ليس "فبرايرياً" من غض الطرف عن التجاوزات والانتهاكات
التي وقعت بعد العام 2011م، فما انتفض الفبرايريون إلا دفعا للظلم ورفضا
للانتهاكات وطلبا للعيش الكريم، وهذه هي روح فبراير وهذا هو جوهرها. فبراير جاءت
من أجل مبادئ سامية وترفض الانحراف عنها وتقف ضد من يتورط في ممارسات مشينة حتى لو
كان من أنصارها، وهذا فارق جوهري بين أنصار فبراير وأنصار الفاتح من سبتمبر.
أربعة عقود من الجور والقهر والاستبداد والفشل الاقتصادي والاجتماعي
والثقافي والتخلف الفكري والمعرفي الذي كان نتاج نهج القذافي وخياراته وممارساته،
وأنصاره طوال هذه الفترة، وفي مواكبة لهذا التردي، في حالة هستيرية من التهليل
والتطبيل والتمجيد، وغضوا الطرف عن محارم انتهكت وأرواح أزهقت وثروة أهدرت وفرصة
للنهوص الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمعرفي بددت، وفجأة ظهرت لهم عقول وبصيرة
وحس وطني بعد فبراير 2011م فصاروا يحصون التجاوزات ويعدون الانتهاكات ويتباكون على
بلاد ضاعت خيراتها، فبالله عليكم كيف يمكن أن يقبل عاقل من هؤلاء موقفا أو يبرر
لهم انتقادا؟
لم يكن موقف أنصار النظام السابق المعارضين لثورة فبراير يوما
موضوعيا، بل هي
السياسة والحنق والكره، وإلا فما وقع بعد فبراير 2011م لم يكن بدعا
من الفعل، فقد كان سيناريو مكررا لما وقع في سبتمبر، فأين الحجة في الاعتراض على
أحداث شهدتها فبراير كانت انعكاسا لما وقع في سبتمبر؟ وأين المنطق والعقل والبصيرة
في أن تسمى الأولى نكبة والثانية تقدما وانعتاقا؟!
ليس "فبرايرياً" من غض الطرف عن التجاوزات والانتهاكات التي وقعت بعد العام 2011م، فما انتفض الفبرايريون إلا دفعا للظلم ورفضا للانتهاكات وطلبا للعيش الكريم، وهذه هي روح فبراير وهذا هو جوهرها. فبراير جاءت من أجل مبادئ سامية وترفض الانحراف عنها وتقف ضد من يتورط في ممارسات مشينة حتى لو كان من أنصارها، وهذا فارق جوهري بين أنصار فبراير وأنصار الفاتح من سبتمبر.
سبتمبر انقلاب عسكري على نظام مدني تلبس بأخطاء بعضها فادح لكن الخير
فيه كثير وظاهر وعمره في الحكم لم يتجاوز 18 عاما، فيما كانت فبراير هبة شعبية
عفوية على نظام دكتاتوري استمر في الحكم 42 عاما ومارس القتل والتنكيل وسلب
الأرزاق وأوصل الليبيين إلى وضع مزري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فكيف يكون
انقلاب النظام السابق
ثورة لا غبار عليها وانتفاضة فبراير نكبة، أفلا تبصرون؟!
بذرة التخريب والتدمير والسحق والحرق والتصفية التي تتباكون لأجلها
اليوم غرسها النظام السابق في تراب
ليبيا الذي لم يعرف هذا الخراب والدمار والقتل
والقهر إلا زمن المستعمر الإيطالي، إذ لم يُعدم في الفترة الملكية إلا شخص واحد هو
ابن عم الملك وابن أخ زوجته، ولم يهدم بيت مواطن ليبي، ولم يلاحق مواطن ليبي في
رزقه أو تستهدف عائلته على الإطلاق، فيما عرف نظام القذافي التصفية والإعدامات
وهدم البيوت وتشريد الأسر بالعشرات خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات وتم تصفية
ما يزيد عن 1260 ليبي في ثلاث ساعات العام 1996م، فكيف تبررون الانقلاب على النظام
الملكي وصفحته في الدماء والأرزاق بيضاء ناصعة، وتصفون الانتفاض ضد نظامكم نكبة
وصفحة نظامكم سواد مختلط بحمرة الدماء الزكية، أفلا تعقلون؟!
خلال خمس سنوات من عمر النظام الملكي (1964 ـ 1969)، وهي السنوات
التي شهدت إنتاج وتصدير النفط بكميات اقتصادية، شهدت البلاد أسس نهضة عمرانية
وبنية تحتية وتطور في التعليم والصحة والخدمات العامة كان محور ارتكازها الخطة
الخماسية 1963 ـ 1968م، والتي أنفق فيها ثلاث أضعاف ما اعتمد لها من مخصصات بسبب
الزيادة المطردة في إنتاج النفط خلال سنوات الخطة، واستلم النظام السابق البلاد
وهي تنتج وتصدر 3.2 مليون برميل، فأنظر كيف تركها العام 2011م بمعيار البنى
التحتية والعمران والتعليم والصحة والخدمات العامة، فكيف يكون الانقلاب على نظام
أسس لانطلاقة اقتصادية واجتماعية محل فخر، بينما الثورة على من قطع الطريق على
مسار النهوض وانحدر بالبلاد إلى مهاوي التأزيم الاقتصادي والاجتماعي نكبة، أفلا
تفقهون؟!
سأستمع لمن ناصر القذافي يوما واعترف بأن الانحراف بدأ زمن النظام
السابق وأن المسؤولية تقع عليه كما تقع على من أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية
وتسببوا في الانفلات الأمني بعد فبراير، سأستمع إلى نقده وأتفهم سخطه عن الوضع
الحالي وأقبله بصدر رحب، أما من عميت أبصارهم وبصائرهم عن كوارث سبتمبر ويقفون
بالمرصد لما وقع بعد فبراير فهؤلاء مدلسون لا احترام ولا تقدير لهم ما أرادوا
بمواقفهم هذه الخير لليبيا ولليبيين أبدا.