نشرت صحيفة "
بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الهجمات الجوية الأمريكية في
العراق وسوريا والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شبح حروب الخليج يلوح من جديد في الشرق الأوسط. شرعت إدارة بايدن في هجوم واسع النطاق بقصف ما يقارب مائة هدف مؤيد لإيران والقوات شبه العسكرية الإيرانية العاملة في العراق وسوريا، ما جعل الولايات المتحدة وإيران قاب قوسين أو أدنى من المواجهة المباشرة.
وبينت الصحيفة أن سلسلة التفجيرات التي وقعت من ليلة الجمعة إلى السبت مثّلت رد البيت الأبيض على الهجوم الذي تم تنفيذه يوم الأحد الماضي بطائرة دون طيار ضد موقع للجيش الأمريكي في الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 40 آخرين. وكانت هذه أكبر خسارة في الأرواح البشرية تتكبدها الولايات المتحدة في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن قبل كل شيء، شكل ذلك تحديا من جانب الميليشيات الموالية لإيران للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل من خلال انتشارها البحري في الشرق الأوسط، بقدرة قتالية تفوق قدرة معظم دول المنطقة.
"رسالة ردع لإيران"
أوردت الصحيفة أن هذا الانتشار الأمريكي وقصف الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، الذين يهددون الملاحة في البحر الأحمر، والهجمات التي وقعت يوم الجمعة ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، تهدف إلى إرسال رسالة ردع إلى طهران، الخصم الرئيسي لتل أبيب وواشنطن في المنطقة.
وذكرت أنه في الحرب الإسرائيلية ضد حماس، لم يقتصر قصف "إسرائيل" على قطاع
غزة في محاولة للقضاء على حماس، فخلال الأشهر الأربعة الماضية تقريبا من الحرب، تعرضت مواقع حزب الله - أقوى ميليشيا موالية لإيران في الشرق الأوسط، وهي أيضا حليفة لحركة حماس الفلسطينية - للقصف في
سوريا ولبنان.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وفقا للتقرير، ففي بيروت ودمشق، لجأت "إسرائيل" إلى إرهاب الدولة للقضاء على قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهي منظمة إيرانية شبه عسكرية تروّج لمذاهب طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتموّل الميليشيات التي تنضوي تحت ما يسمى محور المقاومة ضد تل أبيب وواشنطن. وشملت الأهداف الـ 85 التي قصفتها الولايات المتحدة يوم الجمعة في سوريا والعراق قواعد للحرس الثوري الإيراني في المناطق التي تسيطر عليها القوات الشيعية المتحالفة مع نظام طهران.
وفي بيان أصدره البيت الأبيض، أوضح الرئيس جو بايدن أن هذا الانتقام لم يبدأ للتو وأنه سيستمر "في الزمان والمكان" الذي تقرره الولايات المتحدة طالما كان ذلك ضروريا. وحسب مصادر عسكرية عراقية، قُتل ما لا يقل عن 16 من عناصر الميليشيات الموالية لإيران في العراق جراء تلك التفجيرات. وقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، مقتل 23 عنصرا من هذه الميليشيات المتحالفة مع طهران في سوريا، خاصة في محافظة دير الزور.
ومن جانبه، أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إلى أنه تم تحذير الحكومة العراقية من وقوع الهجمات التي استهدفت مراكز القيادة وصوامع الصواريخ وغيرها من المنشآت اللوجستية. في المقابل، نفت السلطات العراقية حدوث مثل هذا التنسيق.
على حافة الهاوية
ذكرت الصحيفة أن الجيش العراقي حذر من أن مثل هذه الهجمات ستقود الشرق الأوسط إلى كارثة. وأعادت هذه الهجمات إلى الأذهان الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة في العراق في 1990-1991 وفي 2003-2011. في ذلك الوقت، هاجمت واشنطن، متجاهلة القانون الدولي والسيادة العراقية، نظام صدام حسين حتى تمكنت من الإطاحة به وإعدام هذا الزعيم العربي، في حين دخل العراق في حالة من الفوضى منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العراقية يحيى رسول، إن "هذه الهجمات تعد انتهاكا للسيادة العراقية وتقوّض جهود حكومتنا وتمثّل تهديدًا سيجر العراق والمنطقة إلى عواقب غير متوقعة ستكون تداعياتها كارثية".
وحسب المتحدث باسم الحكومة العراقية بسام العوادي، فإن العمل العسكري الأمريكي "يضع الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية". وانتقد العوادي المعايير الأمريكية المزدوجة التي تتحدث عن ضرورة "إرساء الاستقرار اللازم"، مع اللجوء إلى استخدام القوة وانتهاك أراضي الدول ذات السيادة لضمان هذا "الاستقرار".
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجمات الأمريكية أتاحت لواشنطن إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تغادر أبدا الشرق الأوسط، وذلك رغم فشلها في تهدئة العراق وعجزها عن إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دعمته روسيا حتى الآن. وقد أدانت موسكو الهجوم الأمريكي وطالبت بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية "انتهاك سيادة" سوريا بهذه الأعمال الحربية، التي أكدت أنها "ستغذي الصراع في الشرق الأوسط بطريقة خطيرة للغاية".
إيران ترد بهدوء
ردّت إيران، وإن كان باعتدال نسبي، معتبرة أن الهجمات كانت بمثابة تحذير مباشر لطهران. واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الولايات المتحدة بالسعي إلى "تصعيد التوتر" وتعزيز عدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الدفاع عن أهداف إسرائيل. وأضاف أن الهجمات في العراق وسوريا، مع انتهاكها للسيادة الإقليمية لهذه الدول، "مثال آخر على المغامرة والخطأ الاستراتيجي" من قبل البيت الأبيض.
وقد أظهرت إيران قدرًا معينًا من ضبط النفس في أزمة الشرق الأوسط الجديدة هذه. ونفت طهران مشاركتها في هجوم حماس في الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأدانت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في غزة، كما رفضت ارتباطها بالهجمات التي شنها المتمردون اليمنيون ضد سفن الشحن في البحر الأحمر.
مع ذلك، لم يكن هناك أي تحرك عسكري إيراني ملموس لدعم ميليشياتها أو حلفائها في العراق أو سوريا أو لبنان. ولم يؤد اغتيال كبار قادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان إلى رد فعل إيراني عنيف. ففي هذا الوقت، الأمر الأقل ملاءمة لنظام آية الله هو المواجهة المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وضع "متفجر" في الشرق الأوسط
يبدو أن التحذيرات بشأن تصعيد الحرب الإقليمية التي لا يمكن وقفها بالفعل، لم تأت فقط من الدول المعنية. قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في بروكسل، إنه "على الجميع أن يحاولوا منع الوضع في المنطقة من أن يصبح متفجرا"، في إشارة إلى القصف الأمريكي في العراق وسوريا، وأيضا إلى الهجوم الذي شنته إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي على مدينة رفح جنوب غزة وعلى الحدود مع مصر.
هناك، أطلق الجيش الإسرائيلي العنان لموجة من الهجمات، على الرغم من حقيقة أن رفح والمناطق المحيطة بها تستضيف مخيمات مكتظة بمئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في ظروف غير إنسانية، ويحاصرهم التقدم الإسرائيلي.
وقال بوريل إن "الوضع خطير للغاية". وأوضح أن الجيش الإسرائيلي يواصل هجومه في جنوب غزة "ويدفع الناس نحو الحدود المصرية" حيث يتواجد نحو مليون شخص. ووعدت إسرائيل بإقامة "منطقة آمنة" في الطرف الجنوبي من غزة، "لكن ما نراه في الواقع هو أن القصف مستمر، مما يؤثر على السكان المدنيين".
إلى أي مدى ستدفع الولايات المتحدة؟
أشارت الصحيفة، إلى أن تدخل واشنطن المتجدد في الشرق الأوسط واحتمال نشوب حرب جديدة واسعة النطاق في المنطقة قد يكون له حدود تفرضها السياسة الأمريكية نفسها. في الولايات المتحدة، ترتفع حدة الأصوات المنتقدة لسياسة بايدن الخارجية وتورطه في حربين كانت لهما عواقب غير متوقعة في أقل من عامين. وها هي الانتخابات الرئاسية تلوح في الأفق في تشرين الثاني/نوفمبر.
مع ذلك، لا يبدو أن الكثيرين في الكونغرس يفضلون خيار الحرب المفتوحة مع إيران، لأن ذلك يعني تخصيص الأسلحة، والمال، وقبل كل شيء مئات الآلاف من الجنود على الأرض. وإيران ليست دولة غير منظمة، حيث تنتشر ميليشيات المعارضة في كل مكان، كما حدث في العراق سنة 2003. كما أنها ليست دولة معزولة، حيث راهنت روسيا والصين بشكل كبير على تعزيز علاقاتهما مع طهران، وفقا للتقرير.
ونبهت الصحيفة، إلى أن خطر نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي هو الأعلى منذ عقد من الزمن. وأي خطأ يمكن أن يكون الشرارة التي تشعل برميل البارود، وهذا ما تعرفه الميليشيات الإسلامية المتحالفة مع طهران، بنفس الطريقة التي عرفت بها حماس أن إسرائيل سترد بطريقة وحشية وغير متناسبة على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وعندما تتزايد الضغوط من جانب الأصوليين، يكون الوقت قد حان لضبط النفس. ولكن تكمن المشكلة في أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تتمتعان بالمهارة الكافية لاحتواء هذا الخطر.