تعيش
تركيا هذه الأيام أجواء
الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية
الشهر، وسط انشغال الأحزاب المؤيدة للحكومة والمعارضة لها بحملاتها الانتخابية
وبرامج التعريف بمرشحيها ووعودهم للناخبين، من أجل الحصول على أكبر نسبة ممكنة من الأصوات،
إلا أن الحكومة تستعد للتركيز على ملفات هامة بعد التفرغ من انشغالات الانتخابات.
الملف الأهم في أجندة الحكومة هو مكافحة حزب
العمال الكردستاني الذي يسعى
إلى إقامة دولة على أراضي الشمال السوري. وكانت تركيا قامت بعدة عمليات عسكرية
لقطع الطريق على مشروع المنظمة الإرهابية الانفصالية، ولإقامة منطقة آمنة على
الشريط الحدودي، إلا أن استكمال الجهود التركية تمت عرقلته من قبل الولايات
المتحدة وروسيا.
الحكومة ستواصل مكافحة حزب العمال الكردستاني وامتداداته في سوريا والعراق، بغض النظر عن العقبات التي تعترضها، مؤكدا عزم تركيا على المضي قدما في إنشاء مشروع حزام أمني بعمق 30-40 كم على حدودها مع سوريا
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، ذكر في كلمته مساء الاثنين، عقب
اجتماع الحكومة في المجمع الرئاسي في أنقرة، أن الحكومة ستواصل مكافحة حزب العمال
الكردستاني وامتداداته في سوريا والعراق، بغض النظر عن العقبات التي تعترضها،
مؤكدا عزم تركيا على المضي قدما في إنشاء مشروع حزام أمني بعمق 30-40 كم على
حدودها مع سوريا.
كلمة أردوغان احتوت أيضا على تلميحات تشير إلى عمليات عسكرية جديدة يستعد
الجيش التركي للقيام بها في العراق وسوريا. وأبرز تلك التلميحات ما ذكره حول
"تحضيرات ستجلب كوابيس جديدة لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تركيع تركيا
عبر إقامة كيان إرهابي على حدودها الجنوبية"، بالإضافة إلى تأكيده أن تركيا
أوشكت على إتمام الطوق الذي سيؤمن حدودها مع العراق، مضيفا أنها ستكمل ذاك الطوق
خلال الصيف القادم.
تشديد أردوغان على أن تركيا عازمة على استكمال إنشاء الحزام الأمني عبر
خطوات جديدة لسد الثغرات، إلى جانب دعوته إلى احترام هذه الاستراتيجية، يشير إلى
أن أنقرة ستسعى إلى تجاوز العراقيل التي تضعها كل من الولايات المتحدة وروسيا أمام
عمليات عسكرية جديدة في شمالي سوريا. ومن المؤكد أن هذا الملف سيكون على الطاولة
خلال الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لواشنطن في 7 و8
آذار/ مارس الجاري، تلبية لدعوة نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن. كما أن هناك زيارة
مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا، سبق أن تم تأجيلها إلى ما بعد
الانتخابات الرئاسية الروسية والانتخابات المحلية التركية.
العلاقات التركية الأمريكية بدأت تتحسن في الآونة الأخيرة، بعد موافقة
أنقرة على ملف انضمام السويد إلى حلف شمالي الأطلسي، وإعطاء الكونغرس الأمريكي
الضوء الأخضر لبيع طائرات أف-16 إلى تركيا، إلا أن الأيام القادمة هي التي ستكشف
مدى استجابة واشنطن وموسكو لدعوة الرئيس التركي إلى احترام الجميع لاستراتيجية
بلاده الأمنية.
هناك مشكلة أخرى في العراق تتفاقم يوما بعد يوم، ويتوقع أن يكون حلها من
أولويات الحكومة التركية بعد الانتخابات المحلية. وهي العلاقات بين حزب عائلة طالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، وحزب العمال
الكردستاني، واحتضان الأول لقادة الثاني وعناصره ودعم أنشطته وفعالياته. وعلى
الرغم من تحذير أنقرة من مغبة تحالفه مع المنظمة الإرهابية، يبدو بافل طالباني
مصرا على مواصلة هذا التحالف، والاحتفاظ بعلاقات حزبه مع حزب العمال الكردستاني.
وأكد طالباني، الاثنين، في تصريحاته بملتقى الرافدين للحوار في العاصمة
العراقية بغداد، أن "حزب العمال الكردستاني ليس عدوا" لهم، معترفا بأن لديهم
علاقات مع المنظمة الإرهابية، كما وصف إيران بــ"شريك جيد للعراقيين على
الصعيدين السياسي والاقتصادي"، داعيا الولايات المتحدة إلى استيعاب
"الشراكة الجيدة" بين إيران والعراق.
تحالف الجمهور الذي تشكله الأحزاب المؤيدة للحكومة يسعى إلى تعزيز شعبيته، واستعادة بلديات من أيدي المعارضة في هذه الانتخابات، على رأسها بلدية إسطنبول. ومن المؤكد أن نجاحه في 31آذار/ مارس الجاري، سيمنح الحكومة التركية دفعة معنوية وفرصة ثمينة للتركيز على مكافحة حزب العمال الكردستاني، وإفشال مشاريعه في سوريا والعراق
طالباني يسعى إلى تعزيز نفوذ عائلته في العراق وسوريا أمام غريمها، عائلة بارزاني،
من خلال التحالف مع حزب العمال الكردستاني، بإشراف الولايات المتحدة ودعم إيران.
كما يحلم بأن يسجِّله التاريخ كــ"زعيم نجح في توحيد الأكراد في سوريا
والعراق". إلا أنه قد يدفع ثمن هذا الحلم غاليا، إن لم يستيقظ من أحلامه
الوردية لينهي تحالفه مع المنظمة الإرهابية الانفصالية التي تستهدف أمن تركيا
واستقرارها ووحدة ترابها.
تركيا سبق أن حذرت بافل طالباني أكثر من مرة عبر شقيقه، قباد طالباني،
وطلبت منه أن يتراجع عن دعم المنظمة الإرهابية. وفرضت عقوبات على السليمانية بعد
أن تجاهل بافل طالباني تحذيراتها، أبرزها إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات من وإلى
مطار السليمانية الدولي، كما تواصل الطائرات المسيرة التركية استهداف قادة حزب
العمال الكردستاني وعناصره في معقل عائلة طالباني. وفي آخر عملية نوعية، قامت
الاستخبارات التركية بتحييد "حوسنو كومك"، أحد مسؤولي المنظمة الإرهابية
في السليمانية. ويتوقع أن تأتي من أنقرة بعد الانتخابات المحلية خطوات عقابية
إضافية لتضييق الخناق على السليمانية، إن لم يُنهِ بافل طالباني تحالفه مع حزب
العمال الكردستاني.
تحالف الجمهور الذي تشكله الأحزاب المؤيدة للحكومة يسعى إلى تعزيز شعبيته،
واستعادة
بلديات من أيدي المعارضة في هذه الانتخابات، على رأسها بلدية إسطنبول.
ومن المؤكد أن نجاحه في 31 آذار/
مارس الجاري، سيمنح الحكومة التركية دفعة معنوية وفرصة ثمينة للتركيز على مكافحة
حزب العمال الكردستاني، وإفشال مشاريعه في سوريا والعراق، في الفترة التي ستمتد من
بعد الانتخابات المحلية إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في
2028.
twitter.com/ismail_yasa