هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كلاكيت أول مرة..
مذيعة الاستوديو: نعود إلى البث المباشر..
تظهر طائرة تحمل شعار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على المطار.
مذيعة الاستوديو: صور فورية تصل بنا إلى الوفد الجزائري، وسيحل بيننا بعد لحظات ممثلو الوفد الجزائري... إليك الخط نزار لمواكبة وصول الوفد الجزائري.
المراسل نزار من المطار معلقا على الصور الفورية: السيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في استقبال الوفد الجزائري الذي يحط الرحال في تونس.
يفتح باب الطائرة ويسترسل المراسل في تعداد أهمية العلاقات الرسمية والشعبية بين البلدين.
فجأة، ينزل أفراد الوفد من الطائرة فيرتبك المراسل وهو يشاهد الرئيس سعيد يعانق وفدا بلباس أفريقي تقليدي، لا علاقة له بالجزائر وتندوف ووهران.
المراسل نزار: طبعا في انتظار أن تتوضح الصورة؛ لأن الوفد الجزائري سيترأسه وزير التجارة، وهذا هو الوفد البوروندي الذي يصل على الخطوط الجزائرية.
كلاكيت ثاني مرة..
بعدها بدقائق، تظهر الطائرة نفسها على المدرج وعليها شعار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. يفتح الباب، فيصعد رجل وامرأة إليها ليعاودا النزول مع الوفد الواصل بعد نزولهما خطأ في المشهد الأول مع الوفد البوروندي. تنتقل المذيعة من الاستوديو إلى المطار مرة أخرى.
المذيعة: يبدو أن هناك وفدا آخر يصل إلى المطار الرئاسي وعلى الأراضي التونسية. نتعرف على هوية الوفد في غضون لحظات.
يعانق الرئيس سعيد رئيس الوفد وهو الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، أو رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كما قدمه بيان الخارجية التونسية بعد استدعاء المغرب لسفيره بتونس للتشاور احتجاجا.
المذيعة: هذا الوفد من جنوب الصحراء. الوفد الحالي من جنوب الصحراء... تابعنا وصول رئيس وفد البوليساريو في نقل مباشر كما شاهدنا مع بقية الوفود.
عذرا.. من استقبل رئيس الوفد الجزائري السيد كمال رزيق بالمطار إذن؟ بحثنا عن الصور ولم نجد لها أثرا.
لم يكن العاهل المغربي ليجعل من الوضوح في الموقف من قضية الصحراء المغربية (سمِّها غربية إن شئت فهذا موقعها الجغرافي)، "النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"، ويرفع السقف عاليا بدعوته "شركاء المغرب التقليديين والجدد، الذين يتبنون مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، بأن يوضحوا مواقفهم ويراجعوا مضمونها بشكل لا يقبل التأويل"، لولا أن الحرب الديبلوماسية بين المغرب والجزائر مستعرة بشكل غير مسبوق، دليلها سحب اعتراف هنا وإعادة له هناك (البيرو وكولومبيا مثالا)، تكريس للمكاسب هنا وتراجع هناك. فهذا بلد يدافع عن وحدته الترابية، ويعتبر إفشال الانفصال مسألة وجود، وعلى حدوده الشرقية بلد يرى في تكريس المغرب لوجوده في الصحراء تهديدا وجوديا، فجعل من "قضية الشعب الصحراوي" أولوية الأولويات.
لأجل ذلك، رأينا في فترة وجيزة كيف أن الجزائر استقبلت الرئيس الفرنسي ثم بعده رئيس غينيا بيساو، الذي لا تمتلك فيه سفارة، وقيل إنه انسحب من قمة تيكاد الثامنة؛ احتجاجا على وجود الرئيس "الأغلى" على قصر المرادية "إبراهيم بن بطوش" وبعده رئيس الوزراء الأثيوبي. في الوقت الذي عرفت الرباط حضور رئيسة الديبلوماسية الألمانية، وافتتاح جمهورية الرأس الأخضر قنصليتها بالصحراء، وتنتظر وصول وزير الخارجية المصري. حبر الحوار الصحفي للسفير المغربي بالرباط لم يجف بعد، وكان أعلن فيه عشية زيارة الرئيس عبد المجيد تبون للقاهرة، قبل أسابيع، عن اصطفاف القاهرة بجانب المغرب في قضيته الوطنية الأولى، وفي المقابل لم تخف الرباط دعمها لمصر في صراعها حول تأمين حصتها من مياه النيل.
لقد أصبحت القارة الأفريقية، بعد ما يبدو تأمينا للمواقع في بقية القارات، مسرح المعركة المتواصلة بين البلدين، ومعهما فرنسا الاستعمارية التي توالت هزائمها هناك، وتحتاج إلى حلفاء "أقوياء" لضمان البقاء، وليس أفضل لها من الجارين المقبلين لا محالة على مواجهة عسكرية لا مناص منها. إيمانويل ماكرون الذي جاب الجزائر وتجول في شوارعها، لم يتأخر في الإعلان عن زيارة قريبة إلى الرباط أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، في فيديو هواة سأله صاحبه عن رحلته إلى الجزائر قبل أن يدس جملة عن مغربية الصحراء، واجهها الرئيس بابتسامة أتبعها بإعلان الزيارة الموعودة. منذ متى كان الإعلان عن الزيارات الرسمية يتم في الشوارع وعلى هامش حفل موسيقي؟
قالها المراسل نزار من قلب المطار: نحن في انتظار أن تتوضح الصورة.
لقد أصبحت القارة الأفريقية، بعد ما يبدو تأمينا للمواقع في بقية القارات، مسرح المعركة المتواصلة بين البلدين، ومعهما فرنسا الاستعمارية التي توالت هزائمها هناك، وتحتاج إلى حلفاء "أقوياء" لضمان البقاء، وليس أفضل لها من الجارين المقبلين لا محالة على مواجهة عسكرية لا مناص منها.
وعلى إثر ما تلا قمة تيكاد الثامنة، التي عقدت للمفارقة في شارع محمد الخامس، صار التشويش والرسائل الملغمة واللعب فوق الطاولة وتحتها، العملة الرائجة في أزمة تبدو ثنائية في البدء. لكنها في الحقيقة، مجرد تجل بسيط لأزمة أكبر تكاد تستعصي على الحل. فبعد التراشق الإعلامي "غير الرسمي" بين الرباط وتونس واكتفاء البلدين، على ما يبدو، بجولة أولى من حرب البيانات، كان لا بد للجزائر أن تتدخل، عبر وكالتها وتلفزيونها الرسميين، لصب الزيت على النار والاصطفاف "دفاعا" عن تونس، وهي التي تقول؛ إن "من يعتقدون أن تونس ضعيفة قد جانبوا الصواب تماما، فتونس بعيدة كل البعد عن الضعف"، قبل أن تعتبر ما تتعرض له البلاد "حملة إعلامية خسيسة.. وحملة تشويه أطلقت لاعتبارات داخلية مرتبطة بالإخفاقات المتتالية، التي منيت بها مؤخرا الديبلوماسية المغربية في مسعاها الرامي لفرض رؤيتها التوسعية حتى باللجوء إلى الأكاذيب والابتزاز"، وهو ما يستحق "إدانة شديدة اللهجة".
موقف الوكالة الجزائرية لا يختلف كثيرا عن اصطفاف النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، التي أدانت "حملات تشويه منظمة" لوسائل الإعلام والمواقع المغربية، التي "تعمدت إخراج هذا الخلاف الدبلوماسي والسياسي من سياقه الرسمي نحو حملات تشويه غير مقبولة في حق تونس، شعبا ومؤسسات".
وفي الضفة الأخرى، أجرى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان اتصالا هاتفيا مع نظيره التونسي، دون مناسبة على ما يبدو، ليعلن عن رفع القيود عن منح التأشيرات للمواطنين التونسيين، بعد أن أعلن رئيسه عن تخفيفها عن المواطنين الجزائريين. في المغرب لا تزال القنصليات الفرنسية تحصل أموال الملفات، وترفضها بنسب كبيرة ولفئات كانت حتى الأمس من "المحميين".
لم يكن غريبا إذن أن يعلن المغرب قراره بتعليق التصريح القنصلي، الذي كان أصدره لتسهيل ترحيل الإمام الحسين ايكوسين، الذي قرر مجلس الدولة الفرنسي طرده بناء على طلب من درامانان، وهو المولود في فرنسا منذ ما يقارب الستين عاما، وفيها ترعرع وكبر ومارس الدعوة، لترحيله إلى المغرب. اعتبرت الرباط، حسب مواقع صحفية لا تقدح من رأسها، أن الاستعجال لا يتعلق فقط بحالة الإمام المطرود، بل بمراجعة مجمل العملية المرتبطة بالتأشيرات والعلاقات القنصلية بين البلدين.
يملك التونسيون والمغاربة أسلحتهما في مواجهة تبدو مقبلة على التعقيد أكثر ما تبدو منفتحة على الحل، فالبلدان "مستقلان" بقراراتهما "السيادية" التي لا تحتاج إلا إلى الوضوح والانسجام وتحمل العواقب الاقتصادية منها والسياسية.
وكأن الصورة التي ينتظر المراسل التونسي أن تتوضح، في حاجة إلى من يزيدها ضبابية. فهذا موقع "إرم نيوز"، الذي قدمته مواقع مغربية على أنه تابع لجهاز الأمن الوطني بأبوظبي، يجري حوارا مع إبراهيم بن بطوش غالي، انتقد فيه المواقف المغربية وبسط رؤية تنظيمه للصراع، قبل أن يعود الموقع نفسه لحذفه بشكل نهائي. لم يُعرف للآن إن كان الحوار مجرد رصاصة طائشة تلقفتها المواقع الجزائرية للتهليل، أم رسالة مبطنة من حليف مغربي "استراتيجي". الأكيد أن أزمة الحوار مطوقة حتى اللحظة دون استبعاد أية مفاجآت، في ملف تتنازعه الأيدي والألسنة في الرمال المتحركة للصحراء.
يملك التونسيون والمغاربة أسلحتهما في مواجهة تبدو مقبلة على التعقيد أكثر ما تبدو منفتحة على الحل، فالبلدان "مستقلان" بقراراتهما "السيادية" التي لا تحتاج إلا إلى الوضوح والانسجام وتحمل العواقب الاقتصادية منها والسياسية. أما ماكرون، فسيزور المغرب نهاية أكتوبر (تشرين الأول) كما أكد وقال، وفي حوزته بعض من الأوراق الجديدة لعلها تساعد في اختراق جدار الأزمة "المكتومة" بين البلدين. والقمة العربية بالجزائر العاصمة، إن نُظِّمت، على الأبواب. قادة الدول العربية يغالون في شراء الطائرات الخاصة ولو في زمن الأزمات. لأجل ذلك، لن يخطئ مراسل التلفزيون الجزائري في نقل مراسم الاستقبال وتحديد هويات الوفود، إلا إن كان ذلك عن سبق إصرار وترصد مكشوفين للعيان.