بعد يوم من
هجمات باريس، تتوالى ردود الأفعال الدولية على الأحداث، وتتكشف تفاصيل جديدة عن طبيعة الهجمات، وكيفية تنفيذها وهوية منفذيها.
وتمتلئ الصحف بالتعليقات والتحليلات، حول طبيعة الخطر الذي بات يمثله
تنظيم الدولة، الذي أعلن مسؤوليته عن العمليات في الوقت الذي كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يلقي خطابه، ويتهم التظيم بالوقوف وراء العملية. وتزامنت العملية مع مؤتمر مهم كان سيعقد اليوم الثاني في فيينا، حيث اتفق وزراء خارجية 17 دولة، وفي مقدمتهم روسيا وأمريكا، على خطة لتسوية الأزمة السورية.
وفي هذا السياق طالبت صحيفة "أوبزيرفر" في افتتاحيتها بمواجهة تنظيم الدولة في
سوريا حيث ينشط هناك. وتقول إنه حول في ليلة الجمعة "باريس المركزية إلى ساحة حرب دموية، وفتح محور حرب، دون تحذير أو رحمة ولا ذرة من التبريرالأخلاقي. وقام أفراده بالقتل وهم يحملون الانتقام افي قلوبهم، وعلى شفاهم كلمات (سوريا) و(العراق)، وجلبوا معهم حربا تدور بلا هوادة في منطقة بعيدة، إلى أبواب وحانات مدينة حالمة، ظلت ورغم هجمات سابقة غير معنية".
وتقول الصحيفة: "قد انتهى حس الانفصال يوم الجمعة، ولو كانت هناك حالة من الرضا عن النفس فقد انتهت بالكامل، لقدجلب تنظيم الدولة حربه إلى عدوه. وكما قال فرانسوا هولاند يوم السبت أصبحت هدفا لعملية حربية".
وتضيف الافتتاحية أن "
فرنسا ليست وحدها. فالشعور بالخوف، الذي حفزته الهجمات، يشترك فيه مواطنو كل حكومة في دول التحالف، الذي يضم أمريكا ودولا أوروبية وعربية، التي أقسمت على تطهير سوريا من شرور تنظيم الدولة. وسيكون هناك تحقيق داخل المؤسسة الأمنية الفرنسية، والكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة. من مثل "من أين جاء المهاجمون الثمانية، وهل ولدوا في فرنسا أم نشأوا فيها، وكيف وصلوا بأسلحتهم وتدريبهم العسكري؟ حيث كانوا مدربين ومنضبطين، وهل تواطأ معهم أحد من الأقلية المسلمة في فرنسا؟ وهل كانوا يتصرفون بمبادرة منهم، أم أنهم جزء من خلية فرنسية غيرمعروفة، أم كانوا ينفذون أوامر من الرقة، أو أي معقل من معاقل تنظيم الدولة؟".
وتواصل الصحيفة: "حتى لو تمت الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل قاطع وكامل، فلن يتبدد هذا الشعور بالخطر الذي جلبته ليلة الجمعة. وفي التحليل النهائي، فلا يمكن حماية مدن، مثل باريس ولندن وبروكسل أو روما، من أي انتحاري مسلح بهذا النوع من السلاح. ولفعل هذا فربما تم تدمير الحريات وأساليب الحياة والثقافة المفتوحة والمتسامحة، التي يمقتها الإرهابيون وعقيدة الكراهية والانحراف التي يحملونها. وفي النهاية فأنت قد تقوم بعمل ما يريد القتلة".
ومن هنا ترى الافتتاحية أن "فرض إجراءات رقابية أصبح ضروريا، بالإضافة إلى التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين، من خلال توسيع قاعدة البيانات والقوانين لاستخدام الإنترنت، فهذه إجراءات أصبح لا يمكنها تجنبها. ولكن توفير الأمن الكامل ليس إلا وهما".
وحذرت الصحيفة من تعرض المسلمين في فرنسا لهجمات، قائلة: "أعضاء الأقلية المسلمة الكبيرة في فرنسا هم الهدف البارز في بلد فشل فيه الاندماج الذي يفضل على النموذج البريطاني من التعددية الثقافية. فغالبا ما يمنحون وظائف بأجور متدنية، وإسكانات متداعية، ويشعرون بالإهانة؛ لاحتقار الجمهورية العلمانية للحجاب ورموز الدين الإسلامية، ولا يحظون بمعاملة متساوية كونهم مواطنين، ويعاملون بطريقة سيئة من اليمين المتطرف. وسيشعر مسلمو فرنسا بارتدادات الهجمات السلبية عليهم".
وتبين الافتتاحية أن "المواجهات في الشوارع ستظل قائمة، وفي صناديق الاقتراع أيضا. وستشهد فرنسا في الشهر المقبل انتخابات جهوية، التي يتوقع أن تحقق فيها الجبهة الوطنية الفرنسية، التي تقودها المعادية للأجانب والمثيرة للانقسام ماريان لوبان، نتائج جيدة. وما حدث في باريس قد يزيد من دعم الجبهة الوطنية. وعليه فإن علالساسة من حزب هولاند الاشتراكي إلى يمين الوسط بزعامة نيكولاي ساركوزي، التأكد من استمرار تيار الوسط المعتدل".
وتشير الصحيفة إلى أن "فرنسا لا تتحمل الانحدار نحو التحيز وثقافة النبذ والعنصرية، ولا أوروبا كذلك. في ألمانيا وبولندا وبريطانيا وغيرها من الدول، التي تقوم فيها أحزاب اليمين باستهداف وتحويل المسلمين كبش فداء، خاصة اللاجئين المسلمين من سوريا، فلا تريد شيئا أفضل من رؤية فرنسا السقوط في دوامة الاستقطاب والاتهامات والانقسامات العميقة، وهو ما سيخدم أهداف تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة أيضا لو أدت هجمات الجمعة إلى التشدد والانقسام. فكيف سيقوم المتطرفون من الألوان كلها بفرض إرادتهم؟ ولهذه الأسباب على الساسة الأوروبيين كلهم الوقوف مع فرنسا".
وتجد الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، أن "فرنسا ليست وحدها، لأنه لا فرنسا أو أي بلد آخر يستطيع فهم التحديات الضخمة التي يفرضها انتشار سرطان تنظيم الدولة. فمنذ هجمات (شارلي إيبدو) ضرب مسلحو التنظيم وانتحاريوه وبشكل متكرر في مناطق واسعة. ففي الشهر الماضي قتلوا أكثر من 100 شخص في تركيا. وفي الصيف الماضي رشوا الشواطئ التونسية بالرصاص. وفي الأسبوع الماضي قاموا بمذبحة في حي شيعي في بيروت".
وتتابع الصحيفة بأن " تنظيم الدولة دمر طائرة روسية، كانت تحلق فوق سيناء، وقتل الركاب الذين كانوا على متنها كلهم، وعددهم 224 راكبا في عملية انتقامية ضد التدخل الذي قام به الرئيس فلاديمير بوتين في سوريا. ولم تؤكد موسكو رسميا مسؤولية تنظيم الدولة عن الكارثة، ولا شك أنه مسؤول عنها".
وتوضح الافتتاحية أنه من "الهجوم على الطائرة الروسية يظهر أن تنظيم الدولة بدأ يمثل تهديدا أكثر مما فهم في السابق. فإذا كان التنظيم قادرا على التحايل وتخطي الإجراءات الأمنية، التي أدخلتها الشركات الأمنية في مرحلة ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001. وعند هذه النقطة فإنه لا يوجد طائرة أو قطار أو رحلة آمنة في المستقبل".
وتمضي الصحيفة قائلة: "لو أردنا أن نلغي هذه النتيجة، فعلى المجتمع الدولي اتخاذ تحركات صلبة ضد هذا وغير ذلك من الملامح المتعلقة بالتعاون الأمني. ففي أوروبا يمكن للجنة الأوروبية أن تؤدي دورا في تنسيق هذا الدور، بعد فشلها الذريع في إدارة أزمة اللاجئين. فبمساعدة فرنسا وتطمينها، وتحسين الأمن في الأماكن العامة، قد تكون هناك إضافة إيجابية".
وتواصل الافتتاحية: "فرنسا ليست وحدها، هي جزء من تحالف شكل (لإضعاف وتدمير) تنظيم الدولة، بحسب عبارات باراك أوباما. ولعدة أشهر قامت الطائرات الفرنسية بغارات فوق سوريا والعراق. وأرسل هولاند حاملة طائرات إلى شرق البحر المتوسط. وفي البيان الذي أصدره التنظيم أشار إلى دور فرنسا في هذه العمليات، الذي قاد إلى
هجمات باريس، مع أن الولايات المتحدة هي التي شنت معظم الغارات. أما بريطانيا فهي تشارك في العراق، وهو ما أزعج واشنطن، وأثار اسيتاء واضح لديفيد كاميرون ووزير دفاعه مايكل فالون".
وتلفت الصحيفة إلى أن "الدول العربية المشاركة في التحالف، مثل الأردن والسعودية وقطر، فقد حرفت طائراتها لقتال المتمردين المدعومين من إيران في اليمن. أما الأكراد فهم مهتمون بضرب الأكراد أكثر من الجهاديين، فيما قرر رئيس الوزراء الكندي الجديد جاستين ترودو سحب طائرات بلاده من العملية. أما الروس فيقومون بعملهم الخاص، الذي يقوم على دعم رئيس النظام السوري المحاصر بشار الأسد أكثر من هزيمة تنظيم الدولة".
وتعلق الافتتاحية بالقول: "من الواضح للخبراء أن هذه الجهود الفوضوية وغير المتماسكة لن تحقق نجاحا، حتى لو ضمت قوات يمكن الوثوق بها، التي لا تملكها في الوقت الحالي. ومرة أخرى فما نحتاج إليه وبحاجة ماسة هو مدخل يقوم على تنسيق أوسع، واستراتيجية مشتركة بأهداف مشتركة من أجل نجاعة الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة. وبعد باريس سيتزايد الضغط على زعيم حزب العمال جيرمي كوربين للتفكير من جديد بدعم توسيع العمليات الجوية البريطانية كي تشمل سوريا".
وتقترح الصحيفة أن تشمل هذه الجهود الجديدة "عمليات دمج في القيادة والعمليات مع الروس. وهذا لا يعني أنه تم تناسي ضم شبه جزيرة القرم، ولا التخريب الذي قام به بوتين في شرق أوكرانيا أيضا، فموسكو في ظلال الإدارة الحالية تظل شريكا لا يعتمدعليه. ولكن الحاجة الماسة التي يمثلها التهديد الحاضر تتطلب وضع مظاهر القلق جانبا من أجل مواجهة العدو الأكبر".
وتعتقد الافتتاحية أن "حروبا جديدة ليست هي الحل. ولو أرادت مدن أوروبا والشرق الأوسط تجنب الألم الذي عانته باريس، فعلى المجتمع الدولي مواجهة المشكلة التي تقع في قلب الأزمة الإرهابية المتوسعة (سوريا)".
وتذكر الصحيفة أن "الحرب الأهلية تدور هناك منذ أكثر من أربعة أعوام. وقد شرد نصف سكان البلد، وفر الملايين منهم إلى تركيا والأردن ولبنان، ومئات الآلاف يتجهون نحو أوروبا، وهي مشكلة تزعزع الاستقرار، وتهدد وحدة أوروبا".
وتنوه الافتتاحية إلى أن "الفوضى داخل سوريا سمحت لتنظيم الدولة وغيره من الجماعات بالسيطرة على مناطق وثروات، وتغذي الفوضى الحرب. ولم تنجح الحلول المتعجلة التي طرحها المجتمع الدولي. وقد حان الوقت لإنهاء هذا المأزق وبناء على ما حققته الأمم المتحدة".
وتختم "أوبزيرفر" افتتاحيتها بالإشارة إلى أن "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والدول العربية الرئيسة وإيران كلها لديها مصلحة مشتركة لإنهاء النزاع المدمر الذي يهدد الجميع. ويجب أن يتحركوا جميعا، وإثبات أن فرنسا في هذه المرحلة من المعاناة ليست وحيدة".