حين دخلت أول أيام سنة 2014 على
العراقيين، كان الدخان لا يزال يرتفع من مخيم الاعتصام في محافظة الأنبار عقب أوامر من رئيس الحكومة السابق
نوري المالكي بفض كل الاعتصامات وبشتى الوسائل، وهو ما فسره المحللون آنذاك بأنه مغازلة قوى طائفية أخرى أراد أن يثبت من خلالها أنه الرجل الشيعي القوي في العراق.
وشغلت ردود الأفعال على طريقة إزالة المخيم معظم الربع الأول من
السنة الحالية، حيث اعتبر نوري المالكي ما حصل من إزالة لمخيمات الاعتصام وعمليات عسكرية جرت في محافظة الأنبار، أنها "انتصار حقيقي سيوحد العراقيين جميعهم خلف الجيش". ولكن الفعل لم يكن أبداً بسهولة القول، بحسب المحلل السياسي عدنان الحاج.
وبين الحاج في حديث خاص لـ"عربي21"، أن الجزء الأكبر من كارثة العراق في سنة 2014 كانت بسبب سياسة طائفية مغلقة من المالكي، الذي أصر على الظهور بشكل "الرجل الشيعي الأقوى في العراق الذي من المستحيل أن يستجيب للسنة"، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء السابق كان بإمكانه أن يستمع لمطالب المحتجين، وأن يعمل على تنفيذ جزء منها في سبيل تهدئة الشعور بالتهميش والغبن الذي يسود معظم أبناء الطائفة السنية في العراق.
وعقب اقتحام الجيش لمخيم الاعتصام في الأنبار، أعلنت قائمة "متحدون" (أكبر كتلة سنية في البرلمان العراقي) عن تقديم استقالة جماعية من نوابها الأربعة والأربعين، الذين أكدوا في بيان مشترك أن "المالكي يخوض حرب السلطة والامتيازات السياسية، وهي خارج الدستور والضوابط الوطنية".
ويعود المحلل السياسي عدنان الحاج للقول بأن المالكي في تلك اللحظة ظهر كبطل طائفي دمر مخيمات الاعتصام في الحويجة والأنبار، واعتقل أحد أبرز الوجوه السنية، وهو النائب أحمد العلواني، وأجبر الكتلة السنية على الاستقالة، ولم يدخر أي شيء إلا وفعله من أجل أن يقال عنه "مختار العصر"، وهو لقب أطلقته عليه حاشيته المقربة.
ودخل العراق في نيسان / أبريل الماضي في المرحلة الأخيرة من الانتخابات التشريعية، التي جرت نهاية الشهر وتطلبت 50 يوماً من أجل الإعلان عن النتائج النهائية التي أظهرت تقدم المالكي، نتيجة حالة الشحن والتوتر الطائفي التي تمت زيادة جرعتها بالتزامن مع الاستعداد لإجراء الانتخابات.
وحمل مطلع شهر حزيران/ يونيو واحدة من أبرز التحولات العنيفة في عراق ما بعد 2003، حين استولت "الدولة الإسلامية" على مدينة الموصل كبرى مدن الشمال العراقي، وتبعه سيطرته على أجزاء من محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى وقسم واسع من محافظة الأنبار غرب العراق.
وأعقبت سيطرة مقاتلي "الدولة" على تلك المحافظات انطلاق أكبر موجة نزوح في تاريخ العراق الحديث، واتجه القسم الأكبر من حركة النزوح إلى مدن إقليم كردستان في الشمال، في وقت قدرت المنظمات الإغاثية عدد النازحين بأكثر من مليوني شخص، سكنوا في مخيمات نظامية وفي حدائق وساحات ومبان غير مكتملة.
ويعتبر الإعلامي العراقي جمال الدليمي، المقيم في الأردن، أن سيطرة "الدولة الإسلامية" على ثلث مساحة العراق أظهرت خواء المالكي وسهلت من تشكيل حالة ممانعة كاملة له، فالشركاء
الشيعة يتهمونة بإقصائهم، والكرد يقولون بأنه حاربهم اقتصادياً، والسنة يرونه لم يدخر فرصة إلا ونكل بهم وبأسلوب "طائفي مقيت".
ويضيف الدليمي في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن حالة الرفض لتسنم المالكي ولاية ثالثة أصبحت حالة إجماع من كل الأطراف السياسية، التي اختارات حيدر العبادي في آب/ أغسطس لرئاسة الحكومة العراقية، الذي مضى في استلام المنصب رغم ممانعة المالكي الذي ظهر في موقف المنكسر والضعيف بعد سيل من خطبه النارية.
وفي ظل عدم قدرة القوات العراقية على صد هجمات مقاتلي "الدولة"، عمد الجيش الأمريكي إلى التدخل بشكل مباشر من أجل منع عناصرها من الاستيلاء على مزيد من المدن، وتم توجيه ضربات صاروخية بدأت في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، واستمرت حتى الوقت الحالي بمشاركة طائرات من عدة دول في إطار "التحالف الدولي".
ويشير الدليمي إلى أن أبرز ما حمله الربع الأخير من سنة 2014 في العراق هو ميلان كفة المعارك العسكرية لصالح القوات الكردية "البيشمركة" التي نجحت في فك الحصار عن المواطنين الأيزيدين في جبل سنجار، واستعادت الكثير من المناطق التي احتلها مقاتلو "الدولة" من قبل.
وينوه الأستاذ الجامعي علي الحلبوسي إلى أن نهاية السنة شهدت انعطافة كبيرة في مجال محاربة
الفساد، حين أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي عن حملة كبيرة في المجال، واستهلها بكشف الجنود المزيفين في الجيش والشرطة، والذين كانوا يتقاضون مبالغ كبيرة من الموازنة المالمية في العراق.
ويؤكد الحلبوسي في تصريح لـ"عربي21" أن حملة العبادي ضد المفسدين، وفي حال استمرارها وتصاعد وتيرتها، ستشكل بداية تصحيح لمجمل الأوضاع ونقطة ردع لعناصر الفساد الذي أعاد العراق إلى تخلف ينتمي لمئات السنين من الماضي، على حد وصفه.