راحت
سكرة المونديال، قضينا شهراً كاملاً سكارى وما نحن بسكارى، وليس كل المخدرات تؤخذ
عن طريق الفم، فمنها ما يؤخذ عن طريق الأنف ومنها ما يؤخذ عن طريقي البصر والسمع.
وكانت أمريكا منعت تيك توك في نحو عشرين ولاية أمريكية،
وقيل إنَّ الأسباب اقتصادية، وهي عقائدية، لأن التيك توك فتّان، وثمة صراع على خوارزميات
التيك توك الصينية الذكية، التي لا تضارعها خوارزميات يوتيوب الأمريكية الغبية.
وقد
عرضت أمريكا على الصين شراء التيك توك، فامتنعت الصين وقالت "جق". وللصين برنامجا
تيك توك، واحد فاسق ماجن داعر للعالم، والثاني تربوي علمي للشعب الصيني. لكن
للمونديال خوارزمياته الخفيّة أيضاً، وقيل إن خمسة مليارات من البشر شاهدوا
المباريات، وهذه مبالغة، وقد رأينا الصراع السياسي الخفي والظاهر على "الولد
المعجزة"
ميسي صانع الأهداف، وغيره من اللاعبين في "دائرة الطباشير"
الخضراء.
قصة العباءة التي ارتداها ميسي وتمريرات المضائق الرياضية، والشرر المتطاير عنها في فضائيات أوربا، خاصة منها الألمانية، التي اجتمع فيها ضيوف أجمعوا أنَّ ميسي قد "لُبس السلطانية"، وأنه "إله" لا يجوز العبث به، وأنها محاولة لطمس هويته، وإخفاء قميص فريقه
ويعلم
من ضمّ مجلسنا، ومن غاب عنه أيضا، قصة العباءة التي ارتداها ميسي وتمريرات المضائق
الرياضية، والشرر المتطاير عنها في فضائيات أوربا، خاصة منها الألمانية، التي
اجتمع فيها ضيوف أجمعوا أنَّ ميسي قد "لُبس السلطانية"، وأنه "إله"
لا يجوز العبث به، وأنها محاولة لطمس هويته، وإخفاء قميص فريقه الذي قدَّ من قُبل
ومن دُبر، مع أن العباءة العربية غلالة، لا تحجب الثياب التي دونها، وأنّ الأرجنتينيين
الأفاضل سعدوا بالأمر، فهم قوم ليس لهم سوابق استعمارية مثل الدول الأوروبية التي
نكّلت بدول العالم الفقيرة. وقيل إن كثيراً من الأرجنتينيين اشتروا العباءة
العربية، بل إن رسامين ظرفاء رسموا بطلهم مارادونا بالغترة والعقال. وكلُّ الأمر أنَّ
ميسي ارتدى العباءة لدقائق، ورقص بها رقصة الكأس فثارت ثائرة العالم، وظنَّ الغرب
الأوروبي أنهم يسرقون ابنهم، وظن آخرون أن ارتداءه للعباءة داخل في شأن التجارة
والأعمال، وربما تذكر بعضهم قصيدة مسكين الدارمي قل للمليحة في البشت الأسود.
وقد
انشغل الإعلام العالمي بصورة ميسي وهو نائم يحتضن
كأس العالم، وليس أمه أو أطفاله،
ثم وهو يشرب المتة أيضاً في كأس ذهبية، وخبر عرضه نعله الرياضي للبيع، فبيع بثمن
مقداره 119 مليون دولار! وبأخبار أخرى مثل معانقة سيدة له، وحسدوها حسداً شديداً، فمن
تكون السيدة التي حظيت بعناق الرجل المبارك، إمام الكرة العالمية، وسيّد الملاعب،
وقيل إنها أمه.
غفلنا شهراً كاملاً عن أخبار الضحايا في شوارع جنين، والغارقين في البحار هرباً من الجوع والقتل، بل إن أخبار أوكرانيا وروسيا تراجعت في نشرات الأنباء إلى الدرجة الثانية، وهي حرب منذرة بشرّ عالميّ ماحق، أما الشعب السوري فكله ضحايا على قيد الحياة
وشاع
خبر عُماني عرض شراء بُشت ميسي بمليون دولار. وقيل الكثير عن تسلل الطباخ العالمي
التركي نصرت صاحب الملح إلى الملعب واتخاذه صورة له مع ميسي من غير ملح، واعتبر
الفيفا صورته انتهاكاً للمعبد المقدس، فنصرت من تركيا ومسلم، ولا يجوز له اتخاذ
صورة مع ميسي المقدس. وتوقعتُ أن أجد أبحاثاً في مجلات أكاديمية أو صحافية عن وشوم
ميسي، ورسومات جسده ودلالاتها.
لقد غفلنا
شهراً كاملاً عن أخبار الضحايا في شوارع جنين، والغارقين في البحار هرباً من الجوع
والقتل، بل إن أخبار أوكرانيا وروسيا تراجعت في نشرات الأنباء إلى الدرجة الثانية،
وهي حرب منذرة بشرّ عالميّ ماحق، أما الشعب السوري فكله ضحايا على قيد الحياة.
قلّت
الحبوب الواردة إلى النصف الفقير من العالم، ونُسيت أخبار الشبان العزّاب
المحرومين من الزواج وقد دخلوا الأربعين، من غير أن يعرفوا أنثى قط، بينما نُصب
عرس بلغت كلفته 200 مليار دولار، زفّ فيه ميسي بطلاً للعالم. وأفرط العرب في تبجيل
اللاعبين المغاربة، حتى أنَّ الملك المغربي كرّمهم، فمُنحوا شارات وأوسمة ملكية، ورتباً
عسكرية واستقبلوا كفاتحين، ووُصفوا بالمقاتلين، ورفع تصنيف فريقهم إلى الحادي عشر
بين فرق العالم، لكن المغرب هي المغرب، فهي تعاني مما تعاني منها أكثر الدول
العربية، وقد سُرّ كثيرون بأخلاق اللاعبين، وزعموا أنهم أثّروا في العالم، ووجدتُ
كتّاباً موقّرين، منهم فلاسفة ومتكلمون وأصحاب عقل وحكمة، سرّوا بالمونديال،
وبايعوا ميسي ملكاً للعالم.
إنه
أكثر الناجحين، يربح وهو يلعب.
والكرة
هي الشعب، والملعب هو السلطة.
قرأت
للمفكر المصري المعروف عبد الرحمن بدوي في مذكراته، ذكراً لكتابٍ كتبه المؤرخ
السويسري يوهان هوزينجا، صاحب كتاب اضمحلال العصور الوسطى، اسمه "الإنسان
اللاعب"، صدر سنة 1938، وهو غير مترجم للعربية للأسف، وهو كتاب سابق في فنه،
يعكف على دراسة تغيير الإنسان من خلال اللعب، ونرى انشغال أولادنا في الألعاب حتى فشا
فيهم القتل والانتحار والاكتئاب.
رأينا شوارع الأرجنتين خالية من الناس فرحاً بفوزها بكأس العالم، لكن هذه هي الصورة الظاهرة، أما الحقيقة فهي أن الأرجنتين بلد جائع، من بلدان العالم الثالث، وأن صراعات دارت بين الشرطة والمشجعين، وأن ضحايا وقعوا، ضربت وسائل الإعلام عن ذكرهم صفحا
شاعت
صناعة النجوم في وسائل التواصل، وغدا النجوم آلهة، وأشد تأثيراً من الملوك
والمفكرين المساكين. وقيل إن الرئيس الأرجنتيني يفكر في وضع صورة ميسي على العشرة آلاف
بيزو، ورأينا شوارع الأرجنتين خالية من الناس فرحاً بفوزها بكأس العالم، لكن هذه
هي الصورة الظاهرة، أما الحقيقة فهي أن الأرجنتين بلد جائع، من بلدان العالم
الثالث، وأن صراعات دارت بين الشرطة والمشجعين، وأن ضحايا وقعوا، ضربت وسائل الإعلام
عن ذكرهم صفحا.
القاعدة
هي: ما يظهر في وسائل العالم موجود ما يخفى معدوم. وقرأت قصة جميلة للكاتب المصري
الراحل فؤاد قنديل في مجلة العربي، وتفقدتها في أعماله الكاملة، فلم أجدها. يذكر الراوي في
القصة أنه سعد بمظاهرة في بلده في وجه السلطة واستبشر، فاقترب منها فوجد أنّ المظاهرة
هي بين جمهوري فريقين رياضيين!
أياً
كان الأمر، فقد خلبوا ألبابنا، وشغلونا عن أحبابنا، ورفعوا اللعبة وشأنها رفعاً
كبيراً، ويظهر أنَّ الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فقد ينقلب اللعب جدّاً. ويذكر
الكاتب ادواردو غاليانو في كتابه الشهير "
كرة القدم في الشمس والظل" أن حرباً
اندلعت سنة 1969 بين هندوراس والسلفادور، وهما بلدان فقيران، بسبب "مسّ الكرة
الشيطاني". وأطلق المؤرخون عليها اسم حرب كرة القدم، فقد اندلعت الشرارة بينهما
في تصفيات المونديال، وذهب ضحيتها أربعة آلاف ضحية. أسياد الحروب والكرة كانوا يتفرجون،
بينما خسر الشعبان دماءً كثيرة.
خلبوا ألبابنا، وشغلونا عن أحبابنا، ورفعوا اللعبة وشأنها رفعاً كبيراً، ويظهر أنَّ الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فقد ينقلب اللعب جدّاً
سألت
صديقاً لي إن كان يتابع المباريات، فقال: إنه على ملّة ميسي، فهو لا يقامر بعواطفه
على فريق خاسر.
وسألني
عن المباريات، فقلت: إن ميسي وامبابي لا يستحقان الكراهية، لكن ذلك لا يقضي بأن
يتحول الحب إلى عبادة وتوثين، وتمثلت بقول الشاعر البحتري:
صنتُ
نفسي عمّا يدنّس نفسي
وترفعتُ
عن هوى لويو مسّي
twitter.com/OmarImaromar