تجدد الحديث عن
الملكية في
ليبيا في الآونة
الاخيرة وبشكل أكثر تركيزا، وهناك مؤشرات على اتساع دائرة المؤيدين لعودة النظام
الملكي، وهذا ربما يعود لسببين: الأول هو الفشل المستمر في الخروج من المأزق
الراهن ووقف آثاره السلبية المتراكمة، والثاني النظرة المتفائلة من أنه في ظل
الملكية توحدت ليبيا وتأسست الدولة وأطلقت مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
وحسب هذه النظرة فإن هناك شبها بين فترة ما قبل استقلال ليبيا والفترة الراهنة التي
تشهد تشرذم البلاد وضعف مؤسساتها.
والحقيقة أنه رغم تشابه الظروف، إلا أن
هناك فروقات قد يكون لها تأثيرها السلبي على أي دور يمكن أن يرجى من عودة النظام
الملكي.
وبعيدا عن الخوض في تلك الفروقات وما يمكن
أن نعتبره تحديا أمام فاعلية حقيقة النظام الملكي وما يمكن أن يتحقق من خلالها كما
تحقق خلال الأعوام التي سبقت ولحقت استقلال البلاد العام 952م، فإنه من المهم التنبيه
إلى مسألة غاية في الأهمية وهي الحالة النفسية والوسط السياسي والاجتماعي ودرجة
الوعي التي هي أساس في تحقيق اختراق يخرج البلاد من وضعها المزري، ذلك أن التغيير
إلى الافضل له اشتراطاته التي إن غابت لا يمكن أن يتحقق تحول وتغيير يحقق
الاستقرار السياسي والأمني والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، من أهمها وجود نخبة
وطنية فاعلة تقدم المصلحة العامة على كل المصالح الضيقة، وثقة بين النخبة المتصدرة
للمشهد والجموع الحية من كافة شراح المجتمع، ووعي عام بخطورة المرحلة وخيارات
تجاوزها واستعدادا للمضي قدما نحو الأهداف المشتركة.
ستنجح الملكية وينجح أي نظام سياسي جمهوري أو غيره من رئاسي أو برلماني عندما يرتقي وعي الناس وحسهم الوطني ويتصدر المشهد أهل العزائم من أبناء الوطن وتذوب الاحقاد والنزاعات وتتقدم المصلحة العامة على المصالح الخاصة، أما إذا ظل الرأي العام على ضعفه ويمنح ثقته للنفعيين وطلاب السلطة والمكاسب الشخصية، فلا رجاء في أن يصلح الله الحال، لا بالملكية ولا غيرها.
إن الإخفاق الذي نشهده اليوم لا يعود إلى
أزمة في الخيارات المطروحة ومشكلات تتعلق بالنظام السياسي والإداري، وبالتالي يصير
التفكير إلى بديل عن النظام السياسي والإداري المأزوم خيارا منطقيا وبناء. المشكلة
تتعلق بالقيم وتدور حول الأخلاق وتتمحور حول فساد وغياب الحس الوطني والاستعداد
لتدمير الوطن لأسباب تتعلق بمكاسب فردية أو جهوية...ألخ
الأمر يتعلق بأزمة كبيرة في القيادة ومشكل
في العقل النخبوي الذي كان في الفترة ما قبل الملكية مسؤولا بدرجة لا بأس بها وهمه
رفعة الوطن وبناء دولة وتشكيل مؤسسات تحقق الاستقرار والازدهار الاقتصادي
والاجتماعي لليبيين، وقد كان، ولم تؤثر الجهوية والمناطقية والمصالح الضيقة التي
كانت موجودة على المسار العام، فنظام القذافي العام 1969م استلم دولة لم تكن
موجودة قبل 18 عاما، ووجود مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية لم يكن لها أثر
عندما استقلت البلاد، وحققت عوائد النفط التي تدفقت قبل أربع سنوات فقط من وصول
القذافي للسلطة نتائج جيدة على مستوى دخول الأفراد والخدمات التعليمية والصحية
والمعيشية بشكل عام.
ليست الملكية هي التي أفرزت لجنة الـ21 ولا
لجنة الـ 8، لجنة الدستور، الذي رسم ملامح الدولة ونظامها والحقوق وغيرها، والتي
اتمت عملها في زمن قياسي وصار الدستور نافا والحاكم لسلوك كافة المؤسسات، ولا هي
التي أوجدت مجلس الأمة وغيرها من المؤسسات التي مثلت العمود الفقري للدولة الوليدة.
من حقق كل ذلك هم الزعامات الوطنية الذين
حظوا بالتقدير والاحترام من جموع الليبيين في الغرب والشرق والجنوب. إنه الضمير
الوطني الذي غلب على الأباء المؤسسين فتلاشت أمامه كل أسباب النزاع والتناحر
وتمهدت به سبل الوفاق والبناء.
إدريس كان علامة فارقة في تجاوز مرحلة صعبة
عرفها الليبيون قبل الاستقلال، وقد كان زعيما يتحدث نيابة عن كل من مثلهم في برقة،
وقابله زعيم طرابلسي، هو السعداوي، شهد له التاريخ بالنضال والقيادة والحس الوطني
المرهف، فكان أن ولجت ليبيا إلى فضاءات الاستقرار والبناء، فهل قادة اليوم هم قادة
الأمس، وهل الروح التي تسري فيهم هي الروح التي سرت في السابقين؟
ستنجح الملكية وينجح أي نظام سياسي جمهوري
أو غيره من رئاسي أو برلماني عندما يرتقي وعي الناس وحسهم الوطني ويتصدر المشهد
أهل العزائم من أبناء الوطن وتذوب الاحقاد والنزاعات وتتقدم المصلحة العامة على
المصالح الخاصة، أما إذا ظل
الرأي العام على ضعفه ويمنح ثقته للنفعيين وطلاب
السلطة والمكاسب الشخصية، فلا رجاء في أن يصلح الله الحال، لا بالملكية ولا غيرها.