عندما عزمت الولايات المتحدة الأمريكية على غزو العراق عام 2003، قفزت فوق "نيويورك" الشاهقة، التي يطاول عمرانها عنان السماء وما يتواجد فيها من مجالس أممية وأمنية، مصطحبة معها عشرات الدول منها العظمى والمتوسطة والصغيرة، وبقيت في العراق لسنوات دون أي قرار من
مجلس الأمن الدولي ودون موافقة
روسيا التي عارضت آنذاك هذه الحرب. لكن في
سوريا، تُركت الأمور لمهرجانات دورية في مجلس الأمن العاجز عن فعل أي شيء منذ ست سنوات، رغم صرخات الأطفال من تحت ركام منازلهم المدمرة وأنين المسنين في المستشفيات المنقرضة بفعل القنابل الارتجاجية والصواريخ العابرة للقارات.
المفروض أن مجلس الأمن الدولي وُجد لحفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق
الأمم المتحدة، الذي منح لهذا المجلس سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء واعتبر قراراته ملزمة لجميع الدول الأعضاء، لكن دوره هذه الأيام، لا يتعدى دور وكالة أخبار تنقل أخبار الكوارث والأزمات الدولية، أو غرفة عمليات للإشراف على ما يحدث، دون إيجاد أي حلول، وهذا ما استدعى البعض لتشبيهه بمخفر "ضيعة ضايعة" الذي "لا يكش ولا ينش"، لأنه عجز عن معالجة عشرات القضايا البشرية، مثل القضية الفلسطينية (قرابة 70 عاماً) ورواندا و أنغولا والصومال و سيراليون وإثيوبيا وإريتيريا والشيشان وبورما والسودان.
في سوريا أحدث المآسي وأكبرها، اختلط لون الدماء بالخطوط الحمراء، وكان المشهد الطاغي أسلحة محرمة دوليا ومجازر ترقى لمستوى جرائم الحرب، وفي المقلب الآخر تُرك الأمر على عاتق هذا المجلس الكهل، والذي لا حول له ولا قوة بوجود الفتوة وعرّاب الفيتو الروسي، المدرب جيدا على يد "مافيات" حواري موسكو، فعند صياغة أي مشروع يتعلق بسوريا يتم التلويح بالفيتو أو استخدامه في حال وصل القرار إلى القاعة الرئيسية؛ التي شهدت خمس مرات على النقض الروسي الذي أفشل مشاريع دول عظمى لا تقل قوة عنها، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وبعد كل قرار تُضاعِف حجم السلاح المشحون إلى سوريا وتُصعّد عملياتها العسكرية، وتزيد من حجم القتل.
استحقاق الدم السوري، لم يستدعِ ممن يسمون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري" التحرك خارج مجلس الأمن، أو على أقل تقدير تسليح الثوار بالسلاح النوعي، فقلد وضعوا أصابعهم في آذانهم وأسدلوا الستار على أعينهم لكي لا يروا حقيقة أن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون سياسياً - كما يقولون - في ظل التعنت والتمادي الروسي، ووصف هذا الأمر السيناتور الأمريكي الشهير بأنه "دبلوماسية من دون أسنان"، فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة إن العالم أجمع خذل السوريين.
تدخل روسيا في أوكرانيا، كان مدعاة لعقوبات غربية قاسية أوهنت الاقتصاد الروسي، أما جرائم الحرب في سوريا لا توجب أكثر من جلسة في مجلس الأمن، كحفل تكريم تقيمه شركة كبرى بعد انتهاء مشاريعها أو جزء منها في إحدى المطاعم الراقية أو الفنادق الفارهة، من باب الاحتفاء بموظفيها وإنجازاتهم.
في
حلب السورية يشهد العالم توحشاً بشرياً ضد الأطفال والمدنيين العزل، وتحدياً روسياً للعالم أجمع بهدف إيصال رسالة للجميع أنها عادت إلى مصافي القرار العالمي حتى لو كلفها ذلك الغوص في بحر الدماء السوري، وتدمير سوريا عن بكرة أبيها، ففي هذا العالم لا يوجد رقيب ولا عتيد يوجه لها حتى اللوم على ما اقترفته يمينها.