قال مدير مدير المعهد الملكي للدراسات المتحدة مايكل كلارك، إن هجمات
باريس يوم الجمعة تعد نقطة تحول مهمة في مواجهة
تنظيم الدولة. وقد تدفع التحالف الدولي إلى تغيير إستراتيجيته، وإرسال قوات برية.
ويقول الكاتب في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية: "سنسمع أصواتا صاخبة في الأيام المقبلة، حيث ستزيد فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا من طلعاتها الجوية ضد مواقع تنظيم الدولة، بعد فظائع باريس".
ويتفهم كلارك غضب السياسيين إزاء ما جرى في باريس، والتحدي الشعبي الذي أبداه الرأي العام، لحرمان الإرهابيين من نصر نفسي. مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يظهر فيه التعاون الشعبي بعد الهجمات مباشرة، فإن امتحان الإرادة هي استمرارها لنصف عام أو عام.
وترى الصحيفة أن أكبر هجمات إرهابية تشهدها أوروبا، أعادت تسليط الضوء على تنظيم الدولة وإستراتيجية مكافحته، خاصة الغارات الجوية عليه في كل من
العراق وسوريا.
ويجد التقرير أن "الحملة تبدو أفضل مما تظهر عليه في الواقع؛ لأنها حققت نوعا من التأثير. وأدت إلى سلسلة من الإنجازات على الأرض، حققها المقاتلون الأكراد في العراق وسوريا وجماعات المعارضة السورية، وكذلك الحرس الثوري الجمهوري، وقد قامت مجموعة بطرد تنظيم الدولة من نصف المناطق التي سيطر عليها العام الماضي".
ويشير الكاتب إلى أن تنظيم الدولة خصص جهودا كبيرة للسيطرة على بلدة عين العرب/ كوباني على الحدود التركية، وفشل وخسر سد الموصل ومدينة تكريت وبيجي وسنجار. مستدركا بأنه رغم سيطرته على مدينة الرقة، التي يعدها قاعدة حكمه، إلا أن المدينة تتعرض لهجمات جوية بشكل منتظم. وهناك احتمال بأن تبدأ الحملة التي طال انتظارها على الموصل.
وتذكر الصحيفة أن بنية التنظيم من ليبيا إلى أفغانستان تتعرض لهجمات الدرون، التي قتلت قادة مثل علي عوني الحرزي وأبي نبيل والجلاد محمد إموازي. وساهمت الحملة الجوية بتدمير البنية النفطية للتنظيم، التي تدر عليه مليون دولار في اليوم. وعملت إستراتيجية التحالف على تسليح القوى المعادية له.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن إستراتيجية التحالف أخذت وقتا طويلا كي تحقق نتائج على الأرض، وقد أجبرت الآن تنظيم الدولة إلى الدفاع عن نفسه، وهو ما أجبره للقيام بعمليات خارجية؛ للتعويض عن خسائره في
سوريا والعراق.
وينتقد كلارك إستراتيجية الحلفاء الغربيين، التي فشلت في تدريب قوات فاعلة من "المعارضة المعتدلة" لبشار الأسد. والمشكلة، كما يقول، إن هذه الجماعات لم تكن معتدلة بالقدر الكافي ولا فاعلة. ويرى أن البرامج الغربية للتدريب تنجح مع قوات هي في طور التشكل، ولكنها تفشل عندما تتم وسط الحرب، حيث فشلت في العراق وأفغانستان، والآن ببرامج التدريب في الأردن.
وترى الصحيفة أن التدخل العسكري الغربي في هذه العمليات كلها كان يهدف إلى شراء الوقت من أجل تدريب القوات المحلية على حماية الأمن والنظام، وانتهت كلها بالفشل. لافتة إلى أن هذا نابع من عدم قدرة الغرب على بناء إستراتيجية سياسية متماسكة، من أجل إنهاء الحرب الطائفية، التي تقوم بتمزيق المنطقة، وتنشر الرعب الآن في قلب أوروبا.
ويتوقع التقرير أن تكون عمليات باريس نقطة تحول، وقد تؤدي إلى تقريب أوروبا للموقف الأمريكي الساعي "لإضعاف وتدمير" تنظيم الدولة. وقد تدفع روسيا لأن تضع هذه الجماعة الجهادية على رأس أولوياتها. مبينا أن هذا كله ممكن، خاصة أن قيادة تنظيم الدولة ذكية من ناحية الأساليب الحربية، ولكنها تفتقد الإستراتيجية؛ لأنها تقوم بشن حرب على الجميع وفي كل مكان. ولن تكون
هجمات باريس آخر الهجمات.
ويتساءل الكاتب: "حتى لو ثبت أن هجمات باريس هي نقطة التحول، فماذا ستفعل الحكومات الغربية؟ فهي أمام عدد من الخيارات، منها ما سيترك نتائج خطيرة، ومنها ما سيدفع الغرب إلى التورط أكثر في الأزمة".
وتنوه الصحيفة إلى أن هناك النظام السوري والحرس الثوري الإيراني والقوات الروسية. وفي هذا الخيار ستقرر نتيجة هذه الحرب القوى التي قاتلت في المعركة، وهو ما سيقود إلى تشكيل نظام يتسيده الشيعة.
ويتحدث التقرير عن قوة بديلة ثانية تجمع قوات من الأتراك والسعوديين ودول الخليج الأخرى، التي لم تشارك بعد في الحرب. وسيحقق هذا البديل إنجازات في حال قرر الغرب التورط أكثر في سوريا.
ويبين كلارك أن هناك بديلا ثانيا، ولكنه مكلف، وسيترك آثاره السلبية، وهو مواصلة دعم القوات الكردية، التي لن تستطيع وحدها تحقيق النصر ضد الجهاديين، ولأنها لا تقاتل إلا من أجل تحقيق الاستقلال على مناطقها.
وتختم "الغارديان" بالإشارة إلى أن البديل عن هذه الخيارات كلها هو قوات برية غربية، تعود من جديد إلى المنطقة، ويقول الكاتب: "لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، ولكن حجم الرهان يزداد، وثمن الإستراتيجيات المترددة سيكون أعلى".