نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمديرة مكتبها في
بيروت آن بارنارد، حول تفجيرات بيروت، التي ذهب ضحيتها 43 شخصا، مثلهم مثل ضحايا
باريس الذين قتلوا بصورة عشوائية.
وتقول الكاتبة إن "علي عواد (14 عاما) كان يقطع الخضار عندما وقع التفجير الأول فمات، ومات عادل ترمس وهو يحاول منع الانتحاري الثاني من التفجير، حيث كان يجلس في مقهى قريب، وخضر علاء الدين كان في طريقه للعمل، حيث يعمل ممرضا في مستشفى الجامعة الأمريكية، ومات في التفجيرات".
وتضيف: "تستمر مظاهر الحزن حول مسرح الجريمة في الضاحية الجنوبية، كما هي حول مسرح الجريمة في وسط باريس. فخلال عطلة نهاية الأسبوع كانت الأسواق هادئة أكثر من المعتاد، وتسبب الاعتداءان، اللذان أعلن
تنظيم الدولة مسؤوليته عنهما، بمشاعر مشتركة، بل وشعور عالمي بالعجز، خاصة في لبنان، حيث أعرب الكثير عن صدمتهم بما حصل في باريس، حيث يعدون فرنسا بلدا آمنا أكثر من بلدهم".
وتستدرك الصحيفة بأنه "بالنسبة للبعض في بيروت، فقد اختلطت مشاعر التضامن بمشاعر الأسى، وهو أن عاصمة واحدة، وهي باريس، هي التي حظيت بالتعاطف على مستوى العالم، كما حصل في هجمات الحادي عشر من أيلول مع أمريكا".
ويقارن التقرير بين الحادثين قائلا: "تمت إنارة المعالم حول العالم بألوان العلم الفرنسي، وخرج الرؤساء بالخطابات التي تتحدث عن الدفاع عن (القيم المشتركة)، وأعطى (فيسبوك) مستخدميه فرصة وضع ألوان العلم الفرنسي فوق صورة صفحاتهم بنقرة واحدة. وهذا ما لم يفعله (فيسبوك) مع العلم اللبناني، كما قام (فيسبوك) بتفعيل خدمة (التحقق من السلامة)، وهي خدمة تستخدم لطمأنة الأقارب بأن الشخص بخير في حالات الكوارث الطبيعية، وتم تفعيل هذه الخدمة بعد تفجيرات باريس، ولم يتم تفعيلها قبلها بيوم عندما وقعت تفجيرات بيروت".
وتنقل بارنارد ما كتبه الدكتور إيلي فارس في مدونته: "عندما مات شعبي لم يقلق أي بلد بإضاءة معالمه بألوان علمهم.. عندما مات شعبي لم يتسببوا بحداد العالم، ولم يكن موتهم سوى ومضة عابرة في دورة الأخبار الدولية، مجرد شيء يحصل في تلك الأحداث من العالم".
وتعلق الصحيفة قائلة: "يشتكي كثير من المعلقين اللبنانيين أن هذا كله يعني أن حياة العرب ليست بالأهمية ذاتها، أو أنه ينظر إلى بلدهم، التي بقيت هادئة نسبيا، بالرغم من الحرب المشتعلة في جارتها، على أنها مكان طبيعي أن ترتكب فيه المجازر".
وتستدرك قائلة: "في الواقع مع أن بيروت كانت مرادفة للعنف عندما مرت بحرب أهلية طاحنة قبل جيل، إلا أن هذا الهجوم كان الأعنف من نوعه منذ 1990. وصمدت لبنان في وجه موجات من الاغتيال السياسي واشتباكات الشوارع والحرب. وقد دمرت الحرب الإسرائيلية عام 2006 أبراجا سكنية كاملة، ولكن كان العام الماضي الأهدأ نسبيا".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تلك المفاهيم الخاطئة عن لبنان قد ظهرت الأسبوع الماضي، عندما قال المرشح الرئاسي الجمهوري جيب بوش: "إذا كنت مسيحيا في لبنان أو العراق أو
سوريا فغالبا ما سيقطع رأسك". وفاجأ هذا الكلام المسيحيين اللبنانيين، الذين يتمتعون بسلطات سياسية كبيرة.
وتشير الكاتبة إلى أن "هذا التفاوت في ردود الفعل أبرز شعورا في المنطقة بأنها متروكة وحدها للتعامل مع الحرب الأهلية السورية، التي استمرت أربع سنوات، وتسببت بهروب أكثر من أربعة ملايين لاجئ، ذهب معظمهم إلى دول الجوار مثل لبنان. وبالنسبة للبنانيين لم تساعد الحكومة كثيرا، حيث تعاني الأخيرة من مشكلة في الماء والكهرباء، وحديثا فشل كامل في نظام جمع القمامة. ويقول كثير من المنطقة، من مؤيدين ومعارضين لنظام الحكومة السورية، بأنهم لطالما حذروا من أن ترك المشكلة في سوريا دون علاج سيجعل الصراع يصل إلى الغرب".
وترى الصحيفة أنه "بالتأكيد هناك فرق في الهجوم بين باريس وبيروت، فبينما رأت باريس الهجمات صاعقة أتت من المجهول، شكل الهجوم في بيروت تحقق مخاوف لم تنته أبدا من اندلاع العنف في لبنان، مع أن لبنان تبدو وقد تعافت على مدى العام ونصف الماضي من عدد من التفجيرات، التي أعلنت مجموعات سنية مسؤوليتها عنها؛ انتقاما لتدخل حزب الله في سوريا بجانب النظام".
ويلفت التقرير إلى أن "البعض يأخذون على الطريقة التي تغطى فيها الأخبار، حيث تظهر بيروت وكأنها ساحة معركة. وذكروا مثالا على ذلك عددا من عناوين الصحف، منها عنوان في صحيفة (نيويورك تايمز) تم تغييره، فيه إيحاء إلى أن الضاحية الجنوبية ذات أغلبية شيعية، وتعد معقلا لحزب الله".
وتبين بارنارد أن "هذا الأمر من الصعب الاعتراض عليه. فحزب الله يسيطر على المنطقة، وله ولحركة أمل شعبية كبيرة هناك، ولكن يخشى أن يظهر العنوان وكأن منطقة السوق المدنية، التي تم فيها التفجير، تصلح لأن تكون هدفا عسكريا".
وتذكر الصحيفة أن السوريين أبدوا انزعاجهم من أنه في كلتا الحالتين فإن اللوم يقع عليهم، فهناك حوالي مليون لاجئ سوري في لبنان، بدأ كثير منهم التفكير في المغامرة بركوب البحر باتجاه أوروبا. لافتة إلى أن الهجمات الآن ستولد ضغطا سياسيا على الحكومات الأوروبية، لعدم استقبالهم، خاصة بعد ظهور أن أحد المهاجمين على الأقل قد يكون مثل دور اللاجئ ليدخل أوروبا، واحتج بعض معارضي الهجرة بهذا للمطالبة بإغلاق الباب أمام اللاجئين.
ويورد التقرير أن اللاجئين السوريين ردوا بحدة على هذا قائلين إنهم فروا أصلا من هذا العنف المجنون الذي لا يميز، فقال المتحدث باسم المجلس السوري الكندي فيصل العازم: "هذا الإرهاب بالضبط هو ما فر منه
اللاجئون السوريون بالملايين".
وتقول الكاتبة إن "فجوة المقارنة تصبح واضحة، إذا ما قارنا بالوضع في سوريا نفسها، حيث أعداد الضحايا الذين كانوا يسقطون كل يوم في أسوأ الأيام كان يزيد على عدد ضحايا باريس".
وتنقل الصحيفة عن نور كباش، التي فرت من بعد قصف بيتها في حلب، وتعمل في الإغاثة الإنسانية في بيروت، قولها: "تخيل أن ما حصل في بيروت ليلة الجمعة يحصل كل يوم في سوريا على مدى خمس سنوات الماضية".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول كباش: "تخيل الآن أن كل ما حصل (في سوريا) حصل دون تعاطف دولي مع الأرواح البريئة التي أزهقت، ودون متابعة إعلامية لما يحصل بالدقيقة، ودون دعم زعماء العالم كلهم الذين خرجوا لشجب العنف". وتكمل قائلة: "تخيل كيف تشرح لطفلك أن هجوما في مدينة جميلة كمدينتك حاز على اهتمام العالم، بينما لم يحز تدمير بلدك على اهتمام أحد".