يحمل السكان السنة الميليشيات الشيعية مسؤولية هدم مساجدهم (الأناضول)
أثار تدمير 13 مسجداً على الأقل في ناحيتي السعدية وجلولاء، في محافظة ديالى شرقي العراق، استياء السنّة الذين طالبوا بملاحقة مرتكبي هذه الأعمال، متهمين ميليشيات شيعية بتدميرها، بحسب شهود عيان.
واعتمدت الحكومة العراقية بصورة متزايدة على ميليشيات شيعية مسلحة بعد انهيار الجيش أمام زحف تنظيم "الدولة الإسلامية" في حزيران/ يونيو الماضي، وسيطرته على مناطق واسعة شمالي وشرقي وغربي البلاد.
وعلى الرغم من أن الميليشيات الشيعية ساهمت في وقف زحف مقاتلي التنظيم ومنعهم من الوصول إلى العاصمة بغداد، إلا أن السنة يتهمونها بممارسة انتهاكات بحقهم بحجة محاربة "الإرهاب".
وعلى مدى الأسابيع الماضية، تم تسجيل عدة حوادث لحالات إعدام أشخاص من السنة ميدانياً، دون محاكمة على يد الميليشيات، وتدمير وحرق منازل ومساجد في المناطق التي يتم طرد التنظيم، منها بمحافظة ديالى وخصوصاً بلدتي السعدية وجلولاء، اللتين استعادت الحكومة السيطرة عليهما بالكامل في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وفي حديث لوكالة "الأناضول"، عبّر عدد من سكان بلدتي جلولاء والسعدية عن استيائهم الشديد من تدمير مساجدهم وبيوتهم السكنية على يد الميليشيات الشيعية، التي شاركت القوات العراقية في استعادة السيطرة عليها.
وقال أبو محمد (35 عاماً)، وهو من سكان السعدية وطلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، إن الميليشيات الشيعية تقف وراء أعمال حرق المساجد ومنازل المواطنين في البلدة بحجة محاربة الإرهاب، مشيراً إلى أن تلك الميليشيات تستهدف السنة بشكل أساسي. ودعا أبو محمد في تصريحه الحكومة العراقية إلى التحقيق في تلك الحوادث والانتهاكات لتقديم الجناة للقضاء.
من جهتها تساءلت أم عمار (58 عاما)، وهي من سكان السعدية أيضاً لكنها حالياً لاجئة في مخيم كردستان للاجئين في مدينة خانقين بديالى: "ما الفائدة من تحرير السعدية أو جلولاء، إذا كان ذاك التحرير تخريباً وتدميراً لها".
وأضافت أم عمار، التي طلبت هي الأخرى عدم ذكر اسمها الصريح لأسباب خاصة لم تحددها، بالقول: "كنا ننتظر خروج داعش من المدينة حتى نعود إلى ديارنا، وننتهي من المأساة التي نعيشها في هذا المخيم، لكن أخبرنا أقاربنا ممن بقوا في المدينة بتدمير بيوتنا وحرق أملاكنا".
وكانت قوات عراقية مدعومة بميليشيات الحشد الشعبي (شيعية) إضافة إلى البيشمركة (جيش إقليم شمال العراق) قد استعادت مؤخراً ناحيتي جلولاء والسعدية من داعش الذي كان سيطر عليها قبل أشهر.
من جهته، نفى وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي زار محافظة ديالى يوم الاثنين، ضلوع الميليشيات في حوادث تدمير المساجد، وذلك في تصريحات صحفية نقلت عنه.
وقال خلال لقائه بالقيادات العسكرية بديالى إن "أسباب ظاهرة تفجير المساجد في ديالى، هي قضايا ثأرية قديمة بين أشخاص معينين" وفق تعبيره.
وبحسب الوزير العراقي، فإن "بعض العصابات الإرهابية تحاول الإساءة إلى الحشد الشعبي والقوات الحكومية المقاتلة بقيادة هادي العامري (زعيم ميليشيات بدر ووزير النقل السابق)"، حسب قول الوزير العراقي.
وأثار اعتماد الحكومة على الميليشيات الشيعية مخاوف من تفاقم أعمال العنف الطائفية في البلاد، نظراً لأنها لا تلقى الترحيب من السنة.
واستنكر "المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء" (مرجعية شرعية مستقلة لأهل السنة والجماعة)، ما أسماه "العمليات الإرهابية التي تقوم بها القوات الحكومية والميليشيات الشيعية باستهداف مساجد ديالى في العمليات الأخيرة بمنطقتي جلولاء والسعدية".
وقال المجمع في بيان إن "الدستور قد كفل لكل طائفة حرية الاعتقاد وفق ما تراها، وغلق المساجد ومنع الصلوات فيها وهدمها واستهدافها مخالفة صريحة للدستور بعد مخالفة أمر الله، فلتتحمل السلطة التنفيذية والتشريعية مسؤولية إيقاف هذا الحقد الإرهابي الأسود، ضد مساجدنا وأهلنا بحجة مكافحة الإرهاب".
ولم يقتصر الاستياء على العرب السنة، وإنما شمل الأكراد في شمال العراق، حيث وجهوا انتقادات حادة للميليشيات باستهداف المواطنين والدور السكنية.
من جهته، قال "اتحاد علماء الدين الإسلامي" في إقليم شمال العراق- فرع كرميان (منطقة تتبع محافظة السليمانية وتحد السعدية وجلولاء شمالاً)، إن "هناك ميليشيات جاءت من خارج كردستان (إقليم شمال العراق)، ومن وراء البيشمركة تقوم بشكل وحشي وتحت ستار مواجهة الإرهاب بتجاوز الخطوط الحمراء والحدود كلها، وتكمل ما بدأه داعش في قتل وإبادة وهدم ممتلكات المواطنين".
وأضاف الاتحاد في بيان أصدره أن "هؤلاء (ويقصد الميليشيات) لا يحترمون حتى الأماكن المقدسة والمساجد، ويهدمونها مع هدم منازل المواطنين ونهبها".
وأشار البيان إلى أن "هذه الميليشيات قامت في قضاء كلار (100 كم جنوبي محافظة السليمانية) باعتداء وحشي على علماء الدين الإسلامي. ولهذا نحن في فرع كرميان لاتحاد علماء الدين الإسلامي ندين بشدة هذه الاعتداءات". واعتبر الاتحاد أن "هذه الاعتداءات الوحشية غير مقبولة لدى سكان الإقليم، وبعيدة عن مبادئ الدين الإسلامي (...) وهدفها الإساءة إلى سمعة البيشمركة".
ولم يسمّ بيان اتحاد علماء الدين الإسلامي الميليشيات التي يقصدها أو الجهة التي تتبع لها، وطالب قوات البيشمركة بإعلان موقف رسمي منها وضد هذه الأعمال والتصرفات "اللاإنسانية".
ويتكون الحشد الشعبي من فصائل مسلحة شيعية انخرطت في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد فتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، لقتال التنظيم في حزيران/ يونيو الماضي.
ومن هذه التشكيلات منظمة بدر التي ينتمي وزير الداخلية إليها، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراقي، وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري وغيرها.
وتواجه هذه التشكيلات اتهامات من كتل سياسية سنية بارتكابها جرائم خطف وقتل وتطهير طائفي، في المناطق التي تدخلها باستهدافها مكوناً ما دون غيره (السنة).
غير أن ممثلي هذه التشكيلات يواجهون في المقابل هذه الاتهامات بالنفي، ويتحدثون وجود عناصر مندسة ترتكب الجرائم لتشويه صورة الحشد الشعبي، حسب قولهم.