نشرت صحيفة "
كورييري ديلا سيرا" الإيطالية تقريرا حول تفاقم حالات
الإسلاموفوبيا في أوروبا على إثر
هجمات باريس، قالت فيه إن
تنظيم الدولة يريد نشر الخوف وانعدام الثقة بين المسلمين والغرب، وإثبات صحة موقف اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، من أجل الزج بالجميع في صراع ديني.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي كتبته "أليساندرا كوبولا"، وترجمته "
عربي21"، إن الأيام الأخيرة شهدت تصاعدا في الاعتداءات التي استهدفت المسلمين، وقد تراوحت هذه الاعتداءات في فرنسا بين إطلاق النار على رجل من أصول تركية، وكتابات عنصرية على واجهة مجزرة تبيع اللحوم الحلال، ورسم صليب أحمر بلون الدم على حائط أحد المساجد، وهو ما يؤكد أن كل أرجاء فرنسا تشهد موجة خطيرة من الاعتداءات بدافع كراهية المسلمين على إثر هجمات باريس.
وأضافت الصحيفة أن هذه الحوادث المذكورة قد يعتبرها البعض هامشية ومصادفة، إلا أنها تعددت وانضاف إليها حادث رمي الحجارة على مطعم لبيع الكباب في مدينة "بارنتان"، والاعتداء بالعنف على رجل مغربي على هامش تظاهرة نظمها اليمين المتطرف في مدينة "بونتيفي"، والشعارات التي تقول "أخرجوا المسلمين من بلادنا" خلال مظاهرة في مدينة "ريمس".
وبهذا يتضح بما لا يدع مجالا للشك وجود انحراف كبير في ردود الأفعال تجاه هجمات باريس، وارتفاع منسوب العنف والتعصب والعنصرية، وهو ما يعتبره بعض الباحثين في شؤون الحركات المسلحة من أخطر الأهداف التي تخفيها إستراتيجية تنظيم الدولة في تعامله مع الغرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الظاهرة تفاقمت لأول مرة بشكل لافت في الولايات المتحدة، على إثر هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، حيث ظهرت في ذلك الوقت مشاكل عديدة مرتبطة بالخوف من الإسلام.
وعرضت في هذا السياق رسما بيانيا يبين أن عدد الهجمات التي تستهدف المسلمين قبل تلك الهجمات كان يتراوح بين 20 و30 سنويا، وأن هذا العدد ارتفع إلى 481 خلال السنة التي تلت الهجمات.
وذكرت الصحيفة أن أولى نتائج الهجمات الأخيرة التي نفذها تنظيم الدولة في باريس، هي تضخيم عدد المسلمين الذين يعيشون في أوروبا في أعين بقية المواطنين الأوروبيين، حيث إن استطلاعات للرأي أجريت حديثا بينت أن هؤلاء المستجوبين الذين كان أغلبهم في حالة من الخوف وانعدام ثقة، عبروا عن اعتقادهم بأن نسبة المسلمين في بلدانهم عالية جدا، رغم أن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن نسبة المسلمين في الولايات المتحدة لا تتجاوز 1 بالمئة من مجموع المواطنين.
وأضافت أن هذه النسبة ليست كبيرة في أوروبا أيضا، حيث إن الفرنسيين على سبيل المثال يعتقدون أن ثلث سكان بلادهم من المسلمين، ولكن الواقع هو أن هذه النسبة لا تتجاوز 7.5 بالمئة، أما الألمان والإيطاليين فيعتقدون أن خمس سكان بلادهم يصلون في المساجد، رغم أن نسبة المسلمين في هذه البلدان هي على التوالي 5.8 بالمئة و3.7 بالمئة، وهو ما يشير بوضوح إلى أن نظرتهم للمسلمين ابتعدت عن المنطق والواقع، تحت تأثير الخوف والتهويل.
ونقلت الصحيفة عن "جيل كيبل"، الخبير في شؤون الحركات المتشددة، قوله: "إن هدف تنظيم الدولة من الهجمات الأخيرة هو تحريك المنظمات والمجموعات العنصرية المتشددة والمجموعات اليمينية المتطرفة المعارضة للمهاجرين في أوروبا، حتى يتزايد خطاب الكراهية ضد المسلمين، من أجل خلق حالة من الانقسام وانعدام الثقة والدفع نحو مواجهة بين المسلمين والغرب.
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن الولايات المتحدة سجلت في السنوات الأخيرة عددا من الاعتداءات ضد السيخ، لأن المعتدين كانوا يعتقدون أنهم من المسلمين بسبب الغطاء الذي يلبسه السيخ على رؤوسهم.
وقالت الصحيفة إن بحوثا قام بها الاتحاد الأوروبي، أشارت إلى ارتفاع بنسبة 80 بالمئة في عدد الاعتداءات التي تسببها الإسلاموفوبيا في فرنسا، بعد الهجوم ضد صحيفة "
شارلي إيبدو" في مطلع العام الجاري.
ولاحظت أن أغلب هذه الاعتداءات تستهدف النساء، بسبب الاعتقاد بأن النساء المسلمات ضعيفات ولا يتمتعن بالحماية، وتراوحت هذه الاعتداءات بين البصق عليهن وتحريض الكلاب على مهاجمتهن، وجذب الحجاب، ورميهن بالقوارير من شبابيك السيارات، ولكن هذه الظاهرة لم تتفاقم في فرنسا فقط، حيث أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن المملكة المتحدة أيضا شهدت تزايدا بنسبة أربع مرات في جرائم الكراهية ضد المسلمين.
ونقلت الصحيفة عن الشاب الإيطالي من أصل مغربي، خالد شوقي، قوله إن "أحد أخطر نتائج هجمات باريس هي أن المسلمين أصبحوا يصنفون جميعا في خانة واحدة، وهذا يؤدي إلى تفاقم الإسلاموفوبيا".
وأشار خالد إلى أنه تم استجوابه بعد الهجمات ثم الإفراج عليه سريعا، وعبر عن قلقه الشديد من حالة الاستقطاب التي يقوم بها اليمين المتطرف، والتي أصبحت تهدد بتدمير الجيل الجديد من الشباب المسلم في الغرب وإحباطه.
وفي الختام خلصت الصحيفة إلى أن مخططات تنظيم الدولة أكثر تعقيدا وخطورة مما قد تبدو عليه، فهي تتغذى على مظاهر الإسلاموفوبيا والعنصرية الموجودة في الغرب، لتقوية مشاعر التطرف الديني على الجانب الآخر، وتنجح من خلال ذلك في استقطاب أبناء المهاجرين المسلمين الذي يشعرون بالظلم والتهميش في أوروبا، وهو ما يدفع ببعضهم للانعزال عن المجتمع والاستعداد لرد الفعل بطريقة عنيفة.