تجاوز عدد ضحايا
الزلزال الكبير الذي ضرب
تركيا في 6 شباط (فبراير)
الجاري وامتد إلى شمال سوريا الـ43 ألف ضحيّة، منهم أكثر من 38 ألفا في تركيا حتى
هذه اللحظة. وقد أشار عدد من الخبراء إلى أنّ الزلزال الأوّل ذا الـ 7.8 درجة على
مقياس ريختر، ولّد وحده قوّة هائلة تعادل تلك الناجمة عن حوالي 500 قنبلة نووية،
ناهيك عن الزلزال الثاني ذي الـ 7.6 درجة وما تبعه من أكثر من 4300 هزّة ارتداديّة.
وبالرغم من أنّ الكارثة كبيرة بكل المقاييس والمستويات، إلاّ أنّ كثيرين لم يدركوا
حتى هذه اللحظة مفاعيلها الكاملة.
على المستوى الإنساني والاجتماعي، خلّفت هذه الكارثة التي دمّرت
مساحات كبيرة من المناطق التي ضربها الزلزال مُسوّية آلاف المباني والمنشآت
بالأرض، حالةً من إعادة التوزيع الديمغرافي للسكّان في المناطق المنكوبة وخارجها.
فعلاوةً على العدد الكبير للضحايا، فقد خلق الزلزال حركة نزوح داخلية باتجاه قلب
تركيا. عشرات الآلاف من الأتراك انتقلوا، ومثلهم تمّ نقلهم من قبل الحكومة إلى مدن
أخرى خوفاً من الهزّات الارتدادية أو بحثاً عن مساكن مؤقتة خارج حزام المنطقة
المنكوبة.
وفي ما يتعلق باللاجئين السوريين، فإنه وقع عدد منهم ضحايا لهذا الزلزال،
وتشرّد آخرون بسببه. وذكرت بعض التقارير أنّ الحكومة تفكّر بنقلهم وإعادة توزيعهم
في مناطق أخرى. وبحسب بعض المصادر، فإنه عاد بعض من لم يجدوا مكاناً يلجأون إليه إلى
شمال سوريا مرة أخرى. ومن الواضح أنّ جزءا من المعارضة التركية وجمهورها أعادوا توظيف ملف اللاجئين كورقة سياسيّة على وقع الزلزال، وهو أمر يرفع من حدّة التوتر
الاجتماعي والأمني داخل البلاد.
تأجيل الانتخابات مدّة تقارب العام دونه مشاكل وعقبات قانونية وسياسية وإقتصادية. لكن إذا ما سلّمنا جدلاّ أنّ البعض اعتبر هذا السيناريو بمثابة حل مؤقّت إلى أن يتم تسوية الأوضاع سريعاً وإعادة بناء ما دمّره الزلزال وإعادة النازحين إلى مناطقهم وبيتوهم الجديدة، لا يوجد ضمانات أنّ وضع البلاد ستكون أفضل حينها، لاسيما من الناحية الاقتصادية.
تطرح هذه المعطيات تساؤلات حول مصير الانتخابات التي كانت الحكومة
تأمل في أن تجريها بشكل مبكّر في 14 أيار (مايو) المقبل بدلاً من 18 حزيران (يونيو).
ومع حركة النزوح الداخلية، فإنه يصبح من الصعب توقّع مصير هذه الانتخابات، خاصّة أنّ
القانون يُحتّم على الناخب أن يصوّت في المنطقة المُسجّل فيها. ومع الأخذ بعين
الاعتبار أنّه سيكون من الصعب عودة عشرات الآلاف إلى مناطقهم قبل إزالة الركام
وإعادة الإعمار، فإن هذا يعني أنّ إقامة الانتخابات في موعدها سيحرم عشرات الآلاف من
الناخبين من حقّهم في التصويت، وسيترك ذلك بالتأكيد نتائج سلبية في ما يتعلق بنسبة
المشاركة ومصير حزب العدالة والتنمية.
تأجيل الانتخابات مدّة تقارب العام دونه مشاكل وعقبات قانونية
وسياسية واقتصادية. لكن إذا ما سلّمنا جدلاّ بأنّ البعض اعتبر هذا السيناريو بمثابة
حل مؤقّت إلى أن تتم تسوية الأوضاع سريعاً وإعادة بناء ما دمّره الزلزال وإعادة
النازحين إلى مناطقهم وبيوتهم الجديدة، فإنه لا توجد ضمانات بأنّ وضع البلاد سيكون أفضل
حينها، لا سيما من الناحية الاقتصادية.
فضلاً عن ذلك، فإن هذا التمديد سيعطي الوقت الكافي للمعارضة لإعادة ترتيب
صفوفها واستغلال كل الأوراق الممكنة ضد حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، بعد أن
كان الأخير يراهن على أنّ الفترة القصية التي تفصل بين إعلان المعارضة لمرشحيها
وإجراء الانتخابات ستصبّ لصالحه. نرى الآن استغلالاً بشعاً من قبل بعض أطراف
المعارضة وجمهورها لتسجيل نقاط سياسية في ما يتعلق باللاجئين السوريين وأيضا في ما
يتعلق بارتفاع عدد الضحايا في وقت لا تزال فيه فرق البحث والإنقاذ تنتشل الكثير من
الجثث وبعض الأحياء حتى هذه اللحظة من تحت الركام.
ثمّة تساؤلات أيضاً عن التكلفة الاقتصادية لهذه الكارثة وهي تكلفة لا
تقل وطأة عن التكلفة الإنسانية والبشرية والسياسيّة، بل ربما تكون عاملاً إضافيا في تعميق الازمة. هناك بعض التقارير التي أشارت إلى أنّ الخسائر الناجمة عن
الزلزال تبلغ أكثر من 84 مليار دولار، أو ما يزيد على الـ10% من الناتج المحلي
الإجمالي. إذا صحّت هذه التقديرات، فمن أين سيتم تأمين كل هذه الأموال؟ الأمم
المتّحدة بكل أدواتها وأذرعها ومنظماتها دعت إلى محاولة حشد مليار دولار لدعم أنقرة
في هذه الأزمة. ماذا عن عشرات المليارات الأخرى؟ وحتى إن افترضنا جدلاً أنّه سيكون
من الممكن تأمينها، فمتى سيتم ذلك، وبأي تكلفة؟ وكيف سيتم ردّها؟
علاوةً على ذلك، فإن من المحتمل أن تترك الكارثة تأثيرات على سياسة تركيا
الخارجية ودور أنقرة الدبلوماسي وعلى الانتشار العسكري للقوات المسلحة للبلاد في
مسارح متعدّدة، لكن ذلك يعتمد إلى حد بعيد على نتائج الانتخابات والاتجاهات التي
ستبرز إذا ما حصل تغيير نتيجة لهذا الزلزال ومفاعيله الكارثيّة.
أمّا إذا لم يحصل
تغيير في التوجهات السياسية، فإنّ تأثيرات الكارثة على السياسة الخارجية والدور
العسكري سيعتمد إلى حد بعيد على قدرات البلاد الاقتصادية. في جميع الأحوال، فإن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات غير واضحة حتى هذه اللحظة، لكن الأكيد أنّه ما إن
ينجلي غبار الدمار، ويتم إيقاف عمليات الإغاثة، ويجري دفن جميع الجثث، حتى يظهر
الحجم الحقيقي للكارثة ومفاعيلها.