قضايا وآراء

مآلات معركة حلب على مسيرة الثورة السورية

1300x600
تعد معركة حلب بيضة القبان في الثورة السورية، إذ سيترتب عليها نتائج خطيرة، وهذا ما يفسر حرص النظام والروس على النصر فيها، ولو كلف ذلك تدميرها بمن فيها كما هو حاصل الآن.

فالسيطرة على حلب المدينة بشكل كامل سيحصر وجود الثوار في نطاق شريط ضيّق يمتد من جرابلس لإعزاز، يفصلهم عن النظام طوق كردي، وسيترك النظام هؤلاء "الثوار" المدعومين من تركيا يخوضون حرب استنزاف مع تنظيم الدولة، ولا بأس من امتداد معارك هؤلاء الثوار للكرد، فالكل في النهاية أعداؤه.

وسيتوجه النظام لاحقا لريفي حلب الغربي والجنوبي متبعا العقيدة العسكرية ذاتها التي استخدمها في حلب المدينة "تدمير الأرض وحرقها بمن فيها". وسقوط الريفين (الغربي والجنوبي) يعني أن سقوط إدلب مسألة وقت لا أكثر.

تبدو خطّة النظام واضحة جدا، ويفهمُها الجميع ثوارا ودولا، وما الهدن إلا مُهل من القوى الكبرى لتحقيق هذا الغرض.

ونجد ذلك واضحا في معركة حلب، فقد تمكن الثوار في غضون أيام بسيطة جدا من اختراق الحصار، والدخول لحلب من أشد المواقع تحصينا (الكليات العسكرية، والراموسة، والتلال الحاكمة)، ولكن توقفت المعارك فجأة رغم أنّ الطريق كان مفتوحا لحلب الغربية، حيث أحياء (حلب الجديدة، الحمدانية، العامرية)، حيث مُورِست ضغوط كبيرة لوقف المعارك، فبدا واضحا أنّه لم يكن مسموحا سقوط حلب بيد الثوار.

وقادت الولايات المتحدة عملية الضغط، وأجبرت دول الإقليم على المشاركة به، وشعرت هذه الدول لاحقا أنها خُدِعَت من قبل الولايات المتحدة إذ لم يفضِ وقف العمليات لتحريك الحل السياسي. بل دفع النظام والروس لاستعادة زمام المبادرة، وتدارك الأخطاء السابقة.

اكتشف الثوار الذين خضعوا للضغوط خطأهم، فقد كاد هذا الخضوع يؤدي، عدا عن تمكن النظام من حصار حلب، إلى شرخ كبير وعميق بين الفصائل الثورية يُدخلها بصراع داخلي تأكل فيه الثورة نفسها، لكنّ وضوح الصورة وتسارع الأحداث، بدءا من اغتيال قائد جيش الفتح أبو عمر سراقب ورفاقه بغارة للتحالف، والاتفاق الروسي الأمريكي الفاشل، وهجمة الروس العنيفة، وتواطؤ الولايات المتحدة والقوى الدولية، واكتفاؤها بالشجب والتنديد، أعاد اللحمة لصفوف الثوار.

إذ أيقنَ الجميعُ، بما في ذلك القوى الإقليمية، أنّ المشروع الروسي الأمريكي هدفه استسلام حلب قبل الانتخابات الأمريكية.

أدرك الثوار داخل حلب وخارجها هذا المشروع الذي لا يمكنهم القبول به أو السكوت عنه؛ لأنه صك إعدام لهم، ونهاية لثورتهم، فبدؤوا يُعدّون العدة لمعركة فاصلة طاحنة تختلف عن كل معارك الثورة.

وستكون هذه المعركة المزمعة اختبارا حقيقيا للدول الداعمة، وستضع ما بقي لها من مصداقية على المحك. فالجميع أمام خيار الوقوف لجانب الثورة، أو الامتثال والانصياع لضغوط الولايات المتحدة الراغبة في سقوط حلب.

وتبقى هذه المعركة أمام احتمالين: خذلان الثوار وهزيمتهم، وذلك يعني دخول سوريا بنفق مظلم ينتعش فيه الفكر الداعشي. فالثوار الذين خذلهم الجميع وسحقهم الطيران الروسي والتواطؤ الأمريكي سيكفرون بكل الطروحات والمشاريع السياسية، ما يعني دخول الصراع في سوريا منعطفا أشد دموية.

أما الاحتمال الثاني فيتمثل بانتصار الثوار، وهذا النصر سيكسر شوكة الروس، ويصيب مشروعهم في مقتل، فالروس إذا خسروا حلب لن يتمكنوا من استعادتها ثانية.

قد يرى بعضهم احتمال انتصار الثوار مستحيلا، وضربا من الخيال، لكنَّ المتتبع العارف بالوضع الميداني يرى ذلك ممكنا جدا من الناحية العسكرية، فقوّة النظام وهمية، وانتصاراته تحققت بفضل الطيران. فالنظام لا يمتلك مقاتلين، وقوته البشرية مزيج من الشبيحة والمرتزقة الطائفيين، وبالتالي فوحدة بندقية الثوار، وتوفر السلاح النوعي وإن لم يتضمن مضادا للطيران، والذخيرة بكميات كبيرة، كافٍ لتحقيق النصر.

وتجربة فك الحصار، فضلا عن المعارك في بعض أحياء حلب، تثبت صحة ما سبق، فرغم كل القصف والدمار لم يتقدم النظام شبرا على ثوار محاصرين داخل المدينة، وما حققه من انتصارات كان في مناطق مكشوفة في محيط المدينة لعب الطيران فيها دور الحسم.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع