نشرت صحيفة لوتون السويسرية تقريرا؛ اعتبرت فيه أن الهجمات الأخيرة لتنظيم الدولة في
باريس، ونجاحه في إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، يؤشران على تحول مرعب في إستراتيجية التنظيم وقدراته، حيث إنه قرر نقل المعركة إلى أراضي "الدول الصليبية" ومهاجمتها في عقر دارها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن هجمات باريس تأتي لتؤكد أن استراتيجية
تنظيم الدولة تمر بمرحلة تحول، حيث إن التنظيم كان إلى وقت قريب يركز جهوده على تقوية مناطق سيطرته وتوسيعها في نطاق ما يعتبرها "دولة الخلافة"، ولكن قادة التنظيم والمسؤولين عن استراتيجياته، اعتمدوا أسلوبا جديدا، وغيروا من أهدافهم المعلنة، حيث تبنوا فكرة الحرب ضد "الدول الصليبية".
وفي هذا السياق تأتي إعلانات قيام التنظيم بتبني الهجمات التي تمت مؤخرا، والتي تنطوي على موقف عدائي جدا ضد كل من فرنسا، إضافة إلى ألمانيا التي كان منتخبها يلعب في باريس ليلة وقوع الهجمات.
وتساءلت الصحيفة حول سر هذا التحول في إستراتيجية التنظيم، وما إذا كان ذلك يعكس إحساسا بالضعف في أرض المعركة في
سوريا والعراق، حيث إن القصف الروسي المستمر منذ شهر ونصف، رغم أنه لم يفض إلى نتائج ملموسة ونصر واضح مثلما يدّعي العسكريون الروس، فإنه يضاف إلى الضغوطات الكثيرة المسلطة على هذا التنظيم.
وفي السياق نفسه أيضا أشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة زادت من حضورها الميداني من خلال دعم المزيد من المجموعات المسلحة في سوريا، تحت اسم "القوى الديمقراطية السورية"، التي تتكون في الحقيقة من مقاتلين أكراد فقط. وفي يوم الجمعة الماضي نجحت هذه القوة في السيطرة على مدينة سنجار الحدودية بين
العراق وسوريا، ما يجعلها على أبواب مدينة الرقة التي تعتبر عاصمة التنظيم في سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى هذا الهجوم المفاجئ الذي شنه التنظيم على أعدائه البعيدين عنه، بعد أن تبنى فرع تنظيم الدولة في ولاية سيناء عملية إسقاط الطائرة الروسية في محافظة سيناء قبل أسبوعين، ورغم أن الصندوق الأسود للطائرة لم يقل كلمته الأخيرة، فإن فرضية وجود عمل إرهابي تبقى شبه مؤكده، وهو ما يعني أن تنظيم الدولة من خلال هذه العملية يريد ضرب عصفورين: أولا تدمير قطاع السياحة في مصر، وثانيا، بحسب تعبير التنظيم نفسه، مهاجمة "العدو البعيد" المتمثل في روسيا.
ولاحظت الصحيفة أن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، كان مهووسا بمهاجمة هذا "العدو البعيد"، وخاصة الولايات المتحدة، إلا أن إيديولوجيا تنظيم الدولة يفترض أنها تركز أكثر على إقامة "دولة الخلافة"، وهذا هو الفرق الكبير بين التنظيمين، إذ إن رؤية تنظيم الدولة المستقبلية تعتبر أن المعركة النهائية مع الأعداء ستكون في داخل حدود هذه الدولة التي يسعى التنظيم لتقويتها.
ولاحظت الصحيفة أن النقطة الوحيدة التي تتعارض مع هذه الإيديولوجيا، تتمثل في سعي تنظيم الدولة لتعزيز مواقعه في ليبيا من أجل منح بعد آخر لقوة التنظيم، واكتساب القدرة على مهاجمة أوروبا في الحوض الشمالي من البحر المتوسط.
وأضاف التقرير أن تنظيم الدولة يسعى لضرب الدول الأوروبية بدون رحمة، ويبرر هذه العمليات
الإرهابية بمشاركة فرنسا في التحالف الدولي الذي يقصف مواقعه في سوريا، وبما يعتبره محاربة فرنسا للإسلام وإهانتها للنبي محمد، في إشارة إلى مساعي منع الحجاب، والرسوم المسيئة في صحيفة شارلي إيبدو.
ولاحظت الصحيفة أن هذه الكارثة التي حلت بفرنسا، تزامنت بالصدفة مع اجتماع القوى الدولية في فيينا للتباحث في الشأن السوري، والذي تم فيه تجنب طرح مسألة بقاء بشار الأسد في السلطة. وقد قبلت خلالها القوى الكبرى، على غرار الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية وإيران، بخارطة طريق تهدف إلى تنظيم انتقال سياسي وانتخابات خلال 18 شهرا.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الاجتماع في فيينا، بكل ما أسفر عنه من مخرجات، تمت التغطية عنه بشكل كامل من خلال هذه الهجمات التي ضربت باريس، وهو ما أقر به وزير الخارجية الألماني فرانس وولتر شتاينماير، الذي أكد في المقابل أن هذه الهجمات ستزيد من إصرار الدول المجتمعة في فيينا على المضي قدما وإيقاف حمام الدم في سوريا.
وفي الختام، حذرت الصحيفة من أن هذه الحرب التي تعصف بسوريا منذ أربع سنوات، والتي كان يظنها الكثيرون بعيدة عنهم، لم تعد تعني السوريين وحدهم، وكل من كان يعتبر نفسه بمنأى عنها أصبح الآن مسئولا عن إيقافها لأنها أصبحت تمثل تهديدا للجميع.