قلبت ميرال أكشنار، زعيمة "الحزب الجيد" التركي المعارض،
الطاولة على تحالف
المعارضة عندما أعلنت رفضها الشديد لمحاولة زعيم حزب الشعب
الجمهوري، كيليتشدار أوغلو، ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك كمرشّح
موحّد عن أطراف الطاولة السداسيّة التي تسعى للإطاحة بالرئيس أردوغان.
وقالت
أكشينار في خطاب متلفز بعد الاجتماع الذي شاركت فيه لأطراف الطاولة السداسيّة يوم
أمس، إنّ حزبها قد تمّ حشره في الزاوية وإنّها لن تخضع، مضيفةً أن "الطاولة خرجت
عن مسار التفكير المشترك حيث يمكن مناقشة المرشحين المحتملين، وتحولت إلى
"كاتب عدل" للتصديق على مرشح معين".
ويعتبر هذا الموقف بمثابة زلزال شديد للمعارضة، ذلك أنّ انسحاب الحزب
الجيد من طاولة المعارضة السداسيّة، يعني انهيار حظوظها في التنافس قبل بداية
الاختبار. الحزب الجيد هو حزب ذو توجّه يميني، وهو ثاني أكبر أحزاب المعارضة بعد
الحزب الجمهوري ذي التوجه اليساري. انسحاب الحزب الجيّد من الطاولة السداسية، يعني
أنّ قدرة هذه الأحزاب على ملء الفراغ غير واردة. فالأحزاب الأربعة الأخرى، ليس ذات
وزن على المستوى الشعبي، وهي لا تستطيع أن تنافس على الرئاسة حتى لو أجمعت على دعم
مرشّح واحد.
وترى زعيمة الحزب الجيّد أنّ ترشيح كيليتشدار أوغلو لنفسه بالنيابة
عن المعارضة لخوض المعركة الانتخابية أمام أردوغان سيكون مصيره الفشل على اعتبار
أنّ الأوّل كان قد فشل في كل المواجهات التي خاضها ضد أردوغان في السابق، وعليه،
فإنّ ترشيح نفسه سيكون بمثابة خدمة لأردوغان. وانطلاقاً من التصوّر، فإنّ زعيمة
الحزب الجيّد ترى أنّه من الأفضل ألاّ يترشّح أحد من زعماء الأحزاب المعارضة، وأنّ
يُصار إلى ترشيح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور
يواش، علماً بأنّها قد أبدت تحيّزاً تجاه الأوّل خلال الأشهر القليلة الماضية.
تفضيلات أكشينار فُهم منها أيضاً أنّها تريد أن تكون بيضة القبّان
كما يقال في تحديد خيارات المعارضة، لكن بالنسبة إلى زعيم المعارضة كيليتشدار أوغلو، فإنّ هذه التفضيلات تُعدّ تدخّلاً مباشراً من زعيمة حزب في شؤون حزب آخر،
وهو ما لن يسمح به. الخلافات الداخلية هذه ألقت بظلالها على الاجتماع الأخير للطاولة السداسيّة، ولم تستطع المعارضة الخروج بمظهر موحّد، كما أنّها لم تستطع
إعلان مرشّحها بعد طول انتظار.
هذا الخلاف يعني أنّ المعارضة التركية دخلت في معادلة خاسر-خاسر مع
بعضها البعض. إذا أصر كيليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه مع خروج أكشينار من المعارضة
فسيكون وضع المعارضة وزعيم الحزب الجمهوري مزرياً، كما أنّ عودة أكشينار إلى صفوف
المعارضة مع إصرار كيليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه يعني أنّ وضع زعيمة الحزب
الجيّد سيكون ضعيفاً في أي صيغة مستقبلية. بمعنى آخر، ستكون خطوتها في الانفصال عن
المعارضة قد أتت بنتائج عكسيّة لها ولحزبها.
ونتيجة للوضع الحالي، فإن هناك انقسامات في المواقف داخل صفوف الحزب
الجيّد، لكنّ آخرين في المعارضة بشكل عام وفي حزب الشعب الجمهوري بشكل خاص يعلمون
أن ترشيح كيليتشدار أوغلو ليس خطوةً ذكيّة، وأنّ هذا الخيار قد يحسم المعركة لصالح
أردوغان حتى قبل أن تبدأ، ولذلك فهو بمثابة مغامرة كبيرة. حتى الآن، يبدو الحزب
الجمهوري متماسكاً من الناحية الشكلية على الرغم من كم الخلافات التي تعجّ فيه،
لكن إذا ما استمرت هذه الأزمة بين صفوف المعارضة، فإنها قد تنقل المعركة إلى داخل صفوف
الحزب الجمهوري نفسه.
على افتراض أنّ المعارضة نجحت في إقصاء أردوغان رغم تشرذمها وانقسامها، سنكون أمام سيناريوهين محتملين: إمّا أنّ الخلافات ستدبّ بين أقطابها بسبب خيار العوامل المشتركة، وهذا يعني الفشل الأكيد في إدارة البلاد، وأمّا أنّ هذه الأقطاب ستتّفق على صيغة لاقتسام السلطة، أي معادلة محاصصة شبيهة بما يجري في الدول الفاشلة في جوار تركيا.
تصريحات أردوغان الأخيرة حول تمسّكه بموعد الانتخابات في مايو المقبل
خلق حالة من الإرباك أيضاً في صفوف المعارضة. غالبية المراقبين كانت تعتقد أنّ حزب
العدالة والتنمية سيضطر إلى تأجيل الانتخابات بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب
أجزاء واسعة من جنوب البلاد، وعلى الرغم من أنّ هذا الاحتمال لا يزال قائماً، إلا
أنّ تمسّك أردوغان بالموعد الأصلي يشدّد عليهم الخناق لاسيما بعد الخلاف الأخير
وانسحاب أكشينار من الطاولة.
غالباً ما تتذرّع المعارضة بالسلطة وبأردوغان لتبرير فشلها في أن تكون
بديلاً فعّالاً، لكن اليوم أكثر من أي وقت مضى، يبدو واضحاً للعيان أنّ المشكلة
الرئيسية في
تركيا تكمن في المعارضة. المعارضة فشلت في إدارة طاولة من 6 مقاعد،
فكيف تريد منّا أن نصدّق أنّها قادرة على إدارة بلد بأكثر من 85 مليون مواطن؟ في
حقيقة الأمر، لا يوجد أي عوامل مشتركة على الإطلاق بين أقطاب المعارضة سوى الرغبة
في الإطاحة بأردوغان، وهذا يعني أنّها حتى لو نجحت في تحقيق هذا الهدف، فلن تكون
قادرة على حكم البلاد.
وعلى افتراض أنّ المعارضة نجحت في إقصاء أردوغان رغم تشرذمها
وانقسامها، فسنكون أمام سيناريوهين محتملين: إمّا أنّ الخلافات ستدبّ بين أقطابها
بسبب خيار العوامل المشتركة، وهذا يعني الفشل الأكيد في إدارة البلاد، أو أنّ
هذه الأقطاب ستتّفق على صيغة لاقتسام السلطة، أي معادلة محاصصة شبيهة بما يجري في
الدول الفاشلة في جوار تركيا. وفي الحالة الأخيرة، سيتم تدمير ما تبقى من
ديمقراطية ومؤسسات للدولة. هوس الإعلام
الخارجي بأردوغان يمنع المراقبين من رؤية المخاطر المحدقة بتركيا والناجمة عن وضع
المعارضة.