تعيش
مصر في هذه المرحلة فترة في غاية الصعوبة، ليس على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي
فحسب، بل على المستوى الأخلاقي أيضا. فإذا كان الاقتصاد يعاني رغم القناطير
المقنطرة من المليارات التي دخلت من التفريط في الأصول وبيع ثروات مصر وسيادتها،
حيث إن هذه المليارات لم تعرف طريقها لتحقيق قيمة مضافة أو تشغيل عمالة أو تحقيق
تنمية. بل زاد الطين بلة الإفراط في
الديون التي وصلت إلى حد لا يطاق حتى أصبحت مصر
رهينة لاستعباد صندوق النقد الدولي، وهو ما أدى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،
مهندس ترقيع الديون، إلى التحذير من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع
صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار، إذا لم تأخذ المؤسسات
الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجهها البلاد.
وهذا
الكلام جاء متأخرا، وكم حذرنا أكثر من مرة هنا من الركون لصندوق النقد الدولي
وتبعات ذلك المضرة بالسيادة الوطنية والحماية الاجتماعية وعملية التنمية بصفة عامة.
إن
مصر للأسف الشديد لم تشبع حكوماتها من خفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى
وتعويم الجنيه وبيع الأصول تحقيقا لروشتة الصندوق، ولن يتوقف هذا الأمر فالتعويم
الجديد على الأبواب، ورفع الدعم مستمر، وكل ذلك في ظل مجتمع أكله الفقر، وأوشك
الناس أن يخلعوا ملابسهم من قهر الجوع والحاجة.
مصر للأسف الشديد لم تشبع حكوماتها من خفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى وتعويم الجنيه وبيع الأصول تحقيقا لروشتة الصندوق، ولن يتوقف هذا الأمر فالتعويم الجديد على الأبواب، ورفع الدعم مستمر، وكل ذلك في ظل مجتمع أكله الفقر، وأوشك الناس أن يخلعوا ملابسهم من قهر الجوع والحاجة
وإذا
كانت هذه خلاصة المشهد الاقتصادي، فإن سياسة الحكومة ارتدت بمصر قلب العروبة
والإسلام إلى أسفل سافلين، فيشهد الماضي أن بمصر وجيشها عز الله الإسلام
والمسلمين، وليس ما حدث بموقعة عين جالوت عن قارئ التاريخ ببعيد، بل ليس للمعاصرين
منا ما حدث في حرب العاشر من رمضان- السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عنا كذلك ببعيد!
ولكن
اليوم النظام المصري مهّد لصفقة القرن والقضاء على قضية المسلمين الأولى وهي تحرير
المسجد الأقصى الأسير، من خلال مرحلة سابقة بهدم الأنفاق وهدم رفح المصرية، لقطع
أواصر التواصل مع رفح الفلسطينية وإحكام الحصار على
غزة، وتعزيز العلاقات
الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، فخمس موانئ مصرية، هي العريش وبورسعيد ودمياط وأبو
قير والإسكندرية، تُستخدم لنقل السلع من مصر إلى الكيان الصهيوني بصورة نشطة.
ولم
يتوقف الأمر على ذلك، بل جاءت فضيحة السفينة كاترين التي كانت تحمل متفجرات إلى
الكيان الصهيوني ليقتل بها إخواننا في غزة ولبنان، وكانت تحمل علم ألمانيا، ورفضت
موانئ عدة دول استقبالها، ورست في ميناء الإسكندرية، وأفرغت حمولتها به، ثم تم
نقلها عبر سفينة أخرى إلى ميناء أشدود في الكيان الصهيوني. وجاءت بيانات مضطربة من
الحكومة ما بين نفي لتلك الفضيحة من ناحية، ومن ناحية أخرى ادعاء أن هذه الشحنة
كانت لصالح القوات المسلحة المصرية، ولكن ما فضح الأمر هو خط سير تتبع السفينة
الملاحي الذي انتهى بها إلى ميناء أشدود الصهيوني.
ثم
جاءت فضيحة أخرى حيث عبرت مدمرة
إسرائيلية تحمل العلمين المصري والإسرائيلي قناة السويس،
في اتجاه البحر الأحمر لتضرب أهل اليمن، وخرجت علينا هيئة قناة السويس لتعلن أنه
"ردا على ما تم تداوله من تساؤلات على بعض منصات التواصل الاجتماعي حول قيام
هيئة قناة السويس بالسماح بعبور السفن الحربية للقناة، سواء كانت سفنا تجارية أو
حربية دون تمييز لجنسية السفينة وذلك اتساقا مع بنود اتفاقية القسطنطينية التي
تشكل ضمانة أساسية للحفاظ على مكانة القناة كأهم ممر بحري في العالم. وتوضح هيئة
قناة السويس أن عبور السفن الحربية لقناة السويس يخضع لإجراءات خاصة. جدير
بالإشارة، أن اتفاقية القسطنطينية التي وقعت عام 1888م رسمت منذ ذلك الوقت الملامح
الأساسية لطبيعة التعامل الدولي لقناة السويس حيث حفظت حق جميع الدول في الاستفادة
من هذا المرفق العالمي، والتي عبرت عنها الاتفاقية في مادتها الأولى بالنص على: أن
تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرة ومفتوحة سواء في وقت الحرب أو في وقت
السلم، لكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز لجنسيتها".
وقد
نسي أو تناسي صاحب بيان العار هذا ومن سار على تبنيه من الصحفيين سدنة النظام؛ أن
هذه الاتفاقية تمت إبان الخلافة العثمانية التي كانت مصر إحدى ولايتها، وأن هذه
الخلافة لا وجود لها، كما أنه يحق لمصر وفقا لهده الاتفاقية أن تمنع مرور سفن
حربية من قناة السويس إذا كانت السفينة تابعة لدولة في حالة حرب مباشرة مع مصر، أو
تحمل السفينة بعض المواد الخطرة التي تهدد الأمن والسلامة، أو تمثل السفينة تهديدا
مباشرا على الأمن القومي المصري. وهل هناك تهديد لمصر أكثر من الكيان الصهيوني
نفسه الذي احتل محور فيلادلفيا ومعبر رفح دون اعتبار للسيادة المصرية، وأقام محرقة
منذ أكثر من عام لإخواننا في غزة؟!
ثم
لماذا لم يتم تطبيق اتفاقية القسطنطينية هذه على عبور السفن القطرية إبان الحصار
الظالم على قطر، ومنعت هيئة قناة السويس السفن القطرية من المرور أو الدخول إلى موانئ
الهيئة، مبررة ذلك بأنها مياه إقليمية تقع تحت سيطرة الحكومة المصرية؟!
كما
أن مصر ملزمة باتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وقعتها كدولة مستقلة في
الخمسينيات من القرن الماضي، والتي تنص على أنه "تعتبر الدول المتعاقدة كل
اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا،
ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر
إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة
جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة
لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما".
إنني
كمصري أخجل مما أراه من عمل ظالم مشين وقبيح، وأبرأ إلى الله من هذا السلوك الذي
نتاجه التآمري قتل أشرف أهل الأرض الذين يدافعون عن مسرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وما بعد هذا التآمر سوى تبعات النهايات للمتآمرين، فمن خذل مسلما خذله الله
في الدنيا والآخرة، وهذه سنة الله التي يكتبها التاريخ، ولو كان الخائن ابن
العلقمي حيا بينهم لخجل من سلوكهم.
x.com/drdawaba