منذ إطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات
الرئاسية الأمريكية والعالم يترقب نتائجها باهتمام، وما أن ظهرت النتائج حتى اتجه
النقاش والتحليل إلى أثر فوز دونالد
ترامب على مجريات الأحداث في مناطق عدة في
العالم، وباعتبار أن ليبيا تشهد تدافعا محليا وإقليميا وحتى دوليا، فمن الطبيعي أن
يتجه الحوار حول تأثير قدوم ترامب للبيت الأبيض على الوضع في البلاد.
ينبغي التأكيد على أنه من المبكر توقع
خيارات تفصيلية للسياسة الأمريكية تتعلق بالأزمة الليبية، إلا أنه يمكن الوقوف على
جملة من المحددات قد تيسر عملية التحليل والتوقع التي يمكن أن تقود إلى ملامح عامة
للسياسة الأمريكية في العهد الثاني لترامب تجاه ليبيا، ويمكن إجمال تلك المحددات
فيما يلي:
ـ سياسة ترامب التي تقوم على الاهتمام
بالداخل الأمريكي، وعلى انتهاج خيار اللاحروب، والتركيز على الأزمات والقضايا
الكبرى في العالم، هذا يجعل الاهتمام بليبيا في مستوى أولوي متأخر بالنسبة للبيت
الأبيض.
ترامب أثبت أنه خارج السياق الروتيني في وضع السياسات واتخاذ القرارات، إلا أنه يظل محكوما بالمصالح التقليدية للولايات المتحدة، وبرؤية وتقدير المؤسسات الأساسية الصانعة للسياسة الخارجية والمؤثرة بشكل أو آخر في اختيارات البيت الأبيض في علاقة أمريكا بالعالم الخارجي، وهناك يظهر دور الخارجية والدفاع والأمن القومي والمخابرات.
ـ برغم إمكانية التقارب بين واشنطن وموسكو
في عهد ترامب، إلا أن هذا التقارب لن يكون بإطلاق يد الكرملين في ليبيا والذي
يتبنى استراتيجية للتوغل في أفريقيا وتغيير الخارطة الجيوسياسية فيها، وليبيا
حاضرة ضمن هذه الاستراتيجية.
ـ يمكن أن يظهر الاهتمام بليبيا بمدى قربها
وبعدها من الحرب الدائرة في المنطقة (غزة، جنوب لبنان)، وهذا قد يكون نتيجة لتطور
هذه الحروب لصالح الكيان الإسرائيلي، والتقدم خطوات بل ربما قفزات في مشروع
التطبيع.
ـ "استراتيجية أفريقيا" التي اعتمدتها
الإدارة الأمريكية في عهد ترامب الأول يمكن أن تستمر وهي تقوم على محورين رئيسيين
هما: الأمن والاقتصاد، والأمن يتضمن احتواء التوسع الروسي في القارة، والاقتصاد
يهدف إلى مكافأة الثقل الصيني في أفريقيا بعد أن تفوقت بكين على واشنطن وحلفائها
الأوروبيين في حجم التبادل التجاري والشراكة الاقتصادية مع دول القارة الأفريقية.
ـ الرئيس الأمريكي يضع الخطوط العريضة
للسياسة الأمريكية، وترامب أثبت أنه خارج السياق الروتيني في وضع السياسات واتخاذ
القرارات، إلا أنه يظل محكوما بالمصالح التقليدية للولايات المتحدة، وبرؤية وتقدير
المؤسسات الأساسية الصانعة للسياسة الخارجية والمؤثرة بشكل أو آخر في اختيارات
البيت الأبيض في علاقة أمريكا بالعالم الخارجي، وهناك يظهر دور الخارجية والدفاع
والأمن القومي والمخابرات.
ـ معادلة التدافع الإقليمية تغيرت بشكل كبير
عما كانت عليه في عهد ترامب الأول، فالصراع الإقليمي المحموم على ليبيا والذي تطور
إلى مواجهة مسلحة يمكن وصفها بحرب الوكالة العام 2019م، انتهى أطرافها الإقليميون
إلى تقارب قد يأخذ منحى استراتيجيا كما هو الوضع بين تركيا ومصر، أهم لاعبين إقليميين
في الأزمة الليبية.
ـ محليا، ورغم استمرار حالة النزاع
والانقسام، إلا أن الأوضاع مشبعة بالتوجهات السلمية والتحول إلى الإعمار كوسيلة
لكسب
الرأي العام بديلا عن استخدام القوة، حتى صار خيار فرض الإرادة بقوة السلاح
بين الأطراف المتصارعة مرجوحا.
أمام هذه المحددات يمكن القول إن الاهتمام
الأمريكي بليبيا قد يتأخر بالنظر إلى القضايا الكبرى الساخنة التي تعهد ترامب
بحلها، وأن السياسة الأمريكية ستتأثر بالدور الروسي في الأزمة الليبية واتخاذ
ليبيا كمنطلق للمضي صوب أفريقيا، لذا فربما لن تتغير خيارات البيت الأبيض في ما
يتعلق بالموقف من الوجود الروسي في البلاد، وسيتأثر موقفه من أطراف النزاع الليبي
بناء على مواقفهما من المشروع الروسي، وهذا سيكون دافعا للضغط على أنقرة ووجود
قواتها على الأراضي، ومن المعلوم أن ترامب ليس صديقا لأردوغان.
برغم إمكانية التقارب بين واشنطن وموسكو في عهد ترامب، إلا أن هذا التقارب لن يكون بإطلاق يد الكرملين في ليبيا والذي يتبنى استراتيجية للتوغل في أفريقيا وتغيير الخارطة الجيوسياسية فيها، وليبيا حاضرة ضمن هذه الاستراتيجية.
أما في ما يتعلق بالتفاصيل الأخرى المتعلقة
بالداخل الليبي، والتي منها اختيار رئيس البعثة الأممية والذي هو محل خلاف مستمر
بين واشنطن وموسكو، والموقف من رئاسة الحكومة والخلاف الجاري حوله، والخلاف حول
إدارة الموارد المالية، فمن المبكر جدا توقع اتجاه السياسة الأمريكية حيالها، ومن
المهم الوقوف على خيارات ترامب لمن سيكون على رأس الخارجية والأمن القومي والدفاع،
ومعاونيهم الرئيسيين، فهؤلاء سيكون لهم تأثير على خيارات ترامب وقراراته، لكن
سيظهر أثر المحددات السابقة الذكر بشكل أو آخر.
من سيكون على رأس البعثة الأممية أمر مهم
بالنسبة لواشنطن، ولنتذكر أن البيت الأبيض في عهد ترامب الأول هو من طلب تعيين
ستيفاني ويليامز مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، وفي عهدها تم
الاتفاق بين أطراف النزاع، وهو الاتفاق الذي جاء بالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة
الوطنية الحاليين. ففي حال استمرار ستيفاني خوري في منصبها كملف بالبعثة، فمن
المتوقع أن يقع تطور في المسار السياسي الليبي ونشهد اتفاقا جديدا خلال العام
2025م، كاتفاق الصخيرات واتفاق تونس ـ جينيف.