حظيت
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى
القاهرة الأسبوع المنصرم للقاء نظيره
المصري عبدالفتاح السيسي باهتمام بالغ من قبل
المتابعين والمراقبين داخل القاهرة وخارجها على اعتبار أنّها الزيارة الأوّلى
لأردوغان إلى القاهرة منذ حوالي 12 عاماً بعيد اندلاع الخلاف بين الجانبين على إثر
الانقلاب العسكري الذي جرى في يوليو عام 2013 ضد أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية
في تاريخ مصر الحديث.
وتُتَوِّج الزيارة الحالية مسار عدّة سنوات
من التقارب بين الجانبين نتيجة للتواصل بين القنوات الاستخباراتية والدبلوماسية،
والذي تسارع بدوره بعد اتفاق العلا الذي أنهى الأزمة الخليجية في عام 2021، وبعد
الزلزال المدمر الذي ضرب
تركيا العام الماضي. كما ساهمت الحرب الإسرائيلية على
غزّة منذ أكتوبر الماضي مصحوبة بعدّة تطورات إقليمية من بينها إتفاق الخط البري
الهندي الخليجي إلى أوروبا، وإتفاق أثيوبيا مع أرض الصومال للحصول على ممر دائم
الى البحر الأحمر، في تسريع عملية التقارب بين مصر وتركيا.
خلال اللقاء الذي عقد بين الجانبين، ناقش
الطرفان قضايا تتعلق بالعلاقات الثنائية وبالقضايا الإقليمية ذات الاهتمام
المشترك. على المستوى الثنائي، بحث الطرفان تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار
والتجارة وتعهدا برفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 15 مليار وإلى تعدي
سقف الاستثمارات الحالي البالغ حوالي 3 مليار دولار إلى ما هو أكبر. كما ناقشا
تعزيز التعاون في مجال الطاقة والغاز وفي المجال الثقافي والسياحي والدفاعي أيضا.
كما اتفق الجانبان على تفعيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين ليعقد جلسته
الأولى خلال زيارة يقوم بها السيسي إلى أنقرة
في أبريل المقبل لمتابعة تعزيز
العلاقات الثنائية بين البلدين.
على المستوى الإقليمي، بدا الجانب المصري
مهتما بالوضع الليبي أكثر من غيره على الرغم من إشارته إلى التطورات الإيجابية في
شرق المتوسط ومحاولة البناء عليها لتسوية الخلافات بين دول حوض المتوسط لتحقيق
التعاون بين الدول المعنية فيما يتعلّق بالإستغلال الأمثل للموارد والثروات
الطبيعية للجميع. وقد أمل الجانب المصري في التعاون مع تركيا لعقد الانتخابات
الرئاسية والتشريعية في ليبيا وتوحيد المؤسسة العسكري لتحقيق الامن والاستقرار.
كما أشارا الى فرص التعاون الموجودة للطرفين في أفريقيا من خلال تعاونهما.
وغالباً ما يُهمل المراقبون تأثير
الديناميات الثنائية على الأطراف الثالثة والعكس بالعكس، فالتطبيع التركي ـ المصري
تأثر بشكل كبير بالتفاعلات التي اطلقها اتفاق العلا والعلاقات التركية-الإماراتية
والعلاقات الإماراتية ـ الاسرائيلية، كما أثّر بدوره على على تفاعلات أخرى ذات صلة
بالعلاقات مع السعودية ومع اليونان ومع الصومال وغيرها من الدول. ومن المتوقع أن
يترك التطبيع التركي ـ المصري أثرا إيجابيا على العلاقات الثنائية كما على
المنطقة، لكن سيُنظر إليه بشكل مريب من قبل إسرائيل وبعض الاعبين الإقليميين.
وعلى الرغم من أنّ المباحثات حول العدوان
الإسرائيلي على غزّة تصدّرت جدول أعمال الطرفين التركي والمصري، إلاّ انّ ما صدر
عنهما كان دون مستوى التطورات الجارية ودون تطلعات الجانب الفلسطيني وعدد من
المراقبين. الجانبان أكّدا على ضرورة مواصلة التنسيق في إيصال المساعدات الى
الفلسطينيين، وعلى ضرورة وقف العملية العسكرية في رفح، وعلى خفض التصعيد في الضفة
الغربية، وعلى الضغط باتجاه تحقيق وقف فوري لإطلاق النار والمضي قدما في مسار حل
الدولتين.
إن التنسيق المصري ـ التركي تطور إيجابي يمكن البناء عليه، وإن كان اهتمام الجانب المصري ينصب حاليا على تطوير الشق الاقتصادي والاستثماري في العلاقات الثنائية في حين يولي الجانب التركي أولوية للجانب الخارجي المتعلق بعدد من الملفات الإقليمية دون أن يعني ذلك انه غير مهتم بالشق الثنائي
لكن موقفهما من غزّة لم يذهب أبعد من
التصريحات علماً أن أيديهما ليست مكتوفة وأنّهما إذا ما قررا الاتفاق على خطوات
معيّة أو إجراءات مشتركة بشأن العدوان الإسرائيلي على غزّة، فانّ موقفهما سيؤثر من
دون شك بالديناميات الإقليمية والدولية، لكنّ المشكلة أنّ لكل منهما حساباته في
هذا المجال، اذ بدا الجانب المصري أقل انتقادا لإسرائيل في اللقاء، وقد علّق بعض
المحللين الإسرائيليين في صحيفة هآرتس على هذا الموقف بالقول أنّ الجانب المصري لا
يتحمّل الانخراط في مواجهة كلامية مع إسرائيل نظرا لوضعه الداخلي.
ومع أنّ الجانب التركي ـ كما المصري ـ يولي
أهمّية كذلك للوضع الاقتصادي إلا أنّ ذلك لا يمنع أنقرة من إعلاء السقف في السياسة
الخارجية وإن كلامياً كما بدا في المؤتمر الصحفي الختامي. لكن في نهاية المطاف،
فان التساؤل حول عدم قدرتهما على تغيير الأوضاع تجاه إسرائيل انما يرتبط بشكل
أساسي بمدى توافر الإرادة السياسية على خوض مواجهة، والأهم من ذلك مدى توافر
القدرة علة تحمّل النتائج والتبعات التي قد تنجم عن موقف أو إجراءات مشتركة ضد
إسرائيل التي تتمتع بحصانة دولية غير مسبوقة وبدعم غير مشروط من قبل الولايات
المتحدة وبعض القوى الاستعمارية السابقة كألمانيا وبريطانيا وبشكل لم يسبق له مثيل
أيضا.
في جميع الأحوال، فإن التنسيق المصري ـ
التركي تطور إيجابي يمكن البناء عليه، وإن كان اهتمام الجانب المصري ينصب حاليا
على تطوير الشق الاقتصادي والاستثماري في العلاقات الثنائية في حين يولي الجانب
التركي أولوية للجانب الخارجي المتعلق بعدد من الملفات الإقليمية دون أن يعني ذلك
انه غير مهتم بالشق الثنائي، وإنما أنه يرى أن حل هذه الملفات سيساعد حكما على
تحسين الوضع الداخلي للطرفين وعلى توثيق العلاقة بشكل أكبر وأسرع. يبقى السؤال
المتعلق بمدى رغبة الجانب المصري في إعطاء مساحة لتركيا كموطئ قدم لأنقرة للعب دور
أكبر في الملف الفلسطيني، ولأي مدى قد يرغب في إشراك الجانب التركي في جهود ثنائية
حول القضية الفلسطينية، قائما.