انتهت
الانتخابات المحلية التركية، وقد جاءت نتيجتها مفاجأة، من خلال
تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم لهزيمة مدوية من قبل حزب الشعب الجمهوري
المعارض، ولم يشفع للحزب الحاكم ما حققه من نهضة تنموية ملموسة لتركيا بعد أن كانت
نسيا منسيا وتعيش في ترهات التخلف بفعل حكم حزب الشعب الجمهوري.
وقد غرد على منصة "إكس" وزيز المالية التركي محمد شيمشك
تعليقا على هذه الانتخابات قائلا: نرجو أن تكون
نتائج الانتخابات المحلية مفيدة
لأمتنا ووطننا. وسنواصل بكل إصرار تعزيز وتنفيذ برنامجنا متوسط الأجل، الذي أعلنا
عنه في سبتمبر 2023. ومن أجل خفض التضخم بشكل دائم إلى خانة الآحاد، وهو هدفنا
الرئيسي، سنعطي الأولوية للادخار من خلال التحكم في الإنفاق العام بالإضافة إلى
سياسات التمويل المتشددة والائتمان الانتقائي وسياسات الدخل.
وسوف نقوم بتحويل
الاقتصاد وزيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية من خلال الإصلاحات الهيكلية التي
سننفذها وفقا للجدول الزمني المعلن في الخطة المتوسطة الأجل. وبالتالي فإن الزيادة
الدائمة في الرفاهية التي سنحققها من خلال تحقيق هدفنا المتمثل في النمو المستدام،
ستتقاسمها جميع شرائح المجتمع. الطريق إلى النجاح يتطلب المثابرة والتصميم والصبر.
نحن مصممون، مصممون، سننجح.
وقد أدت تلك التصريحات إلى تحسن طفيف في سعر صرف الليرة التركية مقابل
الدولار بعد انخفاضها في صباح اليوم التالي لإعلان نتيجة الانتخابات. ورغم أن وزير
المالية يركز في تصريحاته على الحفاظ على استقرار الأسعار باعتباره أولوية قصوى،
واستعادة الانضباط المالي ودعم جهود البنك المركزي في تحقيق تباطؤ التضخم، إلا أن
الاقتصاد كان عاملا مهما في ظهور تلك النتيجة المخيبة لآمال المناصرين لحزب
العدالة والتنمية، فالتضخم هو الداء القاتل الذي ضرب الحزب في مقتل، حيث ما زال
المواطن التركي يلتهب ظهره من آثاره، حيث وصلت نسبته إلى 68.5٪ وأصبح استقرار
الأسعار لاسيما السع الأساسية أمرا مفقودا، وعجزت يد الحكومة عن وجود حل عاجل أو
قريب لذلك.
وتظل وعود وزير المالية حبرا على ورق أمام الجميع، لاسيما اتباعه تلك
السياسة التشديدية التي وصلت بسعر الفائدة إلى 50٪ وحجمت الإنتاج ووجهت أموال
الناس للبنوك وعقمت الائتمان وجمدت السوق وفتحت الباب للأموال الساخنة لتسرح وتمرح.
وقد جاءت تلك السياسة النقدية الارتدادية المعاكسة بعد تبني الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان سياسة نقدية قائمة على خفض سعر الفائدة لزيادة الإنتاج
والصادرات، وقد تمكنت هذه السياسة في نهايتها من تخفيض التضخم، ومع ذلك تم
الارتداد عنها بعد نجاحه في انتخابات الرئاسة.
كما أنه لا يمكن إغفال عوامل أخرى كان لها التأثير المباشر على نتيجة
انتخابات المحليات وانخفاض نسبة المشاركة بعزوف نحو 14 مليون ناخب عن المشاركة،
يأتي في مقدمتها تبرم المتقاعدين من عدم زيادة رواتبهم الشهرية رغم ارتفاع التضخم،
فضلا عن الترهل الذي أصاب حزب العدالة والتنمية ووضع الحواجز بينه وبين الناس،
والحاجة إلى الشفافية والإفصاح والمحاسبة في سلوك الأعضاء، وما نتج عن عدم
الالتزام بذلك من وجود مرشحين غير مناسبين.
إذا كانت رسالة الشعب التركي وصلت لحزب العدالة والتنمية وما شفع له ما قدمه من نهضة لتركيا، فإن هذا الدرس يجب أن يعيه الحزب حماية لمشروع الأمل الذي كانت تنظر إليه جموع أمة الإسلام بأنه الخلاص والعودة تدريجيا إلى إعادة أمجاد الإسلام
كما أنه لا يمكن إغفال عامل مهم كذلك في هذه النتيجة وهي موقف
الحزب من العدوان الصهيوني على غزة، ويأس المحافظين الإسلاميين من هذا السلوك،
فللأسف ما زالت العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني قائمة دون توقف، وحال الحزب
بين قطع هذه العلاقات مع هذا الكيان، كما أن دور
تركيا كان وما زال في تلك الحرب
الضروس لم يتعد دور المتكلم، دون خطوات جوهرية لوقف العدوان الصهيوني، لاسيما وأن
أردوغان طوال حياته السابقة جعل لتركيا قدم قوة في حماية القضايا الإسلامية.
وفي الوقت نفسه لا يمكن إغفال عنصر معنوي يرتبط بنصرة الضعفاء،
فقد كانت دعوات المظلومين ممن لاذوا بتركيا ـ هجرة من الظلم في بلادهم ـ لأردوغان
وحزبه هي سيد الموقف، ولكن تغير الحال بعد الحملة الممنهجة عليهم بعد انتخابات
الرئاسة وتغذية العنصرية ضد اللاجئين دون تحرك حاسم من الحكومة.
ويضاف إلى ذلك بروز حزب الرفاه وتفتت أصوات الإسلاميين وموقف حزب
السعادة المعارض على الدوام. وكذلك قدرة حزب الشعب الجمهوري على الحشد الإعلاني
والتكتلات الخفية.
إنه إذا كانت رسالة الشعب التركي وصلت لحزب العدالة والتنمية وما شفع
له ما قدمه من نهضة لتركيا، فإن هذا الدرس يجب أن يعيه الحزب حماية لمشروع الأمل
الذي كانت تنظر إليه جموع أمة الإسلام بأنه الخلاص والعودة تدريجيا إلى إعادة
أمجاد الإسلام، ولكن هل سيتبخر هذا الحلم ويعود حزب الشعب الجمهوري للحكم ويعود
بتركيا إلى استعباد صندوق النقد الدولي اقتصاديا، والعلمانية المتطرفة سياسيا؟!.
إن ذلك الأمر يتوقف على الخطوات العملية التي سوف يتخذها حزب العدالة
والتنمية لإصلاح هيكله وسياساته ومعالجة أسباب فشله والرجوع لهويته، وليعلم
القائمون عليه أن رضا الناس جميعا أمر يستحيل تحققه، وأن المبادئ هي التي لها
الدوام، وإذا غلبتها المصالح لن يكتب لها ولا للمصالح استقرار، والحرب خدعة ومن لا
يواجه خدعة خصمه بخدعة أذكى فلن يكتب له البقاء.