مقالات مختارة

سقوط نظام الأسد… وإرهاصات نظام شرق أوسطي جديد؟

الأناضول
بدأ بشار الأسد حكمه الدموي باستخفاف كلي بالشعب السوري، بتعديل مجلس الشعب الدستور خلال دقائق ليتطابق مع سنه حينها. لم يعرف جيلان من الشعب السوري، حوالي 75 في المئة من الشعب سوى حكم البعث تحت حكم الوالد والولد، وقد تسبب حكمهما وخاصة بعد عسكرة الثورة السورية منذ عام 2011 ـ حسب إحصائيات الأمم المتحدة_ بقتل أكثر من 600 ألف مدني، وإجبار 6 ملايين سوري على اللجوء للخارج، وأكثر من 7 ملايين سوري إلى النزوح داخل سوريا، بعد تدخل إيران ومليشياتها الطائفية منذ عام 2013، وخاصة حزب الله والمليشيات العراقية ومليشيات فاطميون وزينبيون الشيعية الباكستانية والأفغانية، وأعقب ذلك تدخل روسيا في الثورة السورية منذ عام 2015،  والمساهمة بقمع الثورة وإطالة مأساة السوريين.

منح الأسد روسيا قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، موطئ قدم الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط، وأدخل روسيا لمنطقة الشرق الأوسط من بوابة سوريا.

واليوم، أولوية روسيا بعد سقوط وفرار الأسد وعائلته ومنح بوتين له اللجوء السياسي لأسباب إنسانية، الإبقاء على القاعدتين بالتفاوض مع حكم المعارضة والفصائل العسكرية المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام التي اكتسحت ونجحت بعملية «ردع العدوان» العسكرية، على مدى 11 يوما من السيطرة على مدن ومحافظات سوريا الرئيسية؛ إدلب وحلب وحماة وحمص، وفصل الشمال عن الجنوب والساحل عن البادية، حتى وصلت الفصائل إلى دمشق من ريف دمشق الشمالي، ومن ريف دمشق الجنوبي والشرقي من درعا إلى دمشق العاصمة، ودخلتها فجر الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وسبق ذلك فرار بشار الأسد وسقوط نظامه إلى الأبد. وحسب تقرير لوكالة رويترز: «خدع الأسد الجميع من كبار المسؤولين والدائرة المقرّبة منه، بمن فيهم مستشاروه وقادة الجيش».

واليوم، يبرز مأزق حقيقي حول كيفية تعامل دول المنطقة والنظام العربي وجامعة الدول العربية وحتى القوى الغربية مع الوضع الجديد، خاصة أن إدارة ترامب السابقة صنفت هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية، وصنفت واشنطن أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام الذي استخدم اسمه الحقيقي بعد سقوط نظام الأسد «أحمد حسين الشرع»، إرهابيّا منذ عام 2013.

ووضعت إدارة ترامب فدية على رأسه بقيمة 10 ملايين دولار منذ عام 2018. برغم انتقال الشرع من تنظيم القاعدة إلى تنظيم داعش، قبل أن ينشق عنها ويشكل ويقود «حركة تحرير الشام»، التي قاتلت مقاتلي القاعدة وداعش في سوريا. واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية عام 2020 هيئة تحرير الشام بارتكاب تجاوزات خطيرة، بالتعدي على «الحريات الدينية» بالقتل والخطف، وتجنيد قصّر داخل سوريا تخضع لسيطرتها.


والمعضلة اليوم، كيف تتعامل إدارة بايدن والحلفاء الأوروبيون مع أحمد الشرع وحركته المصنفة منظمة إرهابية أجنبية. والملفت، تلميحات الرئيس بايدن وإدارته ووزير الخارجية بلنكين ودول أوروبية وخاصة ألمانيا وبريطانيا، إلى إعادة النظر بتصنيف هيئة تحرير الشام والشرع.

علّق الرئيس بايدن: «وأخيرا سقط نظام الأسد»، ووصفها «باللحظة التاريخية المحفوفة بالمجهول على ما يمكن أن نشهده، لكننا سنتعامل مع القوى داخل سوريا ومع شركائنا وجيران سوريا». لكن ما يهم الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب، هو عدم عودة تنظيم داعش (شنت أمريكا بعد سقوط نظام الأسد 75 غارة على أهداف لداعش)، وتدمير أسلحة الدمار الشامل السلاح الكيمياوي والبيولوجي، وتدمير قدرات القوات المسلحة والجيش السوري.

شنت إسرائيل أكثر من 500 غارة استباقية وعدوان وحشي، ودمرت سلاح الطيران والمضادات الأرضية السورية والأسطول البحري السوري، واحتلت المنطقة العازلة في جبل الشيخ داخل الأراضي السورية، في اعتداء سافر على سيادة سوريا بعد احتلال الجولان، وخرق لاتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974. وتأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي بقاء جيشه في فصل الشتاء، برغم تأكيد نتنياهو وبلينكن أن الوجود الإسرائيلي (الاحتلال) مؤقت!

عيّن الشرع محمد البشير رئيسا لوزراء حكومة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر وتعليق الدستور والبرلمان، والعمل على صياغة دستور جديد، وبذل الشرع وفصائله جهودا واضحة ليغير الصورة النمطية عن التنظيم بربطه بالتطرف والإرهاب، برغم نجاح الفصائل السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» سياسة الاندماج، وطمأنة الأقليات العلوية والمسيحيين وأنصار وحلفاء الأسد، وأفراد وقيادات الجيش بتجنب الاعتداء والانتقام منهم بشكل ممنهج، مع التوعد بمحاكمة ومعاقبة من نكّلوا بالسوريين تحت حكم الأسد. استمرار ذلك النهج يرسّخ صورة إيجابية مطمئنة لمستقبل حكم سوريا الجديد.

لكن، هناك من يشكك بمصداقية وواقعية حكم التنظيمات المسلحة المتشددة، التي تصور بارتباطها بتنظيمات القاعدة وداعش، والسعي لإفشال الثورة وحتى خطفها بثورة مضادة!

عدّد وزير الخارجية بلينكن شروط إدارة بايدن للتعامل مع الحكم السوري الجديد: احترام حقوق الأقليات، وعدم تحول سوريا لقاعدة لأنشطة التنظيمات الإرهابية، وعدم تهديد سوريا لجيرانها (إسرائيل)، وتدمير مخزون أسلحة الدمار الشامل؛ كيمياوية وبيولوجية، وحماية الحلفاء الأكراد، وحراسة مخيمات معتقلي تنظيم داعش شمال شرق سوريا، وعدم تشكيل سوريا لجسر تنقل إيران سلاحها عبره لحزب الله في لبنان، وبقاء حوالي 900 عسكري أمريكي حول منشآت سوريا النفطية، وقد حاول الرئيس ترامب سحبهم مرتين في رئاسته الأولى.

لا شك، أحدث القضاء على نظام الأسد زلزالا سياسيا بارتدادات، وانتكاسة لروسيا وإيران، ليكون عام 2024، الأكثر كارثية على إيران ومحورها. الواضح أننا نشهد تغيرا كبيرا في موازين القوى وتغير تحالفات إقليمية، وصعود قوى وتراجع قوى أخرى، وهذا يدفع إلى تشكيل نظام شرق أوسطي جديد ومختلف؟

القدس العربي