المال بأي طريقة أو ثمن ممكن، إلاّ أنّ هذا المسار لن ينجح في تسديد ديون مصر إذا لم يقم النظام نفسه بإصلاح جذري
وكانت الإمارات والسعودية، هما من أبرز من دعم نظام السيسي مالياً
بعد انقلاب عام 2013، حيث يقدّر البعض حجم المبالغ التي تم تحويلها له بأكثر من
100 مليار دولار بالإضافة إلى الاستثمارات وشراء أصول الشركات والأراضي المصرية.
وقد أعلنت السعودية والإمارات العام الماضي عن تململها من أنّ دعمها لم يعد
بالنفع على هذه الدول وأنّها ستتوقف عن الدعم غير المشروط وستطالب بشكل مسبق
بالحصول على المنافع والمكاسب قبل أن تقرر وضع أموالها في مصر. الجانب السعودي على
وجه التحديد كان أكثر مجاهرة في هذا الخصوص في وقت كان يتوقع فيه نظام السيسي
الحصول على المساعدات مجدداً بعد أن اقترب الدين العام الإجمالي لمصر حنيها داخليا
وخارجيا من حدود الـ 400 مليار دولار.
وقد تعرّض النظام المصري لانتقادات شديدة خلال العقد الماضي نتيجة
طبيعة تعامله مع أصول مصر والمصريين كممتلكات خاصة، إذ يتمّ اتهامه ببيع جزيرتين إلى
المملكة العربية السعودية والتنازل عن حقوق مصرية في شرق المتوسط لليونان
وإسرائيل، وبعدم القدرة على الدفاع عن مياه النيل، وبيع أصول المؤسسات المصرية إلى
الخارج، قبل أن يتم الحديث عن هذه الصفقة المثيرة للجدل الآن. وتأتي هذه الصفقة في
سياق صعوبات مالية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ مصر تترافق مع تحديثات إقليمية لا
تقل خطورة، من بينها مشروع سد النهضة الإثيوبي، وحصول إثيوبيا على منفذ على البحر
الأحمر، وقبلها اتفاق التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي الذي أضر بمصر اقتصادياً،
ومثله الخط التجاري من الهند عبر الخليج إلى أوروبا وهو خط يتجاهل مصر، وأخيراً
التهديدات الحوثية للملاحة وخطوط التجارة في البحر الأحمر.
وبالرغم من أنّ أحد الأسباب البيّنة للجميع في صفقات بيع أصول
ومؤسسات وممتلكات وأراضي مصرية إلى الخارج هو رغبة النظام المصري في الحصول على
المال بأي طريقة أو ثمن ممكن، إلاّ أنّ هذا المسار لن ينجح في تسديد ديون مصر إذا
لم يقم النظام نفسه بإصلاح جذري، وهو الأمر الذي يبدو أنّه عاجز عن القيام به لأنه
جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل. هذه الديون ستكبّل مصر إلى الأبد، ففي حال
انهيار الاقتصاد المحلي، فلن تكون هناك قيمة للأصول التي يتم شراؤها ولذلك يركّز
الدائنون على الحصول على شيء مادي في المقابل وأرباح مسبقة أو أكيدة. وفي حال سقوط
النظام، فستطالب الجهات الدائنة السلطات الجديدة بالالتزام بتسديد ديونها، في الوقت
الذي سيطالب فيه النظام الجهات الدائنة بإعادة ممتلكات المصريين التي يُفترض أنّ
النظام القديم باعها. هذا الوضع يضع مصر على مسار الصدام مع هذه الجهات مستقبلاً.