"إن مملكة الشر هذه التي توجد على حافة الهاوية
تحاول صرف أنظار الرأي العام عمّا يجري بأراضيها من انتهاكات لحقوق الإنسان وفقر
وسوء تغذية وعبودية واتجار بالبشر. وباختصار، لن يتمكن النظام
المغربي من الخروج
من هذه الورطة لأنه فشل سياسيا، ولم يعد بمقدوره إحداث القطيعة مع نظام ملكي بقيّ
عالقا في زمن القرون الوسطى. وعلى الصعيد المالي، فالأمور لا تنبئ بالخير لمغرب
مثقل بالديون وتحت مراقبة المؤسسات المالية الدولية، وهو حاليا غير بعيد عن
الإفلاس. لقد حان وقت الحساب بالنسبة للمخزن الذي جعل من المغرب مملكة للشر
والفساد والرذيلة. دولة مخدرات لا تتوانى عن عرض أبنائها وبناتها في سوق السياحة
الجنسية. لقد دقت ساعة الحساب بالنسبة لنظام المخزن الذي جعل من المغرب دولة
منبوذة وأكبر راعٍ للرشوة في أفريقيا. بلد حلّ فيه الفساد محلّ الديبلوماسية".
ليس هذا مقتطفا من منشور اقترفه مراهق فيسبوكي قليل
الأدب يبحث عن شهرة زائفة أو عن إثارة جدل تحقق له مجدا تذروه الرياح، المقتطف من
تقرير بثه التلفزيون
الجزائري الرسمي في نشرته الرئيسية قبل يومين، وهو في الأصل
مقال لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، سبق وأن نشرته على موقعها الرسمي. لم يكفِ
النظام الجزائري ما اقترفته وكالته الرسمية، فآثر أن ينشره على نطاق أوسع عبر
النشرة الرئيسية لتلفزيونه الحكومي. كان بالإمكان التجاوز عن اتهامات النظام فقد ألفناها في صراعه الموهوم مع ما يسميه المخزن، لكنه تمادى في الإساءة لشعب
جار ظل رئيسه، في كل خرجاته الإعلامية، يدعي ألاّ مشكلة تجمعه به فهو شعب
"شقيق".
هو إذن خطاب رسمي لم يعد يتخفى وراء قناع وسائل التواصل الاجتماعي أو التراشق بين أذناب وأبواق تدعي الاستقلالية، بل تحول لنتاج رسمي يُروَّج له في الداخل وفي القنوات الفضائية العالمية على حد سواء
في عز
الأزمات التي شهدتها
العلاقات بين كثير من الدول
لم نشهد أكثر مما صار النظام الجزائري ينحو نحوه
منذ أسابيع بل شهور. أزمة الخليج الأخيرة أقرب إلى الأذهان، وخلالها عُهِد لجيوش
الذباب الإلكتروني ومنعدمي المروءة والأخلاق من المستشارين الذين تخصصوا في قذف
الأعراض بالإساءة لدولة قطر ورموزها. الإعلام الرسمي حاول قدر الإمكان الابتعاد عن
هذه المنطقة النتنة التي لا يسقط فيها غير قليلي المروءة وضعاف النفس ومنعدمي
الضمير.
الحملة الإعلامية التي تحولت، حتى قبل قطع
العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وما تبعها من إجراءات من جانب واحد، إلى خبز
يومي في كثير من وسائل الإعلام الجزائرية "المستقلة"، أخذت لها مكانا
ثابتا في وسائل الإعلام الرسمية بدءا بقناة الجزائر الدولية، مرورا بوكالة الأنباء
وبعدها التلفزيون الرسمي الذي أُريد له أن يصبح مجرد قناة لبث
الضغينة وتغذية الأحقاد. هو إذن خطاب رسمي لم يعد يتخفى وراء قناع وسائل التواصل
الاجتماعي أو التراشق بين أذناب وأبواق تدعي الاستقلالية، بل تحول لنتاج رسمي
يُروَّج له في الداخل وفي القنوات الفضائية العالمية على حد سواء.
قبل أيام، عاد الرئيس عبد المجيد تبون ليصب الزيت على
النار. فبعد اتهامه في حوار سابق مع قناة الجزيرة للمغرب بالتآمر على تونس، ها هو
هذه المرة يقطع شوطا آخر باتهام خطير مفاده أن المغرب كان وراء اغتيال ديبلوماسيين
جزائريين بمالي. يقول الرئيس الجزائري: "نحن الوحيدون الذين اختطف
دبلوماسيونا واستشهد منهم اثنان، ونعلم المسؤول عن ذلك. إنها دولة مجاورة من خلال
منظمة وهمية إرهابية أنشأتها في مالي. ولكن لا بأس، لا أحد سيمنعنا من مساعدة
أشقائنا في مالي".
تعود قصة اغتيال الديبلوماسيين الجزائريين طاهر تواتي
وبوعلام سياس إلى يوم 5 نيسان/ أبريل 2012، حيث اختطفت جماعة تطلق على نفسها اسم
"جماعة التوحيد والجهاد"، سبعة دبلوماسيين جزائريين يشتغلون في القنصلية
الجزائرية في مدينة "غاو" شمال مالي. رفضت الجزائر تلبية طلب جماعة "التوحيد
والجهاد" بالإفراج عن القيادي في ما يسمى بـ"تنظيم القاعدة في المغرب
الإسلامي"، المدعو أبو إسحاق السوفي، المعتقل في الجزائر، كما رفضت تسليم هذه
الأخيرة فدية طلبتها لتحرير الدبلوماسيين المحتجزين، فردّت الجماعة الإرهابية
بإعدام الدبلوماسي طاهر تواتي، وأبقت الآخرين رهن الاحتجاز. وفي تموز/ يوليو 2012، أفرج
التنظيم على ثلاثة من الدبلوماسيين، فيما توفّي القنصل بوعلام سياس بسبب
المرض، واحتفظ التنظيم بدبلوماسيين اثنين. وبعد مفاوضات بين الجانبين، عبر وسطاء، أفرج التنظيم
المذكور، في آب/ أغسطس 2014، عن الدبلوماسيين المتبقيين. ولم تكشف السلطات الجزائرية عن تفاصيل عملية الإفراج في
واحدة من القضايا الغامضة التي لا تزال حتى اليوم مثيرة لكثير من التساؤلات.
وسائل الإعلام الجزائرية لم تتوان عن اتهام المخابرات المغربية والفرنسية بالوقوف وراء عملية الاختطاف لجر الجزائر إلى مستنقع الساحل، بعد أن أعلنت تمسكها بالحل السلمي هناك. واستدل هؤلاء بكون فصيل التوحيد والجهاد موال للمملكة المغربية، من منطق أن كثيرا من أعضائه ينتمون لمخيمات تندوف وإلى جبهة البوليساريو
كشفت مواقع صحفية وقتها عن معلومات
تؤكد أن السلطات الجزائرية تجاهلت مخاوف دبلوماسييها وقصرت في حمايتهم، رغم
إحاطتها بحجم الأخطار المحدقة بهم، حيث تجاهلت برقيات من البعثة تعرب فيها عن
مخاوفها ورغبتها في إخلاء المبنى كانت آخرها مؤرخة في 2 نيسان/ أبريل 2012،
أي قبل ثلاثة أيام من عملية الاختطاف. كما تم الكشف على أن تحرير بقية
الدبلوماسيين كان ممكنا سنة 2013 لولا إعلان باريس أن الجزائر سمحت لها باستخدام
مجالها الجوي لقصف معاقل من تصفهم بالإرهابيين في شمال مالي.
وسائل الإعلام الجزائرية لم
تتوان عن اتهام المخابرات المغربية والفرنسية بالوقوف وراء عملية الاختطاف لجر
الجزائر إلى مستنقع الساحل، بعد أن أعلنت تمسكها بالحل السلمي هناك. واستدل هؤلاء بكون
فصيل التوحيد والجهاد موال للمملكة المغربية، من منطق أن كثيرا من أعضائه ينتمون
لمخيمات تندوف وإلى جبهة البوليساريو. المخابرات المغربية، حسب هؤلاء، كانت تستهدف
بـ"خلق" هذه المنظمة الإرهابية توريط الصحراويين في الإرهاب الدولي
تمهيدا لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية، وهنا مربط الفرس كما يقال.
يعلم الجميع عن المحاولات
المغربية المتواصلة لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية، وهو ما يجعل الجزائر دولة
راعية للإرهاب. ولعل في خرجة الرئيس الجزائري ما يثبت تلك المخاوف خصوصا وأن
الرواية الجزائرية، التي أصبحت اليوم رسمية على لسان الرئيس، استثنت المخابرات
الفرنسية من الشكوك وأبقت مخابرات الدولة الجارة مسؤولة عن قتل ديبلوماسيين
جزائريين، عن طريق تنظيم إرهابي تم خلقه في الأراضي المالية، مع ما يحمله ذلك
الاتهام من تبعات خطيرة لا يمكن تجاهلها.
وللتاريخ وجب التذكير بأن مقتل
الديبلوماسيين الجزائريين لم يكن أول عهد للبلاد مع هذا النوع من الحوادث، فقد اختطف ما يسمى "تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين" في العراق، في تموز/ يوليو 2005،
الدبلوماسيين الجزائريين على بلعروسي
وعز الدين بن قاضي، قبل أن يقدم على قتلهما بتهمة "الردّة"، ويتهم
الحكومة الجزائرية بـ"مساندة الأمريكيين"، عبر إرسال دبلوماسييها إلى
العراق. المغرب في نظر النظام الجزائري دولة راعية للإرهاب تستهدف جارها
الشرقي وتنشط على أراضي دولة مالي. هي تهمة أخرى بمحاولة زعزعة استقرار الجيران
بعد تهمة التآمر على تونس التي تم الترويج لها قبل أسبوعين أو ثلاث.
لنواصل مع تقرير التلفزيون الجزائري، المنقول عن مقال
لوكالة الأنباء الرسمية: "لطالما حلُم المغرب ذو الأطماع التوسعية بأطروحة
المغرب الكبير الذي يمتد من طنجة إلى سان لويس بالسنغال. وهي أطروحة دافع عنها
علال الفاسي منذ سنة 55 من القرن الماضي. ففي سنة 1960، عارض المغرب استقلال
موريتانيا الشقيقة وهي دولة عضو بالأمم المتحدة، حيث كان مهووسا بضم أراضيها. ولم
يعترف المغرب بموريتانيا إلا بعد مرور اثنتي عشر سنة، وهذا بفضل قمة الجزائر سنة
1972 التي ضمت الرئيسين الجزائري هواري بومدين والموريتاني مختار ولد داداه وملك
المغرب الحسن الثاني، حيث سمحت مخرجات هذه القمة بإنهاء اثنتي عشرة سنة من
الإنكار، كانت خلالها الحكومة المغربية تضم وزيرا للشؤون الموريتانية. وفي سنة 63
اعتدى المغرب دون حرج على جارته الجزائر التي لم يكن لها بعد جيش أو أسلحة محاولا
ضم جزء من أراضيها. وقد أودى ذلك العدوان المغربي بحياة ثمانمائة جزائري يضافون
إلى مليون ونصف مليون شهيد في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي. سنة 75 يعيد
المغرب الكرة ليحتل هذه المرة الصحراء الغربية التي لا تزال دائما إسبانيا قوتها
المديرة، بل ذهب به الأمر إلى غاية اقتراح اقتسام إقليم الصحراء الغربية مع
موريتانيا. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن هذا الإقليم ليس ملك له. ذلك أن
أي بلد جدير بهذه الاسم لن يقبل أبدا بتقسيم أراضيه".
أما اعتراف المغرب بموريتانيا عام 1972 بعد قمة الجزائر،
فيرد عليه الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن في تصريح بالصوت الصورة، يقول فيه:
"لا ننسى أيضا أنه في عام 1969، بعد أن حُرق المسجد الأقصى، دعا جلالة
المغفور له الملك الحسن الثاني إلى مؤتمر إسلامي. وكان في ذلك الوقت لا بد أن تحضر
موريتانيا، وموريتانيا لا يعترف بها المغرب. فأصر جلالة الملك، من أجل فلسطين، أن
يضحي وأن يعترف بموريتانيا حتى تحضر هذا المؤتمر، وتبدأ بداية المؤتمرات الإسلامية
وتكون المغرب هي، أو جلالة الملك، هو رئيس للجنة القدس. ومنذ ذلك التاريخ والملك
يترأس هذه اللجنة". عباس أبو مازن حي يرزق وتصريحه متوفر على شبكة الأنترنت
لمن أراد الاطلاع عليه، وليس مبنيا على معلومة "تاريخية" يتم إخراجها
حسب الطلب دون شهود أو وثائق، كما هو حال معلومة فرانكو الذي اقترح على الجزائر
الصحراء "الغربية" فرفضتها في منتصف ستينيات القرن الماضي.
وأما حرب الرمال وربط قتلاها بالمليون ونصف مليون شهيد
الذين قتلهم المستعمر الفرنسي، فالرد عليها من الزيارة الرسمية الأولى التي قام
الملك الحسن الثاني بها إلى الجزائر في منتصف آذار/ مارس 1963، وحمل معه أول هدية
للمغرب عبارة عن معدات عسكرية استعرضها الحسن الثاني إلى جوار احمد بن بلة
والهواري بومدين، لأجل دعم الجيش الوطني الوليد آنذاك. والصور الموثقة للحدث
متوفرة لمن أراد الاطلاع عليها. وفي تلك الزيارة ذكّر الحسن الثاني نظيره الجزائري
بالاتفاق الموقع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بشأن حدود البلدين الموروثة عن
الاستعمار الفرنسي، والذي أكده رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بنخدة في تصريح
إعلامي في العاصمة الرباط في يناير 1962.
خلال هذه المحادثات طلب أحمد بن بلة إمهاله بعض الوقت
حتى ينهي بناء المؤسسات الدستورية والإنهاء مع الحزب المعارض بقيادة الحسين أيت
أحمد في منطقة القبائل. بعد أقل من سبعة أشهر من الزيارة، اندلعت حرب الرمال بعد
تحرك استفزازي جزائري على الحدود، ولم تضع الحرب أوزارها إلا بعد توقيع اتفاقيه 20
شباط/ فبراير 1964 في باماكو بمالي. بعدها بسنوات طردت الجزائر آلاف المغاربة يوم
عيد الأضحى واحتضنت حركة البوليساريو المسلحة، وبقية القصة نعيش على وقعها حتى يوم
الناس هذا.
وأما تقسيم الصحراء، فالرد عليه من تقارير صحفية تعود
لسنة 2002، حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي
يتبنى الاتفاق الإطار، والذي نص على ممارسة السلطة في الإقليم المتنازع عليه، من
قبل سكان الصحراء عن طريق هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، على أن يحتفظ المغرب
بالسلطة الكلية على العلاقات الخارجية، وبعد مرور خمس سنوات يطرح وضع الصحراء على
استفتاء للناخبين المؤهلين في تاريخ يتفق عليه الطرفان.
هذا جزء من تاريخ موثق يحاول البعض اليوم إعادة كتابته بالتزوير على الموتى ودون تقديم وثائق أو براهين، هو كلام مرسل يريد له أصحابه أن يتحول لحقيقة لا يرقى الشك إليها
ولكي يكون الناخب مؤهلا للتصويت في هذا الاستفتاء، يجب
أن يكون قد أقام بصورة دائمة في الصحراء طيلة السنة التي تسبق الاستفتاء، مع إدخال
تعديلات عليه، وهو ما جعل الجزائر تحتج على المشروع، حسب ما جاء في تقرير لجريدة
الشرق الأوسط وقتها، فسارع مندوبها الدائم في الامم المتحدة آنذاك السفير عبد الله
باعلي إلى مراسلة رئيس مجلس الأمن، ودعاه إلى "إسقاط مشروع القرار الأمريكي إذا
لم يؤخذ بعين الاعتبار الخيار الثالث المتمثل بتقسيم الصحراء الغربية بين جبهة
البوليساريو والمغرب". وأعرب عن "استعداد الجزائر استعراض اقتراح تقسيم أراضي الإقليم
بين المغرب وسكان الصحراء الغربية"، وقال "إن الجزائر تعتقد أن
هذا الحل سيكون حلا منصفا وأنه يحظى بدعم بعض الدول".
الحكومة المغربية اعتبرت أن الجزائر من خلال هذا
الاقتراح "تضع نهاية للقصة التي خلقتها حول وجود ما يسمى بالشعب الصحراوي".
وعبرت في بيان لها في حينه عن رفضها للتقسيم، وقالت: "إن المقترحات الجزائرية
تبذر بذور قلاقل في المنطقة وتمثل مصدرا لصراعات جديدة وسابقة خطيرة بالنسبة لقارة
أفريقيا التي تمزقها الحروب"، واعتبرت أن "مقترحات التقسيم مؤامرة جديدة
على وحدة أراضي المغرب".
هذا جزء من تاريخ موثق يحاول البعض اليوم إعادة كتابته
بالتزوير على الموتى ودون تقديم وثائق أو براهين، هو كلام مرسل يريد له أصحابه أن
يتحول لحقيقة لا يرقى الشك إليها. اتهام المغرب بزعزعة استقرار موريتانيا وتونس
ومالي، واتهامه باغتيال الديبلوماسيين ودعم الإرهاب، مناسبة سانحة لمن له دلائل
لفتح صفحات هذه الأحداث التي ظلت لعقود طي النسيان لا يقربها أحد بدعوى شمولها
بالسر العسكري أو الأمن القومي.
الدعوة وُجِّهت فاشهدوا واشهدوا واشهدوا..