نشرت مجلة "
فورين بوليسي"، مقالا لمدير برنامج الاستراتيجية والعقيدة في مشروع القوات الجوية التابع لمؤسسة راند، رافائيل كوهين، قال فيه؛ إن "إدارة الرئيس الأمريكي جو
بايدن، حاولت منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، اتباع نهج دقيق: دعم حرب إسرائيل ضد حماس في
غزة، مع الضغط على إسرائيل لتخفيف الخسائر الإنسانية الناجمة عن عملياتها، وأخذ المظالم السياسية المشروعة للفلسطينيين على محمل الجد".
وأضاف في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن "اتباع هذا الخط كان مسعى صعبا، واليوم، حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة يدعون إلى وقف فوري لإطلاق النار من شأنه أن يضع حدّا للعمليات الإسرائيلية في غزة. وفي الداخل، يواجه البيت الأبيض ضغوطا متزايدة من الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، وأجزاء من القاعدة الديمقراطية لتغيير تكتيكاته الحالية في التعامل مع إسرائيل".
وأردف: "مع ذلك، فإن ما تفهمه إدارة بايدن ــ وما يغفل عنه العديد من منتقدي إسرائيل ــ، هو أن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يملي حلا للحرب بين إسرائيل وحماس بالأوامر. إذا كان المجتمع الدولي يريد من إسرائيل أن تغير استراتيجياتها في غزة، فيتعين عليها أن تقدم استراتيجية بديلة قابلة للتطبيق لهدف إسرائيل المعلن المتمثل في تدمير حماس في القطاع. وفي الوقت الحالي، ببساطة لا يوجد تلك الاستراتيجية البديلة".
وذكر أن هناك "منطقا وحشيا لتصرفات إسرائيل في غزة. ووفقا لتقديراتها الخاصة، دمرت إسرائيل ثلاثة أرباع كتائب حماس، وقتلت اثنين من قادة الألوية الخمسة، و19 من قادة الكتائب الأربعة والعشرين، وأكثر من خمسين من قادة الفصائل، و12 ألفا من جنود المشاة التابعين لحماس البالغ عددهم ثلاثين ألفا. تقديرات الاستخبارات الأمريكية أقل، ولكن ليس كثيرا: تشير التقديرات إلى أن ما بين 20 إلى 30% من مقاتلي حماس و20 إلى 40% من أنفاقها، قد تم تدميرها حتى منتصف كانون الثاني/ يناير. ومن الجدير بالذكر أيضا أن تنظيم حماس يشبه الجيش التقليدي. وكقاعدة عامة، تعد القوات التقليدية غير فعالة قتاليا عندما تفقد أكثر من 30% من قوتها، ويتم تدميرها عندما تفقد 50%"، حسب ما ورد في المقال.
وتابع الكاتب قائلا: "حتى لو لم تقض إسرائيل على حماس بالكامل، بل نجحت فقط في إخراجها من السلطة والعمل تحت الأرض، من وجهة نظر إسرائيل، فإن ذلك لا يزال يمثل انتصارا - حتى لو كان أقل بكثير من هدفها المتمثل في تدمير المجموعة؛ لأن القيام بذلك من المرجح أن يكون كافيا لمنع حماس من شن هجوم معقد آخر قوامه 3000 رجل، مثل ذلك الذي شهدته إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وأخيرا، يجدر بنا أن نتذكر أن الأمر استغرق من الولايات المتحدة عدة سنوات لهزيمة تنظيم الدولة. لقد مضت إسرائيل ما يزيد قليلا عن خمسة أشهر على ما وعد قادتها بأن تكون حربا طويلة جدا".
وأشار إلى أن "أن النهج الإسرائيلي لا يخلو من عيوب خطيرة دون شك. ومن شأن هذه الحرب أن تشجع التطرف على المدى الطويل بين السكان الفلسطينيين، وتلحق الضرر بعلاقة إسرائيل مع جيرانها العرب، وتلطخ سمعة إسرائيل العالمية بطريقة خطيرة للغاية. ومع ذلك، فإن الدول والسياسة تعيش الحاضر".
و"في الوقت نفسه، فشل منتقدو إسرائيل ــ وما زالوا يفشلون ــ في تقديم طريق بديل متماسك للمضي قدما. وبدلا من ذلك، في أغلب الأحيان، هناك إشارات غامضة للحاجة إلى الحل السياسي غير المحدد للصراع. وبقدر ما يكون هناك تماسك في هذه الاستراتيجية البديلة، فإنها تدور حول استخدام التهديد بالعزلة الدبلوماسية، إلى جانب التهديدات الاقتصادية التي قد تجبر إسرائيل على الموافقة على "وقف فوري لإطلاق النار". ومن شأن وقف إطلاق النار هذا بدوره أن يمهد الطريق لتسوية سياسية طويلة الأمد، على الأرجح حول حل الدولتين، سواء تم حل المشكلة أم لم يتم"، حسب المقال.
ورأى الكاتب أنه "من غير المرجح أن تجبر الضغوط والعقوبات الدولية إسرائيل على تقديم تنازلات. يدرك الإسرائيليون، من القيادة فصاعدا، تمام الإدراك أن بلادهم ولدت من رماد المحرقة، لتكون ملاذا آمنا لليهود بعد آلاف السنين من الاضطهاد. ثم أمضت إسرائيل ربع قرنها الأول في القتال من أجل وجودها ذاته. إن فكرة وقوف العالم ضد إسرائيل متأصلة بعمق في الحمض النووي الجماعي للأمة، وهتافات من النهر إلى البحر، إلى جانب تصاعد معاداة السامية العالمية، تضمن فقط بقاء هذه المخاوف حية إلى حد كبير اليوم".
وأضاف أنه "من غير المرجح أن تنجح الضغوط الاقتصادية، مثل فرض عقوبات على المستوطنين أو تقييد المساعدات العسكرية. بشكل عام، تتمتع العقوبات بسجل ضعيف في إجبار الدول على التخلي عن مصالح الأمن القومي الأساسية. وبالنظر إلى هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإن هذه الحرب لا تعدو كونها مصلحة أمنية قومية أساسية لإسرائيل. وحتى لو نجحت الضغوط في البداية، فلكي يكون الحل السياسي مستداما، يتعين على الإسرائيليين أن يوافقوا عليه طوعا، لا أن يتم الضغط عليهم من أجل قبوله".
وتابع: "لكن دعونا نقول فقط جدلا؛ إن إسرائيل خضعت للضغوط الخارجية ووافقت على وقف فوري لإطلاق النار. كيف سيبدو اليوم التالي؟ وسوف يُترك لحماس – كما تعترف إسرائيل وحماس – بقوة عسكرية كبيرة، يصل عددها إلى الآلاف. ستحتاج إسرائيل بعد ذلك إلى الدخول في صفقة أخرى غير متوازنة للغاية لتحرير الرهائن المتبقين. وفي أوائل شباط/ فبراير، طالبت حماس بإطلاق سراح 1500 سجين من السجون الإسرائيلية، بما في ذلك 500 سجين على الأقل يقضون عقوبة السجن المؤبد، مقابل إطلاق سراح الرهائن".
"لذا، على الأقل، سوف تتضخم صفوف المجموعة قريبا. ومن المؤكد أن بعض المفرج عنهم سيكونون خطيرين للغاية. ففي نهاية المطاف، تم إطلاق سراح يحيى السنوار – زعيم حماس في غزة والعقل المدبر المزعوم لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر – من سجن إسرائيلي، حيث كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل، في صفقة تبادل 1027 سجينا مقابل إسرائيلي أسير في عام 2011. الجندي جلعاد شاليط. لا يبشر أي من هذا التاريخ الحديث بالخير بشكل خاص بالنسبة للسلام طويل الأمد"، حسب المقال.
وقال الكاتب؛ إنه "في أغلب الظن، سوف ترد إسرائيل على وقف إطلاق النار من خلال تشديد حصارها على غزة، مستشهدة باستمرار وجود حماس؛ باعتباره أحد الأسباب للقيام بذلك. وعلى وجه الخصوص، من المرجح أن تضع إسرائيل قيودا صارمة على كميات وأنواع مواد البناء المسموح بدخولها إلى القطاع، فقد قامت حماس بتحويل ما يقدر بنحو 1800 طن من الفولاذ وستة آلاف طن من الخرسانة لبناء شبكات أنفاقها، ولا ترغب إسرائيل في إعادة بنائها. وستكون النتيجة النهائية هي أن عملية إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها، سوف تتأخر بشدة أو حتى تتوقف".
وشدد على أن القتال لن يتوقف أيضا. خوفا من أن تفي حماس بوعدها بتكرار هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر "مرارا وتكرارا"، ستكثف إسرائيل ضرباتها الاستباقية على غزة والضفة الغربية، خاصة عندما تشعر بأول نفحة من أن حماس ربما تخطط لهجوم. ومن ناحية أخرى، فإن حماس سوف تستمر في مهاجمة إسرائيل، ولو لمجرد تعزيز شرعيتها وتحويل الانتباه بعيدا عن الظروف الكئيبة المحتملة في غزة (ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى جهود إعادة الإعمار المحبطة). في جميع الاحتمالات، سيعود الوضع إلى حيث بدأ".
واستدرك بالقول: "ولكن، ألن يحل حل الدولتين هذا؟ على الأغلب لا. وحتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم تكن غالبية الإسرائيليين تؤمن بحل الدولتين، أو حتى بأن السلام ممكن. ومن المرجح أن يكون هناك عدد أقل من الذين يعتقدون ذلك الآن، وخاصة إذا كانت الدولة الفلسطينية ستضم حماس بشكل أو بآخر. ونظرا للدعم الكبير الذي تحظى به حماس بين السكان الفلسطينيين، فلسوف يكون من المستحيل سياسيا استبعاد حماس من تشكيل حكومة فلسطينية ديمقراطية جديدة. وحتى لو كانت حكومة الدولة الجديدة أقل ديمقراطية، فإنها ستواجه صعوبة في استبعاد حماس بالكامل -حتى لو أرادت ذلك- إذا كانت الجماعة لا تزال تحتفظ بآلاف من الرجال المسلحين".
و"لكن حتى لو افترضنا أن الضغوط الدولية الساحقة أجبرت إسرائيل على الموافقة على حل الدولتين، فإنها لن تضمن السلام على المدى القصير أو المتوسط. ولا تزال هناك مجموعة من القضايا الشائكة ــ بما في ذلك الحدود، وحقوق المياه، وحقوق الجو، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، وتقسيم القدس ــ التي تحتاج إلى حل قبل أن تتمكن الدولة الثانية من الظهور. ثم هناك المشكلة المتمثلة في أن ثلث الفلسطينيين فقط يفضلون حل الدولتين، وتسعة من كل عشرة لا يثقون بالسلطة الفلسطينية"، وفقا لكاتب المقال.
وقال الكاتب: "إذا تم التوصل إلى حل الدولتين، فقد لا يضع حدا للأعمال العدائية. ولم تحل الدولتان الأعمال العدائية بين الهند وباكستان، أو كوريا الشمالية والجنوبية، أو فيتنام الشمالية والجنوبية. لن تكون إسرائيل ملزمة بمنح الفلسطينيين - الذين أصبحوا الآن مواطنين في دولة منفصلة - تصاريح عمل، الأمر الذي من شأنه أن يدمر اقتصاد الدولة الوليدة، تماما كما لن تضطر إلى توفير الكهرباء والخدمات الأخرى لغزة، كما فعلت من قبل. الحرب. وفي الوقت نفسه، قد يتساءل الفلسطينيون عن حق لماذا ينبغي لدولتهم أن تكون منزوعة السلاح، ولا يحق لها التمتع بالامتيازات السيادية التي تتمتع بها الدولة الطبيعية. وربما سيظل هناك مستوطنون يهود يعيشون على أراضي فلسطين الجديدة، مما يخلق كل أنواع المشاكل. وفي غياب المشاركة الحقيقية من الجانبين، فإن حل الدولتين من شأنه ببساطة أن يحول الصراع المحلي إلى صراع دولي".
وأضاف أن "هناك الكثير مما يستحق الكراهية بشأن حرب إسرائيل في غزة. إنها حرب دموية ومدمرة قتلت عددا كبيرا جدا من الأبرياء وقلبت حياة عدد كبير جدا من المدنيين رأسا على عقب. إنها بكل المقاييس مأساة إنسانية سوف يتردد صداها في جميع أنحاء المنطقة لسنوات قادمة. ولكن إذا لم يكن المجتمع الدولي يكتفي بالاستعراض ويأمل حقا في حل المأساة الجارية في غزة، فيتعين عليه أن يبدأ بتقديم الحلول الممكنة التي تعالج المظالم الفلسطينية والمخاوف الأمنية الإسرائيلية".
وذكر أن إدارة بايدن تحاول على الأقل التحرك في هذا الاتجاه، فهي تدفع إسرائيل إلى الحد من الخسائر في صفوف المدنيين، وإقامة مناطق آمنة، وزيادة المساعدات الإنسانية، والانتقال إلى حل سياسي أطول أمدا. كل هذا، في حين لا تزال تدعم (أو على الأقل لا تعارض ظاهريا) العمليات الإسرائيلية الجارية لاجتثاث حماس. قد يسمي البعض هذا النهج المتوازن تكتيكيا بشكل مفرط وغير قادر على إنهاء الحرب بسرعة، لكن الاستراتيجية الجيدة مبنية على تكتيكات سليمة.
ولسوء الحظ وفقا للكاتب، فإن "الفوارق الدقيقة لإدارة بايدن هي الاستثناء على المستوى الدولي وفي الجدل الداخلي حول سياسة الولايات المتحدة. وكما يحتاج اليمين السياسي إلى التذكير المستمر بأن السكان الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان، وأن إسرائيل لا تستطيع أن تقتل الأبرياء لتحقيق الانتصار، كما يحتاج اليسار السياسي إلى التذكير بأن الإسرائيليين أيضا لن يذهبوا إلى أي مكان، ويجب أيضا أن تؤخذ مصالحهم على محمل الجد".
واختتم مقاله بالقول: "إذا كان منتقدو بايدن من اليسار السياسي يريدون حربا مختلفة، فعليهم تقديم استراتيجية بديلة، وإخضاع تلك الاستراتيجية لنفس النوع من الدقة التحليلية التي تدربها على الجهد العسكري الإسرائيلي الحالي. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن المنطق الوحشي للحرب الحالية سيبقى قائما، وستستمر المأساة".